القلق من التجارة الدولية (2 - 2)

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة *

إن الخوف من التجارة نابع من القلق من العولمة، ومن فتح الحدود من دون رقابة، كما حصل أحياناً في السابق. كانت النتائج سيئة على المجتمعات عبر اتساع فوارق الثروة والدخل. ولم تفد العولمة الجميع كما كان يعتقد، بل أفادت البعض ربما الأغنياء والشركات الكبرى فقط. ولم تتم معالجة النتائج الاجتماعية بالسرعة والفعالية كما يجب. هذا ما يفسر تحركات «السترات الصفر» في فرنسا كل سبت، من دون أن يبرر هذا العنف والأذى المقصود للمحال التجارية والفنادق وغيرها. من يؤيد العولمة اليوم يرتكب انتحاراً سياسياً، ليس لأن فكرة العولمة سيئة، بل لأن تطبيقها لم يكن بالمستوى المطلوب، ولم تتم معالجة النتائج مرحلياً ودورياً، بل تركت على حالها.

الشعب غاضب اليوم، ليس من الفوارق المالية والاجتماعية؛ بل من حجمها وتوسعها مع الوقت فوق كل التوقعات والتقديرات. وتكمن المشكلة أيضاً في أن بعض الدول التي دخلت العولمة استطاعت أن تخالف القوانين كتطبيق الدعم، ووضع التعريفات، ونجحت كفيتنام والصين، وأخرى دخلت ولم تخالف أياً من القوانين الدولية، فتضررت كالمكسيك. هذا لا يعني أن على الجميع أن يخالف؛ بل يعني أن قيود منظمة التجارة العالمية، وربما بعض الاتفاقات الإقليمية جائرة، وبالتالي وجبت مراجعتها. من الخطأ القول إن الدول النامية تحتاج إلى فتح حدود الدول الغنية أمامها؛ كي تنجح؛ بل تحتاج إلى أمور أخرى أهم من التجارة، كالمساعدات المالية، والقروض الميسرة، والنصائح التقنية، وغيرها. إن تعديل بعض بنود الاتفاقات التجارية لا بد أن يؤدي إلى تخفيف الفوارق ومحاربة الفقر، وبالتالي يفيد الجميع.

ومن مزايا الوحدة الأوروبية هي إلغاء الحدود داخلها؛ لكن ليس الجميع سعيد بما حصل على مدى عقود، وأهمهم البريطانيون الذين صوتوا للخروج من الوحدة. هذا يشير الى صعوبة تحقيق وحدات اقتصادية معمقة من دون تنفيذ وحدات سياسية متطورة. فالشرخ حصل، والمعالجات لم تكن بالمستوى المطلوب، كما تشير إليه الحالة اليونانية.

ويعود عمق الشرخ الى الخلل الحاصل في العديد من الاقتصادات، أي عجز مالي كبير، وعجز تجاري كبير، أيضاً. وساهمت الحلول التقشفية التي طبقت بتخفيف ثقة الأوروبيين بمستقبل الوحدة والرغبة عند العديد من المواطنين في الخروج منها، وهذا لم يعالج بجدية بعد حتى اليوم. وساهمت الحلول القاسية في إعطاء قوة انتخابية للأحزاب المتطرفة يميناً وشمالاً، ما يضر ليس بمستقبل أوروبا فقط، وإنما بمستقبل العالم أجمع.

ماذا كانت المعالجات للمشاكل التجارية الحقيقية، وهل كانت صحيحة؟ أولاً طبقت الحمايات، أي رفعت التعريفات الجمركية التي تخفف الواردات. وفي الولايات المتحدة، رفع الرئيس النسب الجمركية على العديد من السلع. ماذا كانت النتيجة؟ ارتفع العجز التجاري، وزاد التضخم الداخلي.

وفي الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة ارتفع العجز التجاري الأمريكي للسلع والخدمات 10% مقارنة ب2016 أي وصل الى 320 مليار دولار. ماذا حصل تحديداً أيضاً؟ قرر ترامب رفع التعريفات على استيراد الفولاذ والألمنيوم. وتأخر في التطبيق، فتم استيراد كميات كبيرة من المعدنين استباقاً لتنفيذ التعريفات. لذا ارتفعت في المدة نفسها واردات الفولاذ 24% وواردات الألمنيوم 28% مقارنة ب2016. مشكلة ترامب أنه يؤمن بأن التجارة لا تفيد المتاجرين سوياً، أي يكون هنالك دائماً رابح وخاسر، وأمريكا تخسر اليوم، ويربح الآخرون، وبالتالي يجب قلب المعادلة. ولم يقتنع ترامب بعد بعقود من البحوث العلمية التجارية بشأن التجارة.

وهنالك مشكلتان أخريان تضران بالعقيدة «الترامبية» ويمكن وصفهما كالتالي:

أولاً: تحتاج أمريكا الى الكثير من الواردات كي تصدر. فالعديد من السلع الأمريكية المهمة، كما تقول الاقتصادية أن كروجر، تحتوي ضمنها على مكونات مستوردة في قطاع السيارات والأجهزة الخليوية مثلاً. لذلك وضع التعريفات يرفع أسعار السلع الأمريكية المنتجة ويخفف من صادراتها.

ثانياً: الحل للمشكلة التجارية يكمن، كما يقول الاقتصادي بول كروجمان، في رفع مستوى الادخار الداخلي، وهذا ما ضربه ترامب عندما خفض الضرائب على الأغنياء والشركات. فالتخفيض الضرائبي ساهم في رفع العجز المالي، وبالتالي أضر بالادخار الداخلي الذي ذهب لتمويل العجز عوض أن يمول الاستثمارات التي تنتج النمو. هنالك أخطاء مبدئية وعملية في العقيدة الترامبية ستمنع التجديد له إذا ما استمرت.

* خبير اقتصادي وأكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"