ضرائب على شركات التكنولوجيا

02:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد

سلع الاقتصاد الافتراضي التي «تنتجها» شركات مثل «جوجل»، و«أبل»، و«فيسبوك»، و«أمازون»، وغيرها (معظمها شركات أمريكية كانت سبّاقة للسيطرة على أسواق استهلاكها عبر العالم)، هي في الطريق للتحول إلى «إضافة» نوعية جديدة لقائمة المنازعات التجارية الدولية. فهذه الشركات التكنولوجية، التي تبيع، بصورة أساسية، المعرفة، كسلعة استهلاكية، تجني مليارات الدولارات من أسواق التصدير الأجنبية. وقد تنبهت حكومات البلدان الأوروبية والآسيوية إلى هذا الأمر، وبدأت تفكر في مشاطرتها، ولو جزءاً يسيراً من كعكة هذه الأرباح الخيالية، في صورة ضرائب، كما كان الحال حين فكرت الدول الأوروبية، باسم حماية البيئة، في فرض ضريبة كربون على وارداتها من النفط الخام للحصول على مصدر تمويل جديد لإيرادات موازناتها العامة. وقريباً سوف يتم التعامل مع هذه السلع التكنولوجية على غرار التعامل مع النفط والمنتجات الزراعية.
وكانت المفوضية الأوروبية كشفت في شهر مارس/ آذار من عام 2018 النقاب عن تدابير جذرية لتحسين الجباية الضريبية على أرباح شركات التكنولوجيا ذات العمليات الواسعة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. حيث ستخضع الشركة للضرائب إذا كان لديها أكثر من 100,000 مستخدم، أو تكسب أكثر من 7 ملايين يورو سنوياً، أو أكثر من 3000 من عقود عمل الخدمات الرقمية داخل الدولة العضو. وقد أرادت المفوضية من اقتراحها، منع الشركات من إعادة توجيه الإيرادات إلى البلدان التي لديها قوانين ضريبية متساهلة (جنات ضريبية). ولما كان مفعول هذا المقترح طويل الأجل، لذا فقد اقترحت أيضاً ضريبة مؤقتة غير تقليدية يمكن تطبيقها على الإيرادات بدلاً من الأرباح المتولدة داخل الاتحاد الأوروبي. وهذه كانت ستُطبق، على وجه التحديد، على المساحات الإعلانية عبر الإنترنت، وعلى بيع معلومات المستخدم، وعلى «أنشطة الوسيط الرقمي» التي تسمح للمستخدمين ببيع السلع والخدمات لبعضهم بعضاً. وكان يفترض تطبيق هذا المقترح على الشركات الكبيرة فقط، ذات العوائد التي تتجاوز 750 مليون يورو حول العالم، و50 مليون يورو داخل الاتحاد الأوروبي. ووفقاً للمفوضية، فإن معدل الضريبة المقترح، وهو 3%، سيولد 5 مليار يورو لأعضاء الاتحاد الأوروبي.
لكن المقترح لم يرَ النور بسبب قوة نفوذ شركات التكنولوجيا العملاقة الأمريكية، وتغطيتها سياسياً من قبل حكومة بلادها، فضلاً عن وجود دول أوروبية (شرقية) باتت أكثر قرباً لواشنطن منها إلى الاتحاد الأوروبي الذي تنتمي له. لكن الولايات المتحدة اضطرت مؤخراً، للدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق ثنائي يكون أساس لإطار ضريبي عالمي لشركات اقتصاد الإنترنت، ويُجنب الشركات الأمريكية سقوف ضريبية أوروبية مرتفعة. لكن هذه المفاوضات انهارت في 12 مارس/ آذار 2019 نتيجة فشل وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن، الذي كلفه الرئيس ترامب بمهمة هي في الواقع معاكسة للمتطلب الأساسي لنجاح أية مفاوضات، وهو توفر المرونة، من حيث تمسك الجانب الأمريكي بالحمائية، ما أعاق التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين بشأنها. بعد ذلك، فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على مقترح المفوضية بفرض ضريبة نسبتها 3% على شركات التكنولوجيا بسبب اعتراض بعض الدول الأعضاء، من بينها ايرلندا، والسويد، وبقية دول النورديك (شمال أوروبا)، وهولندا. فكان أن قامت فرنسا بصورة منفردة بفرض هذه الضريبة على 30 من كبريات الشركات الرقمية أغلبها أمريكية، مثل «فيسبوك»، وشركة «ألفابيت»، المالكة ل«جوجل». علماً بأن الاتحاد الأوروبي، يفرض ضريبة على شركات التكنولوجيا والمعلوماتية نسبتها 9.5%، مقارنة بضريبة نسبتها 23.2 تفرض على أنشطة الأعمال التقليدية الأخرى. طبعاً الولايات المتحدة احتجت، وهددت، وتوعدت فرنسا بإجراءات عقابية. فانهارت حكومة ماكرون أمام هذه التهديدات، وتراجعت عن قرارها.
حكومة الهند برئاسة ناريندرا مودي، كانت هي الأخرى بادرت في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بفرض ضريبة نسبتها 2% على مبيعات السلع والخدمات عبر الإنترنت للأشخاص في الهند من قبل الشركات الأجنبية الكبيرة. كما أن وزراء مالية، ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين، يعكفون منذ اجتماعهم في 15 إبريل/ نيسان الماضي، على وضع اتفاق عالمي بشأن فرض ضريبة على شركات الاقتصاد الرقمي. كما تعهد أكثر من 135 دولة للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
وفي المحصلة، فإنه لا توجد حتى اليوم ضريبة رقمية (Digital tax) عالمية. لكن، بما أن الدول أضحت في حال المتحفز للبحث عن أي مورد مالي جديد، فمن الطبيعي أن تكون الشركات التي تجني أرباحاً طائلة (مثل أبل، فيسبوك، وأمازون، وجوجل، وغيرها)، هدفاً سهلاً لتحصيل مثل هذه الإيرادات. بل إن مسار المفاوضات متعددة الأطراف الجارية حالياً في إطار مجموعة العشرين، دفع بعض أطرافها للتفاؤل بشأن ارتفاع فرص فرض الضريبة في وقت لن يتجاوز النصف الثاني من العام المقبل، سواء بصورة انفرادية، كما فعلت الهند وكما فعلت فرنسا (قبل تراجعها تحت التهديد)، أو عبر اتفاق متعدد الأطراف، في حال وجدت واشنطن نفسها مضطرة تحت ضغط الإجماع الدولي، للتراجع عن موقفها الداعم والحامي لشركاتها الرقمية.
وبالنسبة إلينا في مجلس التعاون، هذا ملف في غاية الأهمية لجانب الإيرادات في موازناتنا العامة. فكيف نستعد لهذا الاستحقاق الإيجابي في العلاقات المالية الدولية؟ هذا ما سنناقشه في المقال القادم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"