رهان المستثمرين على اقتصاد الهيدروجين الصيني

01:54 صباحا
قراءة 4 دقائق

أدم منتر*

منذ عام 2015، حددت الحكومة عام 2023 هدفاً لنشر مليون سيارة عاملة بخلايا الوقود. وشهد العام الماضي زخماً قوياً على هذا الصعيد تمثل في التزام المزيد من الشركات والمدن بدعم السيارات والتكنولوجيا والبنية التحتية.

لم يتضمن المؤتمر الصحفي الذي عقده مجلس الدولة الصيني مؤخراً لمراجعة قوانين العمل، الكثير من المفاجآت رغم تعديل 83 مادة فيه، ومع ذلك استقطب اهتمام المستثمرين حول العالم.

ومن بين التعديلات اقتراح لتشجيع تطوير وبناء محطات الوقود للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية. جاء الإعلان يوم الجمعة وتلته عطلة في أسواق الأسهم، لكن مع انطلاق التداولات يوم الاثنين كانت الشركات الصينية جاهزة، في الدقائق القليلة الأولى من التداول، ارتفعت القيمة السوقية للشركات ذات الصلة بخلايا الوقود أكثر من 4 مليارات دولار.

استمر الاتجاه الصعودي لأسهم تلك الشركات طوال الأسبوع، ومن المحتمل أن يستمر لفترة أطول. ففي أقل من عقد من الزمان، استخدمت الحكومة الصينية الإعانات والسياسات الداعمة الأخرى لإنشاء أكبر سوق في العالم للسيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات. هذا السوق لا يخلو من مشاكل وعقبات، لذا فإن الحكومة تتطلع إلى تنويع رهاناتها على وسائل النقل الخالية من الكربون. وتعد خلايا الوقود، وهي تقنية تتم متابعتها بوتيرة سريعة في دول شرق آسيا الأخرى وكذلك الولايات المتحدة، من وسائل حكومة بكين المفضلة للوصول إلى ذلك الهدف. من هنا فإن المستثمرين الصينيين، بعد أن رأوا الفرص التي أوجدها دعم السيارات التي تعمل بالبطاريات، معذورون في المسارعة لاقتناص الفرص.

وتقنيات خلايا الوقود قادرة على توليد الكهرباء التي تدفع المحركات. أما أوجه الشبه مع البطاريات فهي أن البطاريات كبيرة وثقيلة وتتطلب شحناً منتظماً بطاقة قد تتولد أو لا يمكن توليدها من مصادر متجددة. أما خلايا الوقود فتنتج الطاقة الكهربائية عندما يتفاعل الهيدروجين مع الأكسجين. فهي لا تحتاج إلى الشحن ؛ لكنها تتطلب خزانات الهيدروجين التي تركب على متن السيارة، وهي أخف وزناً وقادرة على الاحتفاظ بالطاقة لوقت أطول مقارنة مع البطارية، ما يسمح لها بالسفر إلى مسافات أطول. وخلافاً للبطاريات، التي قد تتطلب ساعات من الشحن، يمكن تزويد السيارات التي تعمل بهذه الطريقة بالوقود خلال دقائق، على غرار محركات الاحتراق الداخلي التقليدية.

وإذا كان الأمر بهذه السهولة، فمن الطبيعي أن تكتسح مركبات الهيدروجين الأسواق على حساب السيارات التي تعمل بالبطاريات والسيارات التقليدية أيضاً. إلا أن عدداً من العراقيل الاستراتيجية حالت دون نموها وانتشارها. أولاً، تعد خلايا الوقود الجزء الأساسي من تكاليف السيارة، ما حال دون قدرة هذه التكنولوجيا على المنافسة مع البطارية الكهربائية لسنوات. فعلى سبيل المثال، تبيع شركة تويوتا سيارتها «ميراي» - العاملة بخلايا الوقود بحوالي 70 ألف دولار كونها غير مدعومة رسمياً، مقارنة مع سعر السيارات الكهربائية الصينية العاملة بالبطاريات البالغ 10 آلاف دولار.

ثانياً، تعتبر خلايا الوقود أقل تلويثاً للبيئة وهي مصنفة ضمن الوقود النظيف، لكن الهيدروجين غالباً ما يتم توليده من الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم. فإذا كان الهدف هو الحد من نفث الكربون فإن هذه ستكون عقبة أخرى.

ثالثاً، تكاليف البنية التحتية للهيدروجين بدءاً من خطوط الأنابيب إلى محطات الوقود - باهظة وموادها نادرة. ففي الصين، تبلغ تكلفة محطة الهيدروجين حوالي 1.5 مليون دولار. وهذا استثمار غير مجد، خاصة عندما لا يزيد عدد السيارات العاملة بخلايا الوقود على 5000 سيارة في كافة أنحاء البلاد.

وقد واجهت تطلعات الصين في أن تصبح قوة عظمى في إنتاج السيارات التي تعمل بالبطاريات عقبات شديدة في تسعينات القرن الماضي. لم تكن السيارات الكهربائية يومها موجودة كما لم تكن البنية التحتية للشحن متوفرة مع ندرة التكنولوجيا المتخصصة بها. في عام 2009، أطلقت الحكومة برنامج «عشر مدن - آلاف المركبات»، وهو برنامج لتحفيز مبيعات السيارات الكهربائية من خلال طرحها في المدن الكبرى على نطاق واسع. وبعد أقل من عشر سنوات من الاستثمارات والدعم المادي والسياسي واسع النطاق، أصبحت الصين الأولى عالمياً في مجال السيارات الكهربائية.

هل يتكرر نفس السيناريو المتميز مع خلايا الوقود؟ المؤكد أن المحاولات قائمة على قدم وساق. فمنذ عام 2015، حددت الحكومة عام 2023 هدفاً لنشر مليون سيارة عاملة بخلايا الوقود. وشهد العام الماضي زخماً قوياً على هذا الصعيد تمثل في التزام المزيد من الشركات والمدن بدعم السيارات والتكنولوجيا والبنية التحتية بعد أن أعلنت صحيفة «سيكيوريتي جورنال» الحكومية عن استئناف برنامج «عشر مدن - آلاف السيارات».

وعلى الرغم من الصعوبات التي تعترض البرنامج، فإن لدى الصين العديد من المزايا التنافسية أهمها الاستقرار السياسي وقطاع الطاقة المتجددة الرائد عالمياً الذي ينتج كميات هائلة من الطاقة التي يمكن تخزينها لأغراض أخرى، وأخيراً السيولة النقدية الضخمة التي تغريها بالإنفاق على مشاريع البنية التحتية المطلوبة.

وإذا كان لا بد لكل نجاح من تخطي عقبات مهمة فإن نجاح الصين في مجال السيارات الكهربائية يعتبر ضماناً لتحقيق السبق في خلايا الوقود ومشاريع النقل الخالية من الكربون، وهذا مربط الفرس بالنسبة للمستثمرين.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"