فوائد الاستثمار المسؤول اجتماعياً

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

يمر العالم العربي بمرحلة من التغيير لم يشهد لها مثيلاً على مر التاريخ . فمع تضاؤل فرص التوظيف للشباب العربي نتيجة للنقص الحاد في الفرص الاقتصادية، وصلت معدلات البطالة بين الشباب إلى 40% . ومما يجعل المشهد أكثر قتامة، التزايد الكبير في أعداد السكان بنسبة 50% عما كان عليه في الستعينات من القرن الماضي، حيث تبلغ نسبة من هم دون سن الثلاثين منهم 65%، مع توقعات بأن ينمو العدد بالنسبة ذاتها بحلول العام 2030 .

وتشير آخر الدراسات إلى أن معظم فرص العمل المتاحة في سوق الدول المتطورة هي الفرص التي تتيحها الشركات المتوسطة والصغيرة الجديدة، التي يشكل مجموع قيمتها ما يقرب من 70% من قيمة اقتصادات هذه الدول . أما في دولنا النامية، فإن مساهمة هذه الشركات في قيمة اقتصاداتنا لا تتعدى 20% . ومن هنا يصبح الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة حاجة ملحة، خاصة عندما نعلم بأنه يتوجب علينا خلق ما يزيد على 120 وظيفة جديدة خلال العشرين سنة المقبلة، ذلك إذا ما أردنا وقف معدلات البطالة عن الارتفاع وتجميدها عند معدلاتها الحالية فحسب . أي أن علينا خلق وظائف أكثر من تلك التي اتحناها في سوق العمل خلال السنوات المائة الماضية .

ولا يخفى على احد أن المسؤولية الاجتماعية عملية تتطلب تضافر جهود أصحاب المصلحة كافة، ويجب غرس معاييرها والتعريف بها بدءاً بالمنزل فالمدرسة، والحكومة فمجتمع الأعمال . وقد أثبت نجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص أنه يمكننا إضفاء تنظيم ومؤسساتية ومنهجية تسهم في تحقيق نجاح عملية نقل المهارات والمعارف إلى جيل الشباب إذا ما مكنا القطاع الخاص من قيادة هذه العملية، وشجعنا القطاع العام على تبنيها . ولا ينقصنا بعد ذلك إلا تبني رؤية ثلاثية الأبعاد للأعمال، نعيد الاعتبار فيها لعاملين طالما أهملا في سبيل التركيز على الأرباح هما الناس، والبيئة، لنبني اقتصاداً طويل الأمد ومستداماً .

ويتمثل السؤال الأهم في ماهية ريادة الأعمال الاجتماعية، وجوابه ببساطة إنها مبادرات تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص، من خلال إبرام شراكات قائمة على الحوافز مع القطاع العام، والمؤسسات العالمية والمؤسسات غير الربحية، على تبني العديد من القضايا التي تواجه مجتمعاتنا المتسارعة الخطى نحو العولمة، واعتماد هذا النهج في تأسيس أعمالنا التجارية . لقد ولت الأيام التي يقاس بها نجاح الشركات بقدرتها على تحقيق الأرباح إلى غير رجعة . حيث يسعى مجتمع الأعمال العالمي إلى إعادة هيكلة شركاته، بحيث لا تغفل الأثر الإيجابي القابل للقياس على المجتمع والبيئة، في سياق سعيها المحموم لتحقيق الأرباح .

ويحتاج ذلك كله إلى ترسيخ ذهنية جديدة، فالذهنية القديمة التي ترى أنه لا يمكن الجمع بين تحقيق الأرباح من جهة وبين المسؤولية الاجتماعية من جهة أخرى لم تعد صالحة البتة . فنحن في عالم يمكن للشركات فيه تحقيق أرباح جيدة والعمل لما فيه مصلحة مجتمعها في الوقت نفسه . فالاستثمار الخير، وهو لب ريادة الأعمال الاجتماعية .

وبهذا كله، نستطيع ضخ مزيد من الروح في آلة الرأسمالية الفولاذية، وهو ما يطلق عليه اليوم الرأسمالية الخلاقة، حيث تقوم الشركات بإعادة هيكلة أفكارها وقيمها لخلق مزيد من التماهي بين تحقيق مصالحها المالية من جهة، والتزامها بمسؤولياتها تجاه المجتمعات والبيئات التي تنشط فيها . ويبدو أن الآفاق مفتوحة أمام هذا النوع الجديد من الرأسمالية في عالم الأعمال اليوم .

تأسست في العام ،1981 أشوكا: رابطة المبدعين الاجتماعيين، هي منظمة تعمل على تشجيع ريادة الأعمال الاجتماعية العالمية، أطلقها بيل درايتون . ومنذ إطلاقها، تعد أشوكا واحدة من كبرى المؤسسات العالمية التي تسعى إلى دفع عجلة التغيير الاجتماعي الإيجابي في جميع أنحاء العالم . وتحتضن أشوكا العالم العربي، التي أُطلقت في العام ،2003 العديد من المؤسسات الاجتماعية بدءاً من مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة ومنصات التعليم عبر الانترنت للفقراء، وصولاً إلى مد نظم الصرف الصحي المنخفضة التكاليف في المجتمعات الريفية المكتظة بالسكان، وإيجاد فرص العمل لذوي الاحتياجات الخاصة، تركت أثراً كبيراً في حياة أكثر من عشرة ملايين شخص عبر سبع دول في العالم العربي من خلال نماذج أعمال مستدامة وقابلة للتطوير .

إذاً، ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى منطقة الخليج؟

يبذل رواد الأعمال في منطقة الخليج جهوداً مضنية لضمان تعزيز الدور الذي تلعبه أسواق المنطقة في دفع عجلة الاقتصاد العالمي، ويجب أن ترتكز رؤيتنا على أساس تبني القيم التي شكلت منذ زمن جزءاً من الوعي الجمعي للجنس البشري، والتي تكفل لنا الاستمرار في الحياة .

إنه الوقت المثالي لأسواقنا المميزة لتتولى مهمة تعميم هذه الثقافة الجديدة في عالم الأعمال العربي .

* الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع ومؤسس مبادرة بيرل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"