مستجدات هامة في قضية تغير المناخ

02:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد *

اقترح صندوق النفط السيادي النرويجي الذي يبلغ حجمه تريليون دولار، مؤخرا، الابتعاد عن الشركات المشتغلة حصرا في مجالات الاستكشاف والانتاج النفطي. المقترح مصاغ بطريقة تتجنب قيام شركات النفط الكبرى بسحب استثماراتها في الوقت الحالي.
خلصت دراسة إلى أن أكبر خمس شركات في مجال النفط والغاز في العالم، وهي إكسون موبيل، ورويال داتش شل، وشيفرون، وبي بي، وتوتال، قد استثمرت أكثر من مليار دولار من أموال المساهمين في السنوات الثلاث التي أعقبت اتفاق باريس لتغير المناخ، في حملات تجارية مضللة مرتبطة بالمناخ. وهو ما يتعارض مع أهداف الاتفاقية، ويؤكد تصميمها على توسيع عمليات إنتاجها من الوقود الأحفوري. ونظراً لعدم شفافية وإفصاحات الشركات فيما يتعلق بإنفاقها على اللوبيات والحملات المضادة لتنفيذ اتفاق باريس، فقد عمدت منظمة «إنفلوانس ماب» (InfluenceMap)، وهي منظمة بريطانية غير ربحية تُعنى بتتبع وتحليل أفضل الإفصاحات المتوفرة ورسائل الشركات الموجهة لإسباغ المشروعية الاجتماعية والقانونية على أنشطتها النفطية، إلى تحليل وتقييم الإنفاق النفطي الكبير الذي يهدف الى التأثير على جدول أعمال المناخ، بصورة مباشرة أو عبر المجموعات التجارية التابعة للشركات النفطية. وتهدف المنظمة من وراء هذا العمل، إلى تشجيع أطراف قطاعات الأعمال العالمية لاستقطاب قطاع النفط والغاز نحو الجهود الرامية لتبيان أهمية وإلحاحية مواجهة تحديات تغير المناخ، ويشمل ذلك مجتمع الاستثمار العالمي الذي أطلق في عام 2017 برنامج «Climate Action 100+» المحفز لبعض كبريات الشركات في العالم على التعاطي بإيجابية مع تغير المناخ.
على صعيد متصل، اقترح صندوق النفط السيادي النرويجي الذي يبلغ حجمه تريليون دولار، مؤخراً، الابتعاد عن الشركات المشتغلة حصراً في مجالات الاستكشاف والإنتاج النفطي. المقترح مصاغ بطريقة تتجنب قيام شركات النفط الكبرى بسحب استثماراتها في الوقت الحالي. ولذلك فقد طلبت وزارة المالية النرويجية من بنك Norges للتعامل مع شركات النفط الكبرى التي تقوم بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتسرع عملية التحول نحو الطاقات النظيفة. وقد تدفع مثل هذه التوجهات، المشرّعين ومديري الصناديق الكبيرة الآخرين، لمتابعة ومراقبة أنشطة شركات النفط عن كثب فيما يتعلق بتطبيق سياسة المناخ والطاقة. ومن ذلك مثلا، أن شركات النفط الخمس الكبرى المذكورة آنفا، قد خصصت 3% فقط من نفقاتها الرأسمالية لعام 2019، للتقنيات منخفضة الكربون، في حين خصصت 110.4 مليار دولار للاستثمار في أعمال النفط والغاز. وقد تكون دراسة منظمة «انفلوانس ماب» (InfluenceMap)، مرجعية مهمة لمثل هذه التقييمات.
كما توصلت منظمة «انفلوانس ماب» إلى معلومات جعلتها تتشكك بصورة كبيرة في تقارير الاستدامة الصقيلة وبيانات المناخ اللامعة التي تصدرها شركات النفط الخمس الكبرى سالفة الذكر، هي تقارير محض بلاغية لا علاقة لها بالتنفيذ والتطبيق، حيث أتقنت هذه الشركات، وفقاً للمنظمة، فن الظهور المزدوج، من خلال التفاخر بمساهماتها في قضايا المناخ، وفي ذات الوقت العمل بهدوء عبر «قوة نيران» لوبياتها لتخريب عملية تنفيذ سياسات المناخ المعقولة، ومنح ملايين الدولارات لجماعات الضغط للقيام نيابة عنها بهذه الأعمال التخريبية.
على صعيد آخر، كان البرلمان الأوروبي الذي اجتمع أواخر شهر مارس الماضي، قد صوت على قرار برفع هدف الاتحاد الأوروبي الخاص بخفض انبعاثات بلدانه من غازات الاحتباس الحراري إلى 55% بحلول عام 2030، مع مواصلة النقاش للتوصل إلى صفر صافي انبعاثات بحلول منتصف القرن. وكان الاتحاد الأوروبي قد التزم قبل حوالي خمس سنوات بخفض انبعاثاته بنسبة 40% بحلول عام 2030. ومع ذلك فإن المنظمات المعنية بتغير المناخ لم يرق لها هذا الالتزام الذي اعتبرته خفيضاً قياساً للمستجدات التي أنشأها اتفاق باريس لتغير المناخ عام 2015.
وفيما يتعلق بتجارة الكربون، باعتبارها إحدى آليات خفض الانبعاثات، فقد أعلنت الصين أنها لن تأخذ بمقاربة الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، إذ هي تفضل فرض ضريبة كربون على العمل بآليات السوق التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي من خلال «نظام الاتجار في الانبعاثات» (Emissions Trading System - ETS). وقد قالها صراحةً يي وانغ عضو مجلس الشعب الوطني الصيني ونائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم، إن بكين «لن تأخذ زمام المبادرة في ربط سوقي الكربون» (يقصد السوق الصيني بسوق الاتحاد الأوروبي للاتجار في الانبعاثات).
يقول وانغ: «نريد أن نستخدم مقياسا مختلفا وفعالا لتعزيز التنمية المنخفضة الكربون، وأيضا تقليل انبعاثات غازات الدفيئة لدينا، ربما يكون سوق الكربون إحدى طرق خفض الانبعاثات، وهو أشبه بسوق من صنع الإنسان، لذا من الصعوبة بمكان تصور كيفية تخصيص شهادات علاوات التخفيف على قدم المساواة، وهذا تحد كبير للصين، فإذا فشلت الصين في هذا الجانب فإن الفشل سيكون فشلا عالميا. لذا سيكون لدينا خيار آخر في الصين وهو ضريبة الكربون». وأضاف قائلا: «إن الانبعاثات التجارية في الصين ستواجه مجموعة من القضايا، منها على سبيل المثال، الاختلافات الإقليمية الكبيرة، والقضايا التنظيمية، وسبل التحقق من البيانات، ونماذج السوق، والقدرات الإدارية». جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يجاهد منذ عام 2009 من أجل تثبيت أركان نظامه لتجارة الانبعاثات الذي بموجبه يتم وضع سقف للانبعاثات ثم يقوم بتخصيص أو بيع شهادات خفض الانبعاثات لحوالي 10,000 شركة، يمكنها بدورها إما أن تبيع أرصدة شهاداتها غير المستخدمة أو تحتفظ بها بغرض الاتجار أو التعويض. ومع ذلك، فإن أسعار الكربون تكافح للارتفاع فوق 5 يورو للطن بسبب حزم التخصيص المجانية من شهادات الخفض للصناعات الثقيلة، وذلك بهدف عدم هروبها إلى الخارج. والنتيجة أن صار سعر الكربون منخفضاً جدا بحيث لا يؤدي إلى تغيير ذي معنى.
إلى ذلك، فإن من بين أهم وآخر التطورات والمستجدات التي طرأت على أجندة أعمال الحشد العالمي العامل في مجال التغير المناخي، هي تلك المتعلقة بالصفقة الخضراء الجديدة (Green New Deal) في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه تحتاج لتغطية خاصة بسبب أهمية وثقل وموقف الولايات المتحدة من قضية تغير المناخ.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"