أما آن للألمان فتح خزائنهم؟

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
أندريا كلوث *

حكومة ميركل عززت مصداقيتها الخاصة مع الناخبين الألمان منذ زمن اعتماداً على سياسة موازنة متوازنة يطلق عليها «الصفر الأسود»، والتي تركز على تغطية الإنفاق من عائدات الضرائب.

تحياتنا لألمانيا. أخيراً، بعد سنوات من انتقادات يوجهها العالم بأسره لأكبر اقتصاد في أوروبا لتقتيرها في مالها العام، تخلت الحكومة عن عنادها وضخت النقد لدعم الاقتصاد. قد يكون التحرك تحت ضغوط الوباء أمراً مشيناً، ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقاً.

أعلنت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، التي تعرضت للحجر الصحي بعد تعاملها مع طبيب مصاب، عن اقتراض حكومي إضافي يصل إلى 350 مليار يورو (376 مليار دولار). وسيخصص مبلغ 150 مليار يورو منها لموازنة هذا العام، والباقي لصندوق إنقاذ جديد. وسوف تتم الموافقة على الحزمة، التي تأتي مع مئات المليارات التي تم التعهد بها في ضمانات القروض وإجراءات أخرى من قبل مجلسي البرلمان على جناح السرعة.

بهذه الخطوة، تنضم ألمانيا أخيراً إلى الاقتصادات الكبيرة الأخرى في العالم في محاربة أزمة طاحنة بأدوات ضخمة. لكن ألمانيا وجدت صعوبة أكبر في اتخاذ هذه الخطوة نظراً لأن حكومة ميركل عززت مصداقيتها الخاصة مع الناخبين الألمان منذ زمن اعتماداً على سياسة موازنة متوازنة يطلق عليها «الصفر الأسود»، والتي تركز على تغطية الإنفاق من عائدات الضرائب.

كانت هذه السياسة نتيجة تعديل دستوري تم تمريره في عام 2009، مستوحى من الانهيار المالي، يحد بشدة من الاقتراض الحكومي، باستثناء استخدام القروض في حالات الطوارئ غير المتوقعة.

ووقفت دول العالم الفاعلة من واشنطن إلى باريس وروما وبروكسل ضد سياسة «صفر ديون» الألمانية. وحجة هؤلاء القوية أن ألمانيا بحاجة ماسة إلى الاستثمار العام لإصلاح بنيتها التحتية المتداعية. ولطالما كرر منتقدوها أن الاقتصاد الكبير الوحيد في منطقة اليورو لديه القدرة المالية لتحفيز القارة الراكدة.

وانضم الكثير من خبراء الاقتصاد الألمان العام الماضي إلى وجهة النظر «الأنجلوسكسونية»، وكذلك فعل السياسيون من يسار الوسط، من حزب الخضر المعارضين للاشتراكيين الديمقراطيين في ائتلاف ميركل الحاكم.

لكن المحافظين أنفسهم في حزب ميركل لم يقفوا مكتوفي الأيدي. ولا يزالون حتى الآن، يزعمون أن فرملة ديونهم، بعيداً عن كونها جزءاً من المشكلة، تكشف عن نفسها كحل. وإذا كانت ألمانيا، بخلاف إيطاليا على سبيل المثال، قادرة الآن على إنفاق كل ما يتطلبه الوضع المستجد، فذلك فقط بفضل الإدارة المالية الحصيفة للبلاد طوال السنوات الماضية. ووفر مبدأ «صفر ديون»، مع البند الذي يسمح باستثناء حالات الطوارئ الكارثية، مرونة كافية دائماً، حتى في مواجهة الوباء.

ربما، ولكن ما يستمر هذا المنطق الألماني في تجاهله، هو الدور الخاص لألمانيا في منطقة اليورو. فحتى هذه اللحظة تبدو الاستجابة الألمانية ذات طابع وطني بحت، ومخصصة لمواجهة التداعيات الاقتصادية المحلية المتوقعة، والتي يقدر مركز أبحاث مقره في ميونيخ حجمها بين 255 و 729 مليار يورو، وهو ما يكفي لتقليص الناتج العام الألماني بنسبة تتراوح بين 7.2٪ و 20.6٪.

المطلوب من ألمانيا أن تأخذ في اعتبارها أنها أكبر مكون من اقتصاد أكبر، هو اقتصاد منطقة اليورو. ما لم يفهمه صانعو السياسة الألمان بما في ذلك ميركل حتى الآن، هو أن ألمانيا هي في الواقع القوة المهيمنة أو الوصي الاقتصادي على اتحاد العملة الموحدة. وللحفاظ على هذا الاتحاد، يجب أن تقود ألمانيا جهود مواجهة أوروبية للوباء بدلاً من الجهود الوطنية، وإن لم يكن خلال الوباء، فعلى الأقل بعد ذلك مباشرة.

سيتطلب هذا إنشاء شكل من أشكال الخزانة في منطقة اليورو، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، وفرض ضرائب جديدة على منطقة اليورو من شأنها أن تسدد السندات المستقبلية الصادرة عن دول المنطقة ككل. عندها ستتمكن المنطقة من الحصول على القروض بمعدلات فائدة أقل مقارنة مع سعي كل دولة عضو للحصول عليها منفردة كما هو الحال في إيطاليا. ثم تُصرف الأموال حيث تشتد الحاجة إليها.

المؤكد طبعاً أن منطقة اليورو لا يمكنها استكمال الاتحاد المالي بكبسة زر في خضم حالة طوارئ طبية عالمية. وتتطلب العملية مقايضات، وقيوداً إضافية على الميزانيات الوطنية، وتالياً المزيد من التكامل السياسي. وبينما تبذل الدول الأعضاء التسع عشرة جهودها منفردة من أجل حياة مواطنيها، يجب أن تمنح جهود احتواء الفيروس الأولوية القصوى.

ولكن بينما تكافح دول أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، لإنقاذ اقتصاداتها الوطنية مما هو أسوأ، يجب عليها أيضاً الاستعداد ذهنياً لليوم الذي يتلاشى فيه الفيروس. وحتى لو نجح البنك المركزي الأوروبي في تجنب أزمة ديون سيادية أخرى، فإن بلدان اليورو ستخرج من الوباء بمستويات متفاوتة من الديون، في اللحظة التي تحتاج إلى إعادة تشغيل اقتصاداتها.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"