فلسفة الأسواق المفتوحة تتلاشى مع «كوفيد-19»

02:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
فرانسيكو دوينا *

من الصعب أن نتخيل أين ستكون البلدان والشركات الأوروبية المثقلة بالديون من دون التدخل الضخم الأخير للبنك المركزي الأوروبي في أسواق السندات السيادية وسندات الشركات.

مع تفشي وباء (كوفيد-19)، وتأثيره في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، تنكشف هشاشة الأسواق وغياب المسعفين من مختلف القطاعات، عدا المال العام، والدعم الحكومي.

و لا يزال دعاة الليبرالية الجدد، وخبراء الاقتصاد المحافظون منذ عقود، يصرون على أن الأسواق يمكن أن تكون الحل لكل مشكلة تواجهها المجتمعات. وكان رونالد ريجان قال في خطاب تنصيبه في يناير/ كانون الثاني 1981: «الحكومة ليست الحل لمشكلتنا، الحكومة هي المشكلة». وكان هذا المبدأ قوة دافعة في السياسة الوطنية في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا، ومعظم دول العالم النامي، منذ ذلك الحين. لقد عشنا في عالم نيوليبرالي لأكثر من جيل حتى الآن.

وفي الواقع، تظهر الأزمة الصحية الحالية عكس ذلك. فكل الشركات في القطاعات الرئيسية - من شركات الطيران إلى الطاقة - تتجه إلى الحكومات للحصول على الدعم المالي. كما يطالب أصحاب الشركات الصغيرة بالحصول على قروض من دون فوائد، وتخفيضات ضريبية، وعقود تمويل مجانية. وتدفع المخاوف من أزمة ائتمان تلوح في الأفق، البنوك للاستفادة من أسعار الفائدة الأرخص، بدعم من البنوك المركزية.

ومن الصعب أن نتخيل أين ستكون البلدان والشركات الأوروبية المثقلة بالديون من دون التدخل الضخم الأخير للبنك المركزي الأوروبي في أسواق السندات السيادية، وسندات الشركات. وقد دفع الانخفاض الكبير في أسواق الأسهم كل الأطراف للرهان على الحكومات، وليس الشركات، لمد شريان الحياة. وكان طبيعياً أن تتولى الحكومات -وليس الشركات- مسؤولية الاستجابات الوطنية للأزمة على الجبهة الصحية.

ففي الولايات المتحدة، تتركز الأنظار على سلطات الدولة الاتحادية، والسلطات الفيدرالية، وما تقدمه لمواجهة الفيروس، وتبعاته. وكذلك الأمر في أوروبا على المستويين الإقليمي، والوطني، وحتى الاتحاد الأوروبي. وفي الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة، ودول آسيوية أخرى، كانت الحكومات، وليست القطاعات الاقتصادية الحرة، هي التي حشدت لمعالجة المشكلة. لقد كانت الدول، وليست الأسواق، هي مصادر الحل. هذا لا يعني أن شركات الأدوية والجهات الاقتصادية الأخرى لن تثبت في النهاية أنها ذات قيمة أيضاً، خاصة عندما يتعلق الأمر باللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات.

المهم هنا هو أن الذين يعتقدون أن الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، يحتاجان إلى القليل من المساعدة من الحكومة، ليسوا على صواب. فالأزمة الحالية تقول، بكل وضوح، إنه حتى أقوى القطاعات الاقتصادية قد يبقى عرضة للخطر. كما تكشف الأزمة عن أن الأسواق، بحكم تعريفها، تفتقر إلى نوع التنسيق المطلوب لمعالجة الأزمات. فهي تلجأ إلى المسؤولين الحكوميين، وليس مديريها التنفيذيين، أو المسؤولين الماليين.

وقد كشفت لنا الأزمات السابقة، مثل الأزمة المالية في 2008، شيئاً مشابهاً، حيث جاءت الحلول الفورية من الحكومة. ونأمل أنه بمجرد تجاوز العالم لهذه الأزمة الأخيرة، لن ينسى دروسها. لكن الذكريات سرعان ما تنسى، وبالتالي، يجد كثيرون أنفسهم مشدوهين بالنموذج القائم. هذا ما حدث بعد أزمة عام 2008 حيث تم تقويض العديد من المبادرات الحكومية الرئيسية، مثل إنشاء مكتب الحماية المالية للمستهلكين، في حين نجت البنوك الكبيرة الحجم، والأكثر تنظيماً.

هذه المرة يجب أن تكون مختلفة. يجب علينا جميعاً أن نفترض، حتى في الأوقات الجيدة، هشاشة الأسواق. وهذا يعني أنه يجب علينا الاستثمار مسبقاً في الهياكل، والبرامج، الحكومية، والتمويل، لمواجهة التحديات التي لا مفر منها، ويجب أن نلتزم بها على المدى الطويل.

على سبيل المثال، يجب تصميم برامج إعانات البطالة لمعالجة تبعات الأزمات الكبرى التي لا تستمر لأشهر فقط، بل لعام، أو أكثر، مع منح دفعات تقترب من قيمة الأجر الكامل، أو، على الأقل، تكفي لتغطية متطلبات العيش الكريم.

وينبغي للهيئات الحكومية إقامة شراكات قوية مع شركات القطاع الخاص خارج أوقات الأزمات، بحيث تكون مستعدة للعمل المنسق عندما نواجه الأوقات العصيبة. ويمكن أن يشمل ذلك برامج إعادة التدريب التي توفر حوافز حكومية مباشرة لأرباب العمل لتوظيف العمال العاطلين عن العمل، إضافة إلى برامج تشمل طلاب الجامعات في التدريب المهني الذي ترعاه الدولة. هناك دول مثل الدنمارك وفرنسا، تفعل ذلك بنجاح.

ولا بد من توسيع صلاحيات المؤسسات والمكاتب الحكومية المهمة - مثل تلك المرتبطة بطلبات إعانات البطالة - للعمل بشكل صحيح عندما يرتفع الطلب، وليس في الظروف العادية فقط. ويجب تعزيز وتطوير بروتوكولات التنسيق المحلي، والفيدرالي، بحيث يتم توفير الإمدادات الحيوية، وتوزيعها بسهولة وعدالة، في أوقات الحاجة.

وينبغي أن يشجع الإصلاح التنظيمي الشركات والمنظمات غير الربحية على الحصول على موارد تخصص للأيام الصعبة التي يمكن أن تستمر لأشهر. على سبيل المثال، قد يُطلب من مقدمي رعاية المسنين، أو سلاسل الوجبات السريعة، المساهمة في مجمعات التأمين المشتركة، بحيث يمكن الحفاظ على قدراتهم على العمل لأكثر من شهر، أو شهرين، حتى خلال فترات الانكماش الحاد. وينبغي وضع سياسات لتحسين التعاون الدولي.

وأخيراً، يبدو أن أهم الدروس التي نتعلمها من انتشار الوباء، هي أن العمل الجماعي وحده هو الذي يحيي الاقتصادات، ويواجه الفيروس، وأن الأسواق غير قادرة على تحقيق أي منهما.

* لوس أنجلوس تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"