هل انتهى عصر الاقتصادات المتقدمة؟

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي*

تمثّل الديون الضخمة إحدى أخطر الأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، ومثّل تضخم الديون في الاقتصادات الكبرى هاجساً لا ينقطع. في عام 2005 أبدى بنك التسويات المالية ملاحظة قاسية «إن تنامي الدين المحلي والدولي هيأ الظروف اللازمة لحدوث أزمات اقتصادية ومالية وعالمية».

بعدها بعام واحد تنبأ بعض المحللين الاقتصاديين بأن ما يعرف بالعالم الأول سوف يغوص في مستويات من الدين مماثلة لتلك التي أوقعت الخراب باقتصاد ما يعرف باقتصادات العالم الثالث في الثمانينات.

وبعد جائحة كوفيد - 19، تفيد بيانات معهد التمويل الدولي بأن إجمالي الديون سيرتفع من مستوى 255 تريليون دولار عام 2019 إلى نحو 325 تريليون دولار عام 2020. وترجع تلك الزيادة في الديون إلى قيام البلدان في جميع أنحاء العالم الى زيادة الإنفاق الحكومي لمنع اقتصاداتها من الانزلاق إلى الركود في أعقاب جائحة كورونا. وتضرب تلك الأزمة الأسواق الناشئة والاقتصاديات المتقدمة، حيث ارتفعت الديون في الاقتصادات الكبرى إلى مستويات أعلى مما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية.

فوفق صحيفة وول ستريت جورنال -اعتماداً على بيانات صندوق النقد الدولي - أن الديون في الاقتصادات المتقدمة ارتفعت إلى 128 % من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزة الرقم القياسي البالغ 124 % المسجل في عام 1946، حيث تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 40 اقتصاداً متقدماً 120 %. وكانت مستويات الديون بعد الحرب العالمية الثانية مرتفعة للغاية. ولكن بعد الحرب المدمرة تم استخدام الديون لبناء مبانٍ وطرق وسكك حديدية جديدة لتسريع النمو.

وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، سجلت فرنسا وكندا نمواً اقتصادياً سنوياً بمعدل بلغ حوالي 5%، وإيطاليا 6 %، وألمانيا واليابان أكثر من

8 %. ونما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 4 % تقريباً. وفي المقابل، في عام 2019، بلغت معدلات النمو السنوية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا حوالي 2 %. بينما كانت معدلات النمو لليابان وفرنسا أقل من 1%. في أعقاب تفشي فيروس كورونا -19، حشد بنك الاحتياطي الفيدرالي والكونجرس الأمريكي مبالغ هائلة للإنفاق التحفيزي خشية أن ينزلق الاقتصاد لولا ذلك إلى مستويات «مطاعم الفقراء» في ثلاثينات القرن العشرين. وسوف يكون عجز الموازنة الفيدرالية نحو 18 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن تتجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة حاجز 100 %. والواقع أن مثل هذه الأرقام غير مسبوقة منذ أن أرسل هاري ترومان قاذفات القنابل الثقيلة B-29 إلى اليابان لإنهاء الحرب العالمية الثانية. لكن جائحة كورونا ليست وحدها المتسببة في زيادة الديون الأمريكية. ونتذكر أنه في صيف 2011 قامت «ستاندرد آند بورز»، بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية من المستوى «AAA» إلى «AA»، في أعقاب قيام الولايات المتحدة برفع سقف الدين مما مثّل مفاجأة مفجعة للولايات المتحدة، التي تمتعت دائماً بأعلى مستوى من التصنيف الائتماني، وهو ما جعلها باستمرار معياراً للاقتصاد العالمي. وأدت هذه الخطوة غير المسبوقة إلى انهيار سوق الأسهم.

ووفق بعض التحليلات فقد يتم تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بسبب وضع الديون. بالنسبة إلى أوروبا، فقد تضررت بشدة من كوفيد- 19، وشهدت بعض دول الجنوب إيطاليا وإسبانيا تخفيضاً في تصنيفاتها الائتمانية. ولمواجهة تداعيات كوفيد - 19 توصل الاتحاد الأوروبي إلى خطة تحفيز اقتصادي بقيمة 750 مليار يورو.

والسؤال المفتاح هو إذا كان يمكن للاقتصادات المتقدمة سداد كل ديونها؟

ترجح بعض التحليلات أن الديون الضخمة في الاقتصادات الكبرى أمر لا مفر منه لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في حقبة ما بعد وباء كورونا، وترجح أن الدين الحكومي ليس عبئاً خطيراً حقاً، مع الأخذ في الاعتبار أن البنوك المركزية قامت بخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل واشترت السندات الحكومية لتعزيز النمو. ومع ذلك فإن الديون المفرطة عامل خطير قد يتحول إلى قيود تكبل حركة الاقتصاد العالمي لذلك لا يمكن الاستهانة بتحذير صندوق النقد الدولي من أن الدين العام هو أهم مؤشر على حدوث الأزمات المالية.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"