عادي

المقاومة الشعبية في فلسطين تاريخ من الأمل والتمكين ... (2-2)

04:40 صباحا
قراءة 11 دقيقة
تأليف: مازن قمصية - عرض وترجمة: عبدالله ميزر

يتحدّث الكاتب مازن قمصية في كتابه المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ من الأمل والتمكين، الصادر في 2011 عن دار النشر البريطانية بلوتو بوكس ضمن 290 صفحة من القطع المتوسط، عن جميع المراحل التاريخية للمقاومة الفلسطينية المناهضة للأفكار والجرائم الصهيونية خلال 130 عاماً منذ الحكم العثماني، وحتى الوقت الحاضر، بالوسائل كافّة، السلمية منها والعنيفة التي جاءت كردّات فعل على وحشية الكيان الصهيوني في التعامل مع أبناء فلسطين، ويتناول الثورات المتلاحقة التي قام بها الأحرار من أطياف الشعب الفلسطيني كافة، كما يبين الاتفاقيات التي حثت على

إقامة دولة يهودية ملغية كل تنوع عرقي وثقافي مترسخ في أرض فلسطين منذ بدايات التاريخ، ويبين الكاتب فشل الدولة القائمة على إلغاء الآخر، كما نراه يدوّن الدروس التي لابدّ من الاستفادة منها، ويكتب توقعاته وتحديات المرحلة المقبلة، والفرص التي لابدّ من استغلالها . نرى أنّ هذا الكتاب المقسّم إلى ثلاثة عشر فصلاً بعد المقدمة، هو موجه إلى الغرب بالدرجة الأولى، وذلك في محاولة من الكاتب توضيح بعض الأفكار الخطأ عن المقاومة الفلسطينية المشروعة، وضرورة تفهم الواقع المرير الذي يعيشه أبناء فلسطين، والظلم الواقع عليهم بصيغة دقيقة وشاملة .

إسرائيل فشلت في هزيمة الانتفاضة فلجأت إلى أوسلو

يتحدث الكاتب في الفصل العاشر عن الفترة الممتدة من نكسة حزيران 1967 حتى السنة التي تسبق الانتفاضة، وكان الكاتب حينها في العاشرة من عمره، وترجمنا بعضاً مما قاله عن الأيام التي عاشها، ونجد أنه يخطّ هذه الكلمات بإحساس البراءة الطفولية التي عانت القهر والخوف، ولهجة الحزن بادية في كتابته: أتذكر أمي عندما كانت تعطي الثياب المدنية لبعض الجنود الأردنيين الذين كانوا يهربون شرقاً عبر بلدتنا بيت ساحور ويضيف: أتذكر أيضاً الجنازات والأعلام البيضاء المعلقة على المنازل، وحينها ذهبت إلى مدرسة خاصة لمدة شهرين، حتى فتحت المدارس العامة مرة أخرى بعد صراع مع السلطات الإسرائيلية على تغيير المناهج . ويتحدث في فقرة عن نضال ومقاومة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لمدة 19 عاماً في صمت تحت النظام الصهيوني الوحشي، وفي فقرة أخرى يتحدّث عما كان يجري من مقاومة في الخارج، ومن بعض ما قاله حول ذلك: في عام ،1970 انفجرت التظاهرات الكبيرة في غزة، التي أخافت الجيش الإسرائيلي بسبب أعداد المشاركين، وتم حينها إرسال الجنرال أرييل شارون لقمع المقاومة بالوسائل العنيفة وغير العنيفة، وأصبح معروفاً ب البلدوزر بسبب الطريقة الوحشية والقاسية التي تعامل بها، ثم ينتقل إلى التغييرات التي جلبتها حرب ،1973 متناولاً تفاصيلها والفترة التي سبقت الانتفاضة في الثمانينات والأسباب التي أدت إليها .

انتفاضة الحجارة

في الفصل الحادي عشر بعنوان انتفاضة الحجارة، 1987-1991، يجد الكاتب أنّ اجتياح إسرائيل للبنان 1982 لعب دوراً مهماً في التمهيد للانتفاضة، وأنّ الانتقال اللاحق لأفراد منظمة التحرير إلى تونس ساعد على إنهاء الأسطورة القائلة إن التحرّر يمكن أن يأتي من الخارج، وقاد ذلك إلى أنماط من الاعتماد على الذات بين الفلسطينيين في المناطق المحتلة، ويرى أنّ المشهد السياسي بين عامي 1982 و1987 بدا ضعيفاً، كما أنّ إسرائيل شددت قمعها، وارتكبت أبشع الأعمال الوحشية من تهديم وضرب وتهجير، واختلقت تراكيب شبه قانونية لإخفاء ما كان واضحاً أنها انتهاكات واضحة للقانون الدولي في العديد من القضايا التي تعد من جرائم الحرب والمعادية للإنسانية، ويجد أن انتفاضة 1987 ربما كانت من أكثر الانتفاضات الفلسطينية المدروسة .

نرى أن الكاتب لا يقدم بحثاً خلال هذا الفصل، بل يستشهد ببعض الأمثلة من المقاومة الشعبية التي نضجت بشكل كبير استجابة للضغوط المكثفة على الفلسطينيين، حتى قبل ،1987 ويذكر أنه في عام 1986 عُقدت قمة في الأردن حول استخدام الأساليب اللاعنفية، وأغلب المشاركات كانت فلسطينية، ووفقاً لتحليل إحصائي شهري حول عدد المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات والعرائض والأعلام المرفرفة، يذكر أنه ازداد عددها من 933 في 1985 إلى 1358 في 1986 إلى 2882 في ،1987 وُخلقت أشكالٌ جديدة من المقاومة . كما يذكر أنه في 3 أكتوبر/تشرين الأول تظاهر الفلسطينيون ودخلوا في إضراب تضمّن المدارس والكليات في قطاع غزة للاحتجاج على قتل ثلاثة مواطنين قرب مخيم البريج، وتعرض المتظاهرون لهجوم إسرائيلي بشكل وحشي، مما دفع هذا بغضب أكبر ومظاهرات أكثر، واندلعت إلى حدّ كبير بعد قتل أربعة فلسطينيين آخرين، وما زاد في الفوضى الشعبية تهميش فلسطين ومنظمة التحرير وعرفات في القمة العربية في عمان 1987 . ونرى الكاتب يدخل في تفاصيل الانتفاضة بشكل دقيق، ويذكر أعداد القتلى مع أيام الأشهر والسنين، ويرى أنه بالإضافة إلى الآلام التي حدثت، فقد جنى الفلسطينيون ثماراً عديدة في هذه الفترة من تاريخ فلسطين، من تقوية الهوية الوطنية وحسّ الانتماء، إلى تكبّد الاقتصاد الإسرائيلي ملياري دولار من التكاليف، وأجبر ذلك العديد من الإسرائيليين على إعادة تقييم الاستمرار في احتلال الضفة الغربية وغزة، وهذا قاد إلى ضغوط على الحكومة للمفاوضة على السلام، لكن يذكر الكاتب أن دعم عرفات لصدام حسين في حرب الخليج سبّب خسارة كبيرة على الصعيد العربي بعد الحرب، حيث طرد العديد من الفلسطينيين في الكويت، كما أن ثلثي إيرادات منظمة التحرير الفلسطينية تبخر في سنة واحدة، وهذا أضاف ضغطاً آخر على الانتفاضة وأوجد تقسيمات أخرى . كما يرى الكاتب أن حزب العمل المنتخب حديثاً في إسرائيل تحت قيادة إسحاق رابين، رأى أن الانتفاضة قوّت المواقع الفلسطينية المحلية، لذلك قرروا اتخاذ خطوات للوصول مباشرة إلى منظمة التحرير لإجراء مفاوضات سرية ومباشرة في تونس، وأنهت تلك العملية السياسية والأمل بعملية السلام انتفاضة الحجارة، وتم إعلان عملية أوسلو، ويذكر الكاتب أن الكثيرين كانوا على أمل أن العملية السياسية سوف تجني الكثير بناء على التضحيات الكبيرة في سنوات الانتفاضة .

مدريد وأوسلو وانتفاضة الأقصى

يتحدث قمصية عن مؤتمر مدريد والمفاوضات لأجل السلام في عام ،1991 حيث اعترفت حينها منظمة التحرير الفلسطينية بقرار مجلس الأمن 242 الذي يحمل اعترافاً ضمنياً ب إسرائيل، ثم يذكر أنّ إسرائيل دخلت في مفاوضات سرية مع جماعة صغيرة من فتح في أوسلو، لأن إسرائيل وجدت أنه من الصعب هزيمة الفلسطينيين المحليين . علاوة على ذلك، فقد أرادت منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يترأسها عرفات اعترافاً دولياً، لكن يجد أن مفاوضات أوسلو جرت بسرعة مع القليل من التحضير أو الاستشارة، ونتائجها كانت ضد المصالح الفلسطينية طويلة الأمد، حيث طغت النتائج السلبية على الإيجابية، وكان تبديد قوة المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة أكثرها سلبية، وكان التأثير كبيراً في الحاصلين على المواطنة الإسرائيلية، كما أدركت الأحزاب الصهيونية أن نهاية الانتفاضة تعني أن يتقدموا بأجندة عنصرية داخل الخط الأخضر والمناطق المحتلة، وقسّمت عملية أوسلو الفلسطينيين في المنفى والقدس وبقية الضفة الغربية وغزة وداخل الخط الأخضر .

يتحدث قمصية عن تحديات المقاومة الشعبية بعد اتفاقية أوسلو، حيث أوجدت اتفاقية أوسلو سلطة توقعت أن تضعف المقاومة، وأصبح الكفاح الوطني حينها معقداً، وجاءت المقاومة المسلحة من حماس التي نفذت الحالة الانتحارية الأولى بعد ارتكاب مجزرة المصلين في الحرم الإبراهيمي في الخليل من قبل أحد المستوطنين . ويقول قمصية: حينها شدّدت إسرائيل والولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية بتطوير سياساتها الشمولية والقاسية، من ضمنها الاعتقالات والرقابة على الصحافة، لإخماد كل الأشكال التي تواجه الاحتلال . ويتحدث عن ملاحقات السلطة الفلسطينية للصحافيين والمحررين ووضع البعض منهم رهن الاعتقال، أما المقاومة داخل الخط الأخضر فشهدت تغييرات سياسية أكثر أهمية . ويذكر قمصية أن عدد مؤسسات المجتمع المدني العربية الناشئة في إسرائيل كان فقط 45 بين 1948 و،1980 لكن العدد قفز إلى 1135 في ،2004 كما يتحدث عن مقاطعة الأحزاب الفلسطينية للانتخابات، وخاصة بين إيهود باراك وأرييل شارون على رئاسة الوزراء، حيث انخفضت نسبة المصوتين للأحزاب التي يقودها اليهود من 53،3% في 1992 إلى 18،1 في 2009 . ويجد أن اتفاقية أوسلو كانت تطوراً متوقعاً ومباشراً شجعها مخططو السياسة الإسرائيلية، ويتحدث عن الفساد في السلطة الفلسطينية التي يرى أن جذورها تعود إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، وتم الترويج له وتقدّم ليصبح منظّماً .

ويتطرق إلى الحديث عن انتفاضة الأقصى التي اندلعت في عام 2000 بعد الزيارة التي قام بها شارون بشكل استفزازي إلى المسجد الأقصى، وقامت السلطات الإسرائيلية بقمع التظاهرات السلمية حينها، وقتلت ستة من المدنيين . يذكر أنه في الأسبوع الأوّل من انتفاضة الأقصى قتل ما يقارب 76 فلسطينياً، معظمهم من الأطفال، وأطلقت مليون طلقة في الأسبوعين الأولين من الانتفاضة، وكلفت المقاومة إسرائيل الكثير من الخسائر على جميع الصعد، وأطلقت الولايات المتحدة وإسرائيل صفة الإرهاب على حركة فتح والكتائب التابعة لها، ثم يتحدث الكاتب عن مقاومة جدار الفصل العنصري، والتصعيد الإسرائيلي في ،2003 بالإضافة إلى التطرق إلى السجناء السياسيين، وحصار غزة، والجرائم التي ارتكبتها بحقوق الأبرياء .

تغيّر أشكال المقاومة

في القسم الأخير من الكتاب يقوم قمصية بعرض موجز للمقاومة الفلسطينية، ويعتبر كملخص لما ناقشه وطرحه، ويشدّد على ضرورة التعلم من التجارب الناجحة لكبار الشخصيات التي دعت إلى مقاومة العنصرية ومقاومة الاستبداد مثل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ بأساليب المقاومة غير العنيفة، ورغم ذلك يجد أن لكل وضع مجموعة من الاختلافات السياسية والثقافية والاجتماعية، ولابدّ من ضرورة تطوير استجابات جديدة ومناسبة لكل وضع، وذلك واضح منذ فترة الحكم العثماني التي سهلت بيع الأراضي للصهاينة، إلى الثورة الكبرى والفترة التي تبعتها من خلال قيام الصهاينة بالتطهير العرقي ل 530 قرية وبلدة فلسطينية، ثم انتفاضة الحجارة ومؤخراً انتفاضة الأقصى .

ويوضّح قمصية ذلك مؤكداً أن الظلم أخذ أشكالاً قاسية جديدة في فترات مختلفة، من تدمير المنازل وأرزاق الناس في فترة 1936 ،1939 إلى الإرهاب اليهوديّ في فترة ،1940 وارتكابها المجازر خلال تأسيس إسرائيل، إلى حالات النهب الكبير للأراضي والقتل المرتكب بحق العائدين للمناطق المطهرة عرقياً، إلى كسر عظام المتظاهرين وشن هجمات على المدنيين بالنابالم في فترة ،1980 ومؤخراً قنابل الفوسفور الأبيض على قطاع غزة . ويقول قمصية: كان الاستيطان الصهيوني في فلسطين معمّداً بالدم والدموع، ونراه يستمر محمياً من القوات العسكرية الإسرائيلية، لا تتحداها الحكومات الغربية الفاترة الهمّة . ويرى قمصية أن العنف الذي تمارسه إسرائيل، ترافقه أجندة صهيونية إعلامية منذ ظهور الإنترنت، حيث يتم تصوير الفلسطينيين كبرابرة غير متحضرين، والمقاومة هي شكل من إرهاب بربري يتعذر تفسيره . ويذكر أنه على النقيض من ذلك يظهرون مرتكبي التطهير العرقي كضحايا أبرياء يتعرضون للظلم من الفلسطينيين . ويعرض قمصية بعض الحالات المشابهة لذلك مثل: تعرض الأمريكيين الأصليين لاستعمار الأوروبيين، والمقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني، والمقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي، وكذلك مقاومة (الأبارتهايد) نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا . ويشير قمصية إلى أن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي يصدقان ويوافقان على الأشكال الشرعية للمقاومة، التي ربما تكون مسلحة أو غير مسلحة . وبرأي الكاتب فإن دراسة تاريخ المقاومة الفلسطينية تظهر أن المقاومة المسلحة جاءت في وقت متأخر من اللعبة السياسية الكبيرة، بعد أربعين سنة من الاستيطان الصهيوني . وقد كانت المقاومة الفلسطينية في العقود القليلة الأولى من 1880 حتى 1920 شعبية وغير مسلحة، وفيما بعد كل الانتفاضات بدأت كمقاومة شعبية، ونلاحظ أن بعضها صار مسلحاً نتيجة وحشية المستوطنين والمحتلين .

التحديات والفرص

يرى الكاتب أن الصهيونية أوجدت شكلاً محلياً من الاستعمار الاستيطاني بتمويل عالٍ وتحصين كبير، والتي تفرض مصلحتها الحصول على أعلى حد من الجغرافية للدولة اليهودية مع أقل حدّ للسكان الأصليين، وأن العوامل القاسية في نجاح الصهيونية تضمّن الدعم الغربي، وشبكة واسعة للدعم من الصهاينة اليهود الملتزمين، بالإضافة إلى قسوة الصهاينة المحليين مع السكان الأصليين . وفي الوقت نفسه، كان لدى السكان المحليين القليل من الموارد أو الحلفاء لمواجهة المخططات الصهيونية، وكان هناك ضعف داخلي بين الفلسطينيين وحتى بين البلدان العربية التي من المفترض أنها تشكّل العمق الاستراتيجي للمقاومة .

أما اليوم، فإن قمصية يرى أن الفلسطينيين أكثر تقسيماً وتمزقاً من السابق، ويذكر أن مليوناً ونصف المليون فلسطيني يعيشون ضمن الخط الأخضر كمواطنين بالاسم، لكن من دون مساواة أو حقوق المواطنة . وكثيرون يعيشون في مناطق مستهدفة للدمار، ومائتان وخمسون ألف فلسطيني يعيشون بشكل غير قانوني في القدس الشرقية، والملايين يعيشون في الدول المجاورة، ويلاحظ الكاتب أن النسيج الاجتماعي الفلسطيني طور المقاومة في أصعب الظروف في جميع المراحل، لكنهم واجهوا تحديات داخلية، بسبب الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي حال دون تحقيق إنجازات للانتفاضات .

ونرى قمصية يتحدث عن تصاعد وتيرة الخلاف بين فتح وحماس في 2007 و،2008 ويقول في ذلك: إن السلطتين في غزة والضفة الغربية تتصرفان مثل قادة العصابات في السجن، وهما قويتان في وجه بعضهما البعض، لكنهما ضعيفتان أمام حراس السجن . كما يجد من المؤسف أن اليسار الفلسطيني يعيش تمزقات كثيرة، ولا يمكنه أن يضع برنامجاً للمقاومة لتحقيق التحرّر الفلسطيني . كما يرى أنها فشلت في أخذ خطوات جادة لإنهاء تقسيمات حماس وفتح، وبات من الواضح في العديد من الحالات أن الفئات السياسية المختلفة تضع مصلحتها الخاصة قبل المصالح الوطنية، مع معرفتها بأن هذه التكتيكات التي تستخدمها والتقسيمات الموجودة تضرّ بالأهداف العامة لكل الفلسطينيين كحق العودة والحرية وتقرير المصير . ويرى أن التغيير الدراماتيكي الأكثر إيجابية في شقاق النضال الفلسطيني جاء خلال انتفاضة ،1987 عندما كانت فلسطين نفسها فوق أي اعتبار آخر . ويرى أنه في السنوات العشر الأخيرة، هناك أمثلة عديدة عن التضحية الفردية، والمقاومة البطولية والتكاتف الذي جعل الحياة صعبة على المستوطنين، ويجد نفسه يغامر بالقول إن الذين دعموا التحرك نحو العدالة الجزئية في عام 1988 في مدريد، وبعدها في أوسلو كانوا خائفين من فقدان ثقة العامة، ولا يمكن استعادة تلك الثقة بسهولة .

ويجد قمصية أن نمو الحركات المعادية للصهيونية في إسرائيل وتزايدها، يثبتان فشل الصهيونية كإيديولوجية . ويلاحظ أن هناك بعض الأسباب التي تبعث على التفاؤل، حيث الغطرسة الإسرائيلية والأساليب العنيفة تنتج مقاومة أكبر، ويرى أن المقاومة الشعبية تعجّل المصرع الحتمي لمشروع الاستعمار الاستيطاني، وما يلحظه من نمو الحركة مدهش، ويجد أيضاً أن التركيز غدا أكثر على القيادة الجماعية وليس على القادة المتمتعين بكاريزما خاصة .

دروس وتطلعات

يخلص الكاتب إلى مجموعة من التعميمات من خلال دراسة تاريخ المقاومة الشعبية في فلسطين، حيث يجد أن الأوضاع الاستيطانية، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يهجّرون الناس من أرضهم ومنازلهم، يلجأون بشكل طبيعي إلى استخدام العنف ضد السكان، ومثل هذه الحالات الاستيطانية تولّد مقاومات مشروعة ومعترفاً بها في القانون الدولي . ويرى أن العنف يقتل السكان الأصليين أكثر من المستوطنين، بمعنى أنه يتعرض 100 فلسطيني للقتل مقابل إسرائيلي واحد .

ويرى قمصية أن دفع الاستراتيجية السياسية للانغماس في المقاومة غير العنيفة ربما يبدو ذا أهمية، لكن كل الانتفاضات الفلسطينية كانت تلقائية من دون استراتيجية شاملة أو اتجاه معين، ويمكن للمقاومة الشعبية أن تنجح محلياً مع استراتيجية واتجاه كما حدث في بلعين .

وبرأي قمصية يجب أن يكون الهدف واضحاً ومعقولاً، وأن يتم إيصاله للصديق والعدو، كحق العودة، والعيش في مساواة، وحق تقرير المصير، ويرى أن ما ظهر في عقود النضال ضد الصهيونية، هو أن المقاومة الشعبية في فلسطين لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في الجزائر وجنوب إفريقيا، ودائماً ما كانت المقاومة الشعبية مستمرة في فلسطين، لكن شدتها وضعفها يعتمدان على عوامل داخلية وخارجية .

ويتحدّث قمصية عن ضرورة الاستمرار في النضال الشعبي، والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، كما يذكر معاناته الشخصية مع قرويي الولجة جراء الغازات المسيّلة للدموع حين اعتقاله، ويبرز إعجابه بالقصص التي تتحدث عن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، ويرى أن المرء يستطيع أن يكتب آلاف القصص الموجعة عن أبطال فلسطين الذين لم يتغن بهم أحد .

يجد أنه ينبغي على الجميع أن يعمل ويناضل، كل من جانبه، كما يؤكّد أن الاعتقاد بضرورة انتظار الآخرين لتحقيق شيء من أجل هذا الصراع محكوم عليه بالفشل، ولا يجد الأمر مقتصراً على الانتماء الفلسطيني أو الإسرائيلي، بل هو الانتماء الإنسانيّ، حيث يمكن إيجاد بعض العوامل المشتركة في الخلفيات المتنوعة، سواء الفلسفية أو الدينية أو الثقافية .

ويبين قمصية في النهاية أن المشروع الصهيوني، الذي يحوّل فلسطين بتعددها الإثني والديني إلى دولة يهودية لن يكتب له الاستمرار، ليس فقط بسبب المقاومة الفلسطينية، بل بسبب قوة تناقضاتها الداخلية بالإضافة إلى ماتبديه من عنصرية واضحة، ويرى أن التاريخ لن يكون رؤوفاً بأولئك الذين لا يسارعون للوصول إلى العدالة التي تحمل بين طياتها السلام .

مازن قمصية في سطور:

أستاذ جامعي في جامعتي بيت لحم وبير زيت، ويعمل كناشط مع العديد من منظمات المجتمع المدني، نشر ما يزيد على ألف مقال في الصحف والمجلات العالمية، بالإضافة إلى العديد من الكتب المهمة منها: المشاركة في أرض كنعان .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"