عادي
ناصر السعيدي الخبير الاقتصادي في حوار مع الخليج :

اقتصاد الإمارات الأكثر تنوعاً في مصادر الدخل خليجياً

02:32 صباحا
قراءة 7 دقائق
حوار : عبير أبو شمالة

قال الدكتور ناصر السعيدي الخبير الاقتصادي ورئيس شركة «ناصر السعيدي وشركاه»، إن اقتصاد الإمارات يعد الأكثر تنوعاً لمصادر الدخل بين دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يسهم النفط حالياً بنسبة 30% من اقتصاد الدولة، بينما كان يبلغ نسبة 90% في سبعينات القرن الماضي.
وأكد في حوار مع «الخليج»، أن صدمة أسعار النفط تمثل فرصة لتوفير حوافز تشجّع على مشاركة أكبر من قبل القطاع الخاص في الاقتصاد عبر الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإزالة المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، والتركيز على الاستثمار الأوسع في قطاع التكنولوجيا الجديدة. كما لفت إلى أن النظام المالي يحتاج أيضاً إلى بعض التعديل بهدف تنويع مصادر الإيرادات الحكومية.
وقال إن ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية تعد من أهم التدابير للاستدامة المالية، وأضاف قائلاً إن هذه الخطوة تعد عنصراً مهماً في عملية الإصلاح المالي إلى جانب الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي الذي يشكّل عبئاً على ميزانيات حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي.
ولفت إلى أن الضرائب على أرباح الشركات، بمعدّلات منخفضة نسبياً، هي أداة قياسية للسياسة الضريبية، ويمكن أن تكون مصدراً مهمّاً للإيرادات الحكومية.
وفي ما يلي نص الحوار:

ما رؤيتكم الحالية للوضع الاقتصادي على المستويين العالمي والإقليمي؟

تؤثر عوامل عدة في التطورات الاقتصادية العالمية من ضمنها المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالنزاعات المختلفة، وعدم وضوح توجّهات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتشديد التدريجي للسياسة النقدية الأمريكية، والنمو الهزيل للاقتصادات الأوروبية وانخفاض أسعار السلع، والتباطؤ الذي يرافقه في الاقتصادات الناشئة التي تتأثر جميعها بتباطؤ الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتتأثر منطقة الخليج بالعوامـل العالمية المذكورة أعلاه، وبالنزاعات الإقليمية والتراجع الحاد في أسعار النفط بنحـو 60% منذ يونيو/‏‏حزيران 2014 والتداعيات السلبية على إيرادات دول الخليج من تصدير النفط.
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، تعاني المنطقة من ارتفاع حجم العجز في الميزانيّة (بنسبة تُناهز 13% من إجمالي الناتج المحلّي في عام 2015 بسبب التعويل الشديد من قبل دول الخليج على عوائد النفط التي تشكل ما بين 70 و95% من إجمالي العائدات الحكوميّة للفترة ما بين عامي 2011 و2014 في حين لم تتجاوز نسبة العائدات الضريبيّة من غير النفط نسبة 1.6%. لذلك يُعدّ تنوّع الاقتصاد والعائدات أولويّة سياسيّة، وهذا يستوجب استحداث ضرائب جديدة لا تشوِّه المبادرات الاقتصاديّة أو تؤثر سلباً في الاستثمار والنمو.

الوضع الاقتصادي

كيف ترون الوضع الاقتصادي حالياً في الإمارات في ظل التغيرات العالمية؟ ومع التراجع الحالي في أسعار النفط العالمية؟

يعد الاقتصاد الإماراتي الأكثر تنوعاً لمصادر الدخل بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويسهم النفط حالياً بنسبة 30% من اقتصاد الدولة بينما كان يبلغ نسبة 90% في سبعينات القرن الماضي. ويعود ذلك إلى اتخاذ الإمارات سياسات واضحة للابتعاد عن النفط وتنويع الدخل من قطاعات الصناعات والخدمات والسياحة والطاقة المتجددة من ضمن استراتيجيتها، لخفض الاعتماد على النفط بنسب تصل إلى حدود 20%، حتى عام 2021. الاقتصاد الإماراتي قادر على مواجهة الصدمات الخارجية وتراجع أسعار النفط، بسبب سياسة التنويع الاقتصادي والانفتاح للاستثمارات والتجارة العالمية.
بادرت الإمارات إلى رفع الدعم عن الوقود، واعتماد تدابير أخرى عدة في مواجهة تراجع أسعار النفط، فهل ترون هذه الخطوات كافية؟ أم هناك حاجة للمزيد من رفع الدعم على الغاز

والطاقة كما يدعو صندوق النقد الدولي؟ وكم يمكن أن تضيف مثل هذه الخطوة من نمو؟

بدأت جميع الحكومات الخليجية ومن ضمنها الإمارات اتخاذ إصلاحات اقتصادية، لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية.
الإصلاحات الاقتصادية أصبحت حاجة ملحة ويعد تنوّع العائدات أولويّة سياسيّة، ويستوجب توسيع الاستثمار الأجنبي في القطاعات الاقتصادية، وتعزيز إسهامات القطاع الخاص. من أهم الإصلاحات التي بدأت بالفعل وطرحت مناقشتها دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي هي ضرائب القيمة المضافة.

ما التدابير الأنسب برأيكم، لصيانة النمو الاقتصادي للإمارات في مواجهة أزمة تراجع أسعار النفط؟

تمثّل صدمة أسعار النفط فرصة لتوفير حوافز تشجّع على مشاركة أكبر من قبل القطاع الخاص في الاقتصاد عبر الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإزالة المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي المباشر والتركيز على الاستثمار الأوسع في قطاع التكنولوجيا الجديدة والاقتصاد الرقمي والاستثمارات الهادفة إلى تحويل دولة الإمارات إلى«اقتصاد أخضر»، لكن النظام المالي يحتاج أيضا لبعض التعديل بهدف تنويع مصادر الإيرادات الحكومية.
تعد ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية من أهم التدابير للاستدامة المالية، وهي ضرورية للاستقرار الاقتصادي الأشمل لتنويع مصادر الإيرادات واستقرار الاقتصاد الكلي. ولقد أفادت وزارة المالية بأن ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% ستضاف على الاستهلاك (باستثناء قطاعات الصحة والتعليم والخدمات المالية)
سيتم بدء تطبيقها خليجياً اعتباراً من عام 2018 ضمن إطار موحد بين دول المجلس، وتقدر قيمة ضريبة القيمة المضافة المتوقع تحصيلها في العام الأول للتطبيق بالنسبة للإمارات بين 10 إلى 12 مليار درهم. أما بالنسبة للضريبة الانتقائية فقد اتفق وزراء المال في دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماع عُقد في شهر نوفمبر/‏‏تشرين الثاني 2015 على إمكانيّة فرض ضريبة إضافيّة موحّدة بنسبة 100% على منتجات التبغ و(أفادت وسائل الإعلام أن هذا القرار المشترك سيدخل حيّز التنفيذ مطلع عام 2017). فيما يخص الضرائب الانتقائية، يجب الأخذ في الاعتبار أن الضرائب الانتقائيّة المحددة هي أفضل من الضرائب بحسب القيمة: فهي أيسر على الإدارة وتفترض قاعدة ضريبيّة محددة (كميّة) وتولد عوائد ضريبية أكبر وأسهل على التوقع. كما أنّها مجدية من الناحية الصحيّة: فحيث تتساوى السجائر من حيث الضرر الصحّي، عليها أن تتساوى من حيث حجم الضريبة المفروضة.

كيف ترون أداء القطاع المصرفي مع تأثر أرباح المصارف، وتراجع شهية البنوك للإقراض نتيجة انخفاض أسعار النفط؟

يواجه القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي أربعة تحديات هي: تراجع السيولة بسبب نمو أبطأ أو تراجع الودائع الحكومية، وعبء متطلّبات بازل 3 التشريعية، والتوافق مع قوانين AML/‏‏CFT وFATCA واحتمالات تدهور النمو الاقتصادي نتيجة لتدني أسعار النفط. ولا عجب أن تقوم البنوك التي تواجه مخاطر أعلى محتملة ومستويات أقل في السيولة في تخفيض حجم الإقراض للقطاع الخاص وزيادة التمويل للحكومة، (حيث المخاطر أقل).

واجهت بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة مشاكل، وتعثرت عن سداد التزامات تجاه البنوك/‏‏ مما جعل البنوك تتحفظ في الإقراض للقطاع، فما هو برأيكم البديل أمام هذه الشركات التي تعد محركاً مهماً للنمو الاقتصادي؟

هذا هو الوقت المناسب للشركات الصغيرة والمتوسّطة للتحوّل إلى التمويل بالأسهم، والتمويل من خارج القطاع المصرفي، ومن مصادر بديلة للتمويل كالتمويل الجماعي الذي يمكن أن يكون أسهماً أو ديناً أو قرضاً. هذا هو التوجّه المتنامي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا. ويبدأ توجّه مشابه في منطقة الشرق الأوسط نتيجة للتبني المتنامي لتقنيات التمويل الجديدة«فينتيك».

كيف ترون أداء أسواق الأسهم المحلية في الوقت الحاضر؟ وما الذي تحتاج إليه لتجاوز التباطؤ الاقتصادي الراهن بنجاح؟

لقد حان الوقت لكي تقوم الحكومات بتطوير أسواق مالية من خلال عمليات الاكتتاب العام لشركات مخصصة، وتمويل البنية التحتية والمشاريع من خلال إصدار سندات وصكوك. كما حان الوقت لطرح قوانين وتشريعات جديدة، لتسهيل عمليات الدمج والاستحواذ والأهم من ذلك إصدار قانون حديث للإفلاس يتيح إعادة الهيكلة في قطاع الشركات. أخيراً، هذا هو الوقت المناسب لإزالة الحواجز أمام الاستثمار الخارجي.

نمو أسواق الدين

طرح صندوق النقد الدولي سبلاً عدة أمام الإمارات ودول المنطقة لتمويل العجز على المدى القصير، ومنها: إصدارات الدين في الأسواق العالمية من صكوك وسندات أو اللجوء إلى الأصول الخارجية؟ فما رؤيتكم على هذا المستوى؟ وما الذي تحتاج إليه دول المنطقة لتعزيز نمو أسواق الدين في المرحلة المقبلة؟
ستواجه بلدان الخليج العربي عجزاً في الميزانية على مدى السنوات المقبلة بسبب «الأسعار الطبيعية الجديدة» لأسعار النفط المنخفضة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي أن يكون العجز في الميزانية بنسبة 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وتتوقّع أن يتضاءل إلى 10.8% في العام المقبل. هذه فرصة مناسبة لدول مجلس التعاون الخليجي لتطوير أسواق الدين الحكومية: أذون الخزانة وسندات وصكوك لتمويل عجزها في الميزانية. فهذه الحكومات لديها معدلات ديون منخفضة جداً مقارنة مع معدّلات الديون الحكومية العالمية. تمويل العجز من خلال أسواق الدين لن يكون سياسة تزيد المخاطر إذا رافقها طرح للضرائب والضريبة الشاملة كضريبة القيمة المضافة التي تضمن الاستدامة المالية الطويلة الأمد. الاقتصادات الحديثة تستخدم أسواق الدين الحكومية كمعيار لتسعير المخاطر في الديون المؤسساتية والخاصة ولتحويل الثروة والمشاركة في المخاطر عبر الأجيال. إن إعصار «تسونامي» الذي ضرب أسعار النفط هو فرصة مثالية لتطوير أسواق الدين والصكوك الحكومية من أجل تطوير قطاع التمويل بالعملة المحلية.

الضرائب الجديدة

من الحلول الأخرى المطروحة على المدى الأطول فرض ضريبة القيمة المضافة والمنتظر طرحها خليجياً بحلول عام 2018، فما مدى أهمية هذه الخطوة؟ وإلى أي حد برأيكم يمكن لها أن تضيف إلى النمو؟
طرح ضريبة القيمة المضافة هو عنصر مهم في عملية الإصلاح المالي إلى جانب الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي الذي يشكّل عبئاً على ميزانيات حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي. ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة على الاستهلاك، لذا تشكّل حافزاً للادخار وموارد للاستثمار. الإصلاح المالي ضروري وسيحسّن التصنيف الائتماني السيادي لدول مجلس التعاون الخليجي، وبذلك يخفض تكلفة الائتمان، ويضمن الوصول المستمرّ لأسواق الائتمان العالمي بأفضل الشروط.
تجري الحكومة حالياً دراسة حول إمكانية فرض ضريبة على الشركات، فما رأيكم على هذا المستوى؟ وما هي برأيكم المكاسب من وراء فرض ضريبة الشركات؟ وكذلك ما هو التأثير على تنافسية الدولة؟
الضرائب على أرباح الشركات، بمعدّلات منخفضة نسبياً، هي أداة قياسية للسياسة الضريبية، ويمكن أن تكون مصدراً مهماً للإيرادات الحكومية. الزكاة هي شكل من أشكال ضريبة الشركات، وقام بلدان عدة من ضمنها قطر وعمان والبحرين (46% على شركات النفط والغاز و0% لغيرها) بفرض ضرائب على الشركات، بينما تقوم دولة الإمارات بفرض ضريبة فقط على الأرباح بالنسبة للبنوك الأجنبية. من المهم أن يطبّق واقع موحّد: فرض ضريبة الشركات على الشركات المحلية والأجنبية، دون تمييز. بعض البلدان التي تعتمد مناطق حرّة غير خاضعة للضريبة ستواجه المصاعب بتطبيق الضريبة على الشركات.

العقارات والإيجارات

قال الدكتور ناصر السعيدي الخبير الاقتصادي ورئيس شركة «ناصر السعيدي وشركاه أن أسعار العقارات والإيجارات بعض الهدوء أو التراجع في العامين الماضيين. وكانت شركة «كلاتونز» المتخصصة في مجال الاستشارات العقارية، قد توقّعت تراجعاً بنحو 2.2% خلال الربع الأول من عام 2016 للوحدات السكنية، وتتوقع تراجعاً في أسعار الفيلات بمعدل 5% والشقق السكنية بما بين 3 و4% هذا العام. ويعد هذا التراجع أمراً طبيعياً في ظل تراجع النمو الاقتصادي بسبب صدمة أسعار النفط التي أثرت في المستثمرين من المنطقة، ولا سيما من دول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى ذلك، سيطرح المزيد من الوحدات التجارية والسكنية في الأسواق، كما تم الإعلان عن مشاريع جديدة، مما من شأنه فرض توقعات بانخفاض الأسعار. ونتيجة لذلك، يبقى المستثمرون في حالة ترقب بدلاً من الاستثمار في فترة انخفاض سعر السوق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"