الحل ليس في تفكيك «فيسبوك»

01:57 صباحا
قراءة 4 دقائق

نيك كليج *

كبر الحجم في حد ذاته ليس مشكلة ولا ينبغي معاقبة من يحقق النجاح. لقد أتاح نجاحنا للمليارات من الأشخاص حول العالم الوصول إلى طرق جديدة للتواصل مع بعضهم بعضاً
متى تصبح الشركة كبيرة جداً أو ناجحة جداً بما يضمن لها الاستمرار؟ يقول كريس هيوز، أحد مؤسسي «فيسبوك»، إنه يجب تفكيكها لأن كبر الحجم يمثل خطراً على المجتمع. لكنني أعتقد، ويشاركني الرأي أغلب الناس الذين يكتبون عن تأثير التكنولوجيا في المجتمع، أن ما يهم ليس الحجم بل حقوق ومصالح المستهلكين، ومسؤوليتنا أمام الحكومات والمشرعين الذين يشرفون على الأعمال والاتصالات.
قد يكون هيوز محقاً في أنه ينبغي مساءلة الشركات عن تصرفاتها. لكن عندما يضع الناس قواعد الإنترنت من نقطة الصفر، فلن يدعوا الكثير من المسائل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية الهامة في يد الشركات الخاصة. لكن التحديات التي يلمح إليها، بما في ذلك التدخل في الانتخابات وحماية الخصوصية، لن تتبخر عن طريق تفكيك «فيسبوك» أو أي شركة تكنولوجيا كبرى أخرى. إصلاح هذه المشاكل يتطلب موارد كبيرة - وقوانين جديدة رادعة.
ويعمل لدينا في «فيسبوك» 38 ألف شخص على مستوى العالم، وفي كل يوم يستخدم أكثر من ملياري شخص منتجات فيسبوك أو إنستجرام أو إحدى منصاتنا الأخرى. وتحقق أكثر من 90 مليون شركة صغيرة الازدهار بمساعدة منصاتنا لأنها يمكن أن تصل إلى جمهور عالمي لأول مرة. كما تنشط المنظمات غير الربحية من مختلف الأحجام في جمع الأموال وتعزز إمكاناتها فيما يزيد على 200 دولة وعلى مدار الساعة. نحن فخورون بذلك.
ولكن مع النجاح الباهر تأتي المسؤوليات الصعبة. على الرغم من أننا نحرص على الامتثال للقوانين أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الشركة، إلا أننا نعتقد أنه ينبغي تحقيق المزيد. وكان آخر جهد للشركة على هذا الصعيد زيارة مارك زوكربيرج إلى باريس مؤخراً ولقاؤه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومشرعين متخصصين لمناقشة تأثير التكنولوجيا والحاجة إلى حلول تشريعية.
ونركز حالياً على أربعة مجالات رئيسية هي: تقليل كمية المحتوى الضار الذي ينشره الأشخاص ؛ وحماية الانتخابات الديمقراطية ؛ودعم القواعد الموحدة لخصوصية البيانات ؛ ومنح الأفراد مزيداً من القدرة على نقل بياناتهم بسهولة. ونعتقد أنه على الحكومات أن تسن القوانين التي تتفق مع مبادئها الخاصة ضمن كل مجال بغض النظر عن مصالح الشركات الخاصة مثل «فيسبوك».
وخلال الأشهر الأخيرة، كانت لنا جولة مفاوضات مع الهيئات التنظيمية الأمريكية حول كيفية إدخال تحسينات على سياستنا في الخصوصية. ونحن ندعو بإصرار وباستمرار لفرض المزيد من القواعد التنظيمية وليس تخفيفها. ويبدو أن المشرعين يتعجبون فقط من النمو الهائل الذي نحققه ويتجاهلون مسؤوليتاهم الخاصة بحماية الجمهور من خلال تعزيز المزيد من المنافسة.
وتنطوي هذه الادعاءات على تداعيات خطيرة على قطاع التكنولوجيا الأمريكي، أقوى دعامة للاقتصاد، كما تكشف عن سوء فهم للدور الذي تقوم به «فيسبوك» والغرض الرئيسي من قانون مكافحة الاحتكار.
وأول مظاهر سوء الفهم يتعلق بشركة «فيسبوك» نفسها والديناميات التنافسية التي تعمل في إطارها. نحن شركة كبيرة تتكون من العديد من الأجزاء الصغيرة. وجميع منتجاتنا وخدماتنا تصب في صالح خدمة العملاء. ويتكون كل جزء من ثلاثة أو أربعة منافسين على الأقل ولكل واحد منهم مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، من المستخدمين. ونتنافس في مجال مشاركة الصور والفيديو مع شركات مثل يوتيوب وسناب شات وتويتر وبنتريست وتيك توك وهي منافس جديد.
وفي خدمات المراسلة، لسنا الأفضل في الأسواق الرئيسية الثلاث على مستوى العالم وهي الصين واليابان والولايات المتحدة. وعلى صعيد وسائل التواصل الاجتماعي، لدى الصين وحدها العديد من الشركات بعضها ضخم جداً مثل تينسنت وسينا. ولا شك في أن الحديث عن تفكيك واحد من كبار عمالقة التقنية الأمريكية في أوساط صناع القرار الأمريكي سيكون مؤذياً للناس خاصة في أوروبا.
وفي هذه البيئة التنافسية، من الصعب الادعاء بأن «فيسبوك» تعتبر شكلاً من أشكال الاحتكار. فجميع إيراداتنا تقريباً مصدرها الإعلانات الرقمية، وتشير معظم التقديرات إلى أن حصة «فيسبوك» تمثل حوالي 20 في المئة من سوق الإعلانات عبر الإنترنت بالولايات المتحدة، ما يعني أن 80 في المئة من إجمالي الإعلانات الرقمية لا تعرض على منصاتنا.
أما سوء الفهم الثاني فيتعلق بقوانين مكافحة الاحتكار. فهذه القوانين، التي تم تطويرها في القرن التاسع عشر، لا تسعى إلى معاقبة أي شركة لأن الناس يختلفون مع إدارتها. والغرض الرئيسي منها هو حماية المستهلكين من خلال ضمان حصولهم على منتجات وخدمات منخفضة التكلفة وعالية الجودة. هذا هو بالضبط ما تركز عليه «فيسبوك» أي توفير أفضل المنتجات مجاناً للمستهلكين، وبتمويل من المعلنين.
خلال العامين الماضيين، ركزنا بشدة على منع الخصوم الأجانب من محاولة التأثير في الانتخابات الديمقراطية باستخدام برامجنا. لقد فعلنا الشيء نفسه للحماية من الإرهاب وخطاب الكراهية وحماية بيانات الأشخاص بشكل أفضل. وستكون الموارد التي سننفقها على الأمن والسلامة هذا العام وحده أكثر من إجمالي إيراداتنا خلال السنة الأولى من طرح أسهمنا على الاكتتاب العام الأولي في 2012. وسيكون ذلك مستحيلاً بالنسبة لشركة أصغر حجماً.
كبر الحجم في حد ذاته ليس مشكلة ولا ينبغي معاقبة من يحقق النجاح. لقد أتاح نجاحنا للمليارات من الأشخاص حول العالم الوصول إلى طرق جديدة للتواصل مع بعضهم بعضاً. إن كسب المال من الإعلانات يعني أننا نستطيع توفير هذه الأدوات للناس مجاناً. وبدلاً من تفكيك «فيسبوك» يمكن محاسبتها. كما ينبغي على كل حريص على إزالة القلق الناتج عن انتشار الإنترنت العمل والتعاون لتغيير قواعدها وليس تفكيك الشركات الناجحة.

* نائب رئيس فيسبوك للاتصال الدولي (سي إن إن)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"