حملة واشنطن خدمت «هواوي»

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
توم فاودي *

لا شك أن تجاهل هذه التقنية ينطوي على خسائر فادحة في المستقبل، وفي الحالة البريطانية قد تصل تكاليفها إلى 5 مليارات جنيه إسترليني

الحملة التي شنتها الولايات المتحدة ضد شركة «هواوي» الصينية لصناعة تقنيات الاتصالات بتهم تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، لا تزال في أوجها رغم أن نتائجها المحققة حتى الآن قد لا تساوي قيمة تذاكر سفر المسؤولين الأمريكيين الذين جابوا العالم لتشويه صورة الشركة.

فقد أعلنت شركة «هواوي» مؤخراً أنها حصلت على أكثر من 91 عقداً تتعلق بتقنيات الجيل الخامس «جي5» موزعة على دول مختلفة، منها 47 عقداً في أوروبا. وقفز العدد الإجمالي لعقود الشركة من 60 عقداً في شهر أكتوبر من العام الماضي، وبذلك حافظت على ريادتها كأكبر مورد لبراءات اختراع تقنيات الجيل الخامس في العالم متقدمة على منافساتها في دول الشمال الأوروبي «إريكسون» و«نوكيا».

وتأتي هذه البيانات في التوقيت المناسب، وسط تكثيف الولايات المتحدة حملتها لعزل شركة هواوي كجزء من هجومها التكنولوجي على الصين.

وقبل أيام فقط، شهد مؤتمر «ميونيخ سكريتاري كونفرس» في ألمانيا هجوماً قوياً من قبل مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، بمن فيهم مايك بومبيو وزير الخارجية، ومارك إسبير ونانسي بيلوسي، يطالبون الحلفاء في أوروبا بمقاطعة شركة هواوي، متهمين الشركة بأنها «حصان طروادة» المخابرات الصينية.

وقبل المؤتمر مباشرة، وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات جنائية جديدة ضد الشركة متهمة إياها بالابتزاز وسرقة التكنولوجيا، وهو أمر رفضته هواوي باعتباره قضايا يعاد تدويرها بعد أن حُسمت، وتنطوي على أهداف سياسية بعيداً عن السعي لتحقيق العدالة.

كما فرضت الولايات المتحدة ضغوطاً شديدة على المملكة المتحدة لحظر الشركة، على الرغم من قرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالموافقة على التعامل معها في ما يخص تقنيات الجيل الخامس.

ومع ذلك، فمن الواضح تماماً أن الإدارة الأمريكية تخسر حربها ضد هواوي ؛ ليس فقط على نطاق ضيق، ولكن بأغلبية ساحقة.

إن الفشل في تقدير المصالح الوطنية للدول التي تستخدم تقنيات جي5، والقفز الهستيري فوق الواقع العملي وغياب البديل، قد أدى إلى تجاهل مطالب واشنطن على نطاق واسع، باستثناء حليفتها أستراليا التي تحاول حظر الشركة واليابان التي أوقفت استخدام تقنيات هواوي حالياً.

من ناحية أخرى، فشل حظر شركة «هواوي» في الأسواق الأمريكية في حرمان الشركة من المكونات الأساسية، الأمر الذي أدى إلى الخلاف وتباين المواقف في البيت الأبيض، مما يدل على الاعتراف الضمني بأن العمل مع الشركة هو في مصلحة الأمريكيين.

لماذا فشلت حملتهم ضد هواوي؟ السبب الأول هو أن معظم الدول ليست ساذجة وتعترف بأنها مدفوعة سياسياً بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية. وقد أخفقت الولايات المتحدة في تقديم أدلة جوهرية أو مقنعة لحلفائها لتبرير المطالبة باستبعادها تماماً.

ولقد بات معروفاً الطريقة التي تثير بها واشنطن الحملات الهستيرية لتحقيق أغراض خاصة في سياستها الخارجية. وعلى الرغم من تكرار وسائل الإعلام الرئيسية رواياتها، أيقنت الكثير من الحكومات أن ادعاءات البيت الأبيض غير مقنعة.

ثانياً، لم يتمكن السياسيون الأمريكيون من تقديم بديل بعد حظر شركة «هواوي». وقد طلبوا من بلدان أخرى حظر واستبعاد تكنولوجيا ضرورية وغير متوفرة لديهم، وتوفرها شركة هواوي الأرقى في هذا المجال، بأسعار معقولة. ولا شك أن تجاهل هذه التقنية ينطوي على خسائر فادحة في المستقبل، وفي الحالة البريطانية قد تصل تكاليفها إلى 5 مليارات جنيه استرليني.

وعلى الصعيد التقني فشلت واشنطن في تطوير أي تقنيات بديلة. وقد أوصى بعض المسؤولين بتطوير تقنية جي 5 أمريكية خاصة، لكن بلوغ ذلك الهدف سيأتي متأخراً جداً، وهناك من قال إن مثل هذا التوجه يتطلب شراء شركة خارجية مثل نوكيا، وهو ما لا توافق عليه حكومة فنلندا.

لهذا فإن حملة واشنطن ضد هواوي تحولت إلى الكثير من الجعجعة بدون أي طحن. وقد يكون النزاع الذي تسعى الولايات المتحدة لتصعيده بلا طائل، لأن الأمور لا تسير في صالحها مع تزايد عدد الدول التي ترفض مطالبها بعدم التعامل مع هواوي.

* تشاينا ديلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"