عادي

العالم ما بعد وباء كوفيد – 19

15:30 مساء
قراءة 6 دقائق

بقلم : إيلي لي
رئيس استراتيجية الاستثمار
بنك سنغافورة 

جميع الأزمات الكبيرة التي تعرض لها العالم تركت خلفها آثاراً طويلة الأمد، فقد أنهت أزمة النفط في عام 1973 نظام بريتون وودز وأحدثت تحولاً في نظام تحديد سعر الصرف في معظم دول العالم وأخذت بنظام أسعار الصرف العائمة بدلاً من أسعار الصرف الثابتة. كما أن أزمة 11 سبتمبر غيرت بشكل كبير طريقة السفر ورفعت مستوى الأمان في المطارات والأماكن العامة، أما التسهيلات النقدية غير المسبوقة بعد الأزمة المالية الكبرى لعام 2008 دفعت إلى استمرار غير متوقع لحشد استمر 30 عاما في السندات الحكومية.

وسوف تترك أزمة كوفيد - 19 العالمية أيضاً بصماتها الدائمة على المستهلكين والأسواق والاقتصادات، فعلى الرغم من مرور بضعة أشهر فقط على الأزمة إلا أنه من الأساسي التطلع إلى الدورة الاقتصادية القادمة وطرح سؤالين: ما هي التغيرات الهيكلية التي أحدثها تفشي وباء كوفيد - 19؟ ومن هم المتضررون والمستفيدون؟

الشركات ستركز على بناء المرونة

تواجه العديد من الشركات ضغطاً هائلاً بعد تفشي وباء كوفيد - 19 الذي تسبب في صدمات في العرض والطلب بشكل غير مسبوق، وهذا سيجعل الشركات أكثر حذراً وستركز على بناء المرونة فيما يتعلق باستراتيجيات أعمالها وميزانياتها العمومية. كما يتوقع المساهمون أن تتخذ الإدارة خطوات هامة لأخذ صدمة كبيرة تالية.

الشكل 1: القطاعات المتضررة من وباء كوفيد – 19
القطاع السبب
قطاع الضيافة انخفاض عام في السفر (سواء السفر للعمل أو الترفيه)، إلى جانب انخفاض عدد الزوار في المطاعم لتفضيلهم طلب الطعام في المنزل، وانخفاض النزلاء في الفنادق.
العقارات انخفاض الطلب على المساحات المكتبية والتجزئة بسبب الزيادة الهيكلية في ترتيبات العمل عن بعد والتحول نحو التسوق والتعلم والترفيه عبر الإنترنت.
الطاقة انخفاض عام في الأعمال التجارية الدولية والسفر الشخصي بما في ذلك الرحلات الترفيهية ورحلات العمل
الخطوط الجوية ضعف الطلب بشكل ملحوظ بسب زيادة القيود المفروضة على السفر الجوي الدولي من إجراءات الفحص الصحي، بالإضافة التحول نحو الحضور للعمل والاجتماعات عن بعد.
السيارات من المتوقع حدوث انخفاض هيكلي في الطلب بسبب زيادة العمل عن بعد والتحول نحو التجارة الإلكترونية والتعلم الإلكتروني

إن الشركات التي ترغب في الحصول على ميزانيات قوية سيدفعها هذا إلى خفض الرافعة المالية وخفض نسبة توزيع أرباح الأسهم وزيادة رأس المال.

نتوقع أن نرى الاندماج وإعادة الهيكلة في بعض القطاعات التي تضررت بشدة من تفشي هذا الوباء مثل: شركات الطيران، الطاقة، مراكز البيع بالتجزئة، السيارات، والفنادق (انظر الشكل 1).

إن اندلاع الوباء سارع في ظاهرة "الاتصال بالإنترنت" التي شملت العمل عن بعد والرعاية الصحية عن بعد، التجارة الإلكترونية والترفيه الرقمي (انظر الشكل 2).

الشكل 2: القطاعات المستفيدة من وباء كوفيد – 19
القطاع السبب
التكنولوجيا إن الانتشار العالمي السريع للوباء والجهود اللاحقة لمحاربته بما في ذلك معايير التباعد الاجتماعي الجديدة وتدابير الاحتواء الأكثر صرامة قد سارعت وأحدثت تحولات نحو التسوق عبر الإنترنت والتعلم والترفيه والعمل عن بعد في جميع أنحاء العالم". وهذا أدى إلى زيادة الطلب على الخدمات والبنية التحتية عبر الإنترنت للمدفوعات الرقمية والرعاية الصحية والعمل عن بعد والتعلم والترفيه.
خدمات الاتصالات ارتفاع الطلب من الناحية الهيكلية على بنية تحتية قوية لدعم متطلبات العمل والتعلم عن بُعد وتدفق الفيديو ومحتوى الألعاب، وخدمات الخدمات الصحية عن بعد والتفاعلات الأخرى عبر الإنترنت.
الرعاية الصحية زيادة الطلب على خدمات ومنتجات الرعاية الصحية من المرجح أن تستمر. وستوفر بيئة إيجابية للشركات التي تكون في وضع يمكنها تلبية الطلب المتزايد على الخدمات والمنتجات، مثل الصيدليات، مقدمي الخدمات الصحية عن بُعد، اللقاحات، مجموعات الاختبار ومعدات الحماية الشخصية.
المستهلك سيؤدي القبول المتزايد للعمل عن بعد إلى تسريع التحول نحو التسوق عبر الإنترنت لمجموعة واسعة من السلع والخدمات بما في ذلك توصيل الوجبات، مستلزمات المنزل من الأطعمة والمشروبات، والتمارين.

دفعت قواعد التباعد الاجتماعي شركات التصنيع والقطاعات الصناعية المختلفة لاستخدام البرامج وتقنيات الروبوتات لاستكشاف الحدود في الأتمتة الذكية، ولمزودي الخدمات مثل البنوك للانتقال من الاستهلاك المادي إلى الاستهلاك عبر الإنترنت وتقديم الخدمات والتي يمكن أن تعمل على الحد من التكاليف. كما يقوم مقدمو الخدمات الآخرون مثل الأطباء والمحامون والاستشاريون والمعلمون وحتى المدربين البدنيين بتعزيز قدراتهم على تقديم الخدمات عبر الإنترنت للعملاء.

إعادة التفكير في سلوكيات التباعد الاجتماعي
لا يعمل الناس بشكل جيد دون أي تفاعل اجتماعي، وبالتالي نعتقد أن الكثير من سلوكيات التباعد الاجتماعي التي فرضت اليوم ستتلاشى مع انتهاء هذه الأزمة، فرغم التقدم الكبير في تكنولوجيا العمل عن بعد، لا يزال العمل الجماعي أكثر إنتاجية. ولكن نظراً لتأثير وباء كوفيد - 19 سيكون الأفراد أكثر حذراً في أماكن العمل المزدحمة ووسائل النقل العام، مما سيؤدي إلى الدفع بإعادة التفكير في زيادة المساحات بين الأفراد في المكاتب ومراكز التسوق، بالإضافة إلى زيادة نحو الممارسات الصديقة للبيئة كاستخدام وسائل النقل الشخصية مثل ركوب الدراجات. فالاحتفاظ ببعض سلوكيات التباعد الاجتماعي بعد الوباء سيكون مشابهاً لما حدث في أزمة 11 سبتمبر التي تسببت في رفع مستوى الأمان في المطارات والأماكن العامة.

تزايد مخاطر انهيار العولمة والمزيد من التدهور في العلاقات الأمريكية الصينية
يبدو أن الوباء الذي اجتاح العالم سيتسبب في انتكاسة بين الدول بعد التقدم الكبير الذي أحرزته العولمة بعد الحرب العالمية الثانية، وسيتفاقم هذا أكثر بسبب الصراع الناجم بين الولايات المتحدة والصين على التجارة والتكنولوجيا على مدى السنوات القليلة الماضية والذي من المرجح أن يستمر. كما يعد أحد دواعي القلق الأخرى بالنسبة للأسواق الخطاب الأخير من البيت الأبيض ضد الصين بسبب حجب المعلومات المزعومة عن اندلاع وباء كوفيد -19، والذي يذكرنا بخطاب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على مدى السنوات القليلة الماضية.
ومن حيث السفر والهجرة، أدى الوباء إلى توقف شبه كامل خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث من المتوقع أن يستأنف جزء من هذا تدريجياً مع احتواء مخاطر العدوى، ومدى الاستئناف مهم لأن التدفق الدولي للعمالة كان داعماً أساسياً للاقتصاد الحديث، فتعطلها سيكون مشؤوماً بالنسبة للعولمة والنمو العالمي.

تحقيق اللامركزية في سلاسل التوريد العالمية
وبالنسبة لصناع السياسات والشركات، فإن التركيز على بناء المرونة سوف يمتد إلى تنظيم سلاسل التوريد خاصة بعد ما تم إغلاق الحدود وعرقلة التدفق الحر للسلع. كما قد يتم إخراج بعض الإنتاج من الصين التي تعتبر أرض المصانع في العالم من أجل تنويع خطر تركيز سلسلة الإمداد، ولتكون أقرب إلى المستهلك النهائي. كما ستكون إدارة الشركات حذرة بشكل خاص من الشكوك المستمرة الناجمة عن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والقيود الجديدة المحتملة التي يفرضها صناع السياسات.

ارتفاع الديون وانخفاض أسعار الفائدة لفترة أطول
نتيجة تفشي وباء كوفيد - 19، فقد شهدنا حوافز مالية غير مسبوقة من الحكومات التي ستسفر على المدى الطويل عن مستويات ديون أعلى بكثير وضغوط على الميزانيات الوطنية حيث ينفق صناع السياسات على الرعاية الصحية مجموعة واسعة من الجهود لمواجهة الصدمات الطبية والاقتصادية للفيروس. وسوف يسفر هذا إلى ارتفاع العجز المالي والضغط التصاعدي على معدلات الضرائب، كما ستثار مسألة الاستدامة على المدى الطويل، ولا سيما بالنسبة للبلدان التي تعاني من عجز مزدوج كبير.

وفي الوقت نفسه، نفذت البنوك المركزية العالمية حوافز نقدية وائتمانية غير مسبوقة من حيث السرعة والحجم، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت بالنسبة للآثار طويلة الأجل المترتبة على هذه التدابير في السوق، وهي ضرورية لاستعادة الثقة وإحباط أزمة مالية أكبر. إن النظرية الاقتصادية التقليدية تحذر من أن الإفراط في التيسير النقدي وعدم وضوح السياسات المالية والنقدية تجاه تسييل الديون من الممكن أن يؤدي إلى مخاطر فرط التضخم والحط من قيمة النقود. وعلى الرغم من أن القوى الهيكلية، مثل التركيبة السكانية والتكنولوجيا لا تزال تشكل قوى موازية تعمل على تثبيت التضخم، ففي الولايات المتحدة على الأقل لا توجد بدائل واضحة للدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. لذلك، نرى البنوك المركزية الكبرى تحافظ على انخفاض أسعار الفائدة لتعزيز التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الوباء والإفلات من خطورة فخ التضخم المنخفض. من المتوقع أن تكون عملية البحث عن العائدات محركاً مهماً للأسواق المقبلة، وهو ما يدعم الرؤية البناءة طويلة الأجل بشأن السندات ذات العائد المرتفع في الأسواق الناشئة.
للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة الموقع الإلكتروني www.bankofsingapore.com/insights

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"