عادي

المقاومة الشعبية في فلسطين تاريخ من الأمل والتمكين ... (1-2)

03:48 صباحا
قراءة 11 دقيقة
تأليف: مازن قمصية / عرض وترجمة: عبدالله ميزر

يتحدّث الكاتب مازن قمصية في كتابه المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ من الأمل والتمكين، الصادر في 2011 عن دار النشر البريطانية بلوتو بوكس ضمن 290 صفحة من القطع المتوسط، عن جميع المراحل التاريخية للمقاومة الفلسطينية المناهضة للأفكار والجرائم الصهيونية خلال 130 عاماً منذ الحكم العثماني، وحتى الوقت الحاضر، بالوسائل كافّة، السلمية منها والعنيفة التي جاءت كردّات فعل على وحشية الكيان الصهيوني في التعامل مع أبناء فلسطين، ويتناول الثورات المتلاحقة التي قام بها الأحرار من أطياف الشعب الفلسطيني كافة، كما يبين الاتفاقيات التي حثت على

إقامة دولة يهودية ملغية كل تنوع عرقي وثقافي مترسخ في أرض فلسطين منذ بدايات التاريخ، ويبين الكاتب فشل الدولة القائمة على إلغاء الآخر، كما نراه يدوّن الدروس التي لابدّ من الاستفادة منها، ويكتب توقعاته وتحديات المرحلة المقبلة، والفرص التي لابدّ من استغلالها . نرى أنّ هذا الكتاب المقسّم إلى ثلاثة عشر فصلاً بعد المقدمة، هو موجه إلى الغرب بالدرجة الأولى، وذلك في محاولة من الكاتب توضيح بعض الأفكار الخطأ عن المقاومة الفلسطينية المشروعة، وضرورة تفهم الواقع المرير الذي يعيشه أبناء فلسطين، والظلم الواقع عليهم بصيغة دقيقة وشاملة .

في مقدمة كتابه يتحدث قمصية عن سوء فهم الغرب للمقاومة الفلسطينية، حيث يرى بعضهم أنها مقاومة عنيفة، ولا بدّ من التحول إلى اتباع الأساليب السلمية في المطالبة بحقوقهم، حتى إنّ بعضهم يميل إلى إطلاق صفة الإرهاب على بعض الفصائل الفلسطينية، ومن ضمن من يتوجه قمصية إلى نقاش وجهة نظرهما، شخصيتان بارزتان، أو بالأحرى يدعوهما إلى تصحيح رؤيتهما عن المقاومة الفلسطينية، وما نعلمه أن الشخصيات البارزة هي التي تشكل آراء العامة على نحو عام، ولا تنقل إلا الصورة النمطية المتداولة أو ما تتم رؤيته على شاشات التلفزة من دون توضيح الأسباب والخلفيات التي أدت إليها الأحداث الجارية والسابقة أيضاً، الأول منهما هو جيسي جاكسون القس المعمداني والناشط في حقوق الإنسان والتمييز العنصري ضد السود، الذي كان مرشحاً رئاسياً من قبل الحزب الديمقراطي، بعث رسالة مفتوحة إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، حثه فيها على اتباع استراتيجية اللاعنف للحصول على دولة، والثاني هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الذي توجه به إلى العالم الإسلامي من القاهرة، وحينها طالب الفلسطينيين بالنضال للحصول على دولة بالوسائل السلمية، ويقول: كلاهما يتجاهل بدقة التاريخ الحافل للنضال السلمي، في حين يفشلون في تقدير ما يريده الفلسطينيون من الحرية وحق العودة، وليس علماً على إقليم يسمّى دولة . كما يوضح أيضاً تجاهل الغرب الكلي تجاه حقيقة أن عدد السكان اليهود كان أقل من 7% قبل عام ،1917 في وقت يطالبون فيه بإقامة دولة لليهود، لكن قمصية يؤكّد أن المقاومة كانت وما زالت ضد الهدف الصهيوني بتحويل جزء رئيسي من العالم العربي من مجتمع متعدد الأعراق والأديان إلى دولة يهودية . ويرى أنّ هدفهم هذا تطلب دعماً من القوى العظمى في العالم، وإقناع اليهود بالفكر الصهيوني، وقمع أيّ مقاومة من السكان الأصليين، الذين أظهروا صلابة ومقاومة لم يتوقعها زعماء الصهاينة في الغرب .

في حديث قمصية عن العنف واللاعنف، يجد أن القرن العشرين ربما كان الأكثر دموية في التاريخ، لكن في الوقت نفسه يراه قرناً متخماً بأمثلة عن المقاومة الشعبية التي شكلت المستقبل من دون اللجوء إلى العنف، ولا يتم التطرق إليها في الأحاديث العامة وكتب التاريخ، ويعرّف قمصية العنف بالشكل التالي: يتألف العنف من مجموعة من الأفعال التي تسبب الأذى للآخرين على افتراض أن هذا سيساعد على تحقيق هدف أو نتيجة ملموسة . كما يجد أن هناك مدرستين للفكر، إحداهما تقترح أنّ العنف موجود في تركيبتنا الجينية، والأخرى تقترح أنّ العنف سلوك يمكن اكتسابه، وقمصية يجد الجواب متموضعاً بين المدرستين قائلاً: ذلك أن تاريخنا الثوري أعطانا مخططاً عن العنف والإيثار والتعاون، في حين أعطانا القدرة الفكرية على التثقيف ضد العنف بوسائل هادفة . ويستحضر قمصية الكثير من الأمثلة حول أشكال الحصول على التحرر، كما في حالة الجزائر، وجنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا ضد حركة الفصل العنصري، بالإضافة إلى أشكال متنوعة من المقاومة الشعبية السلمية، ويرى أن جميع حركات التحرر في العالم حتى الآن لجأت في كفاحها إلى الأساليب العنيفة وغير العنيفة .

التعددية والعدالة وحقوق الإنسان

يستهلّ قمصية فصوله بكلمات لكبار المدافعين عن حقوق الإنسان والداعمين لعملية السلام، ويبدأ في الفصل الثاني بكلمة لمارتن لوثر كينغ: أعتقد أنّ العدالة المجروحة المتمدّدة خائرة القوى على شوارع أممنا المتدفقة دماءً، يمكن أن ترتفع من غبار العار إلى عهد أكثر امتيازاً بين أطفال الرجال . لدي الجرأة لأعتقد أنّ الناس في كلّ مكان لديهم القدرة على تناول ثلاث وجبات في اليوم، وتغذية عقولهم بالثقافة والتعليم، وإنعاش أرواحهم بالكرامة والمساواة والحرية . في هذا الفصل يتحدث الكاتب عن الأطياف البشرية والدينية المتنوعة في فلسطين، والهجرات الكثيرة التي جاءت إليها على اختلاف الفترات التاريخية، من دون تأليب دين ضد آخر، ونجده يقول: إنّ المقاومة الفلسطينية للصهيونية منذ بدايتها في ،1880 لم تكن مقاومة لليهودية، أو المهاجرين الذين كانوا من غير الصهاينة، في توضيح منه أنّ اليهود دائماً ما كانوا جزءاً من النسيج الفلسطيني . لكن توجهات الصهيونية المستمرة في المطالبة بأقصى حدّ من الجغرافية لدولة يهودية، مع أقل حدّ من الديمقراطية للمسلمين والمسيحيين الفلسطينيين الذين يعيشون على الأرض الموعودة، على الرغم من أن عدد اليهود كان 60 ألفاً في عام ،1917 وزاد إلى ما يقارب 3،5 مليون اليوم، وذلك بتأثير من الصهيونية التي نفذت استراتيجية إحضار اليهود من كافة العرقيات إلى فلسطين، ليعيشوا في دولة يهودية، متقدمة عسكرياً واقتصادياً، لا تعرف الاستقرار . كما يتطرق إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث أمام سمع العالم وبصره، والقوة الإسرائيلية الهائلة التي تملك جيشاً يعدّ خامس أكبر جيش في العالم، في حين أن الفلسطينيين يرزحون تحت الاحتلال، ويمارس الصهاينة بحقهم أبشع الانتهاكات، ويرى أن خريطة الطريق الحقيقية إلى السلام، لابدّ أن تكون مستندة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليس بناء على تغليب مصلحة ضد أخرى أو بالأحرى الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات، كما يرى أن جهود المقاومة الشعبية طيلة 130 سنة كانت تدعو إلى تحقيق العدالة، والسلام، والديمقراطية الكاملة لجميع الناس بغض النظر عن دينهم أو عرقهم .

يتحدث قمصية في الفصل الثالث عن منطق المقاومة الشعبية التي تطورت أشكالها نتيجة الممارسات الصهيونية المجحفة، ويقول الكاتب في ذلك: عانى أكثر من 650 ألف فلسطيني في الأقاليم المحتلة الاعتقال الإسرائيلي لفترة ما ويضيف: كلّ فلسطيني لديه قصة يرويها ما وراء قضية القتل والإيذاء والسجن . مايراه قمصية مفاجئاً ليس مدى المقاومة العنيفة، بل مدى الصمود والمقاومة غير العنيفة بين الفلسطينيين . ويشير إلى الحالة الانتحارية الأولى في عام 1994 على مدى مئة عام بعد بداية البرنامج الصهيونيّ، وهذه الحالة جاءت بعد أربعين يوماً من دخول مستوطن إسرائيلي إلى جامع في الخليل، وقتله لتسعة وعشرين فلسطينياً من المصلين، وكان من بينهم الأطفال، بالإضافة إلى إصابة آخرين . كما يتناول في هذا الفصل آراء غاندي والمنتقدين لإدوارد سعيد وبعض الكتاب الإسرائيليين والعالميين في الحديث عن المجتمع البشري، والحض على العمل الجماعي، ونبذ التعصب بأشكاله كافة .

أما في الفصل الرابع فيتحدث الكاتب عن السياق المحلي للمقاومة الشعبية، التي تهدف مثل أيّ حركة أخرى إلى التخلص من خصومها ممن يرتكبون الظلم بحقها، وإضعاف قبضتهم على السلطة، بالإضافة إلى العمل على تقوية المجتمع بكافة أشكال التمكين والصمود، وتحسين معايير الكفاية الذاتية والأوضاع المعيشية، وتحقيق العدالة وحفظ حق الرجوع وتقرير المصير . بالإضافة إلى ذلك، نجد أنّ قمصية يوضح بعض المغالطات وسوء الفهم عند الغرب حول الإسلام، حينما يتحدث عن زيارة الرسول الكريم لبلاد الشام وتآلفه مع الأديان التي سبقته، كما يستشهد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على حب الإنسانية، بالإضافة إلى حديثه عن تسامح السيد المسيح، وذكر بعض أقواله التي تدعو إلى حبّ الأعداء، كل ذلك في محاولة من قمصية إلى إظهار روح التسامح والإخاء بين أتباع الأديان السماوية في فلسطين .

المقاومة الشعبية خلال الحكم العثماني

يذكر قمصية هذه الجمل لعبدالوهاب الكيالي في تاريخ فلسطين الحديث في بداية الفصل الخامس: إنّ اليهود عاشوا كأتباع للعثمانيين الذين أحبوهم . . . عاشوا في الجوار نفسه، وأطفالهم ذهبوا إلى المدارس نفسها، لكن الصهاينة وضعوا نهاية لذلك، ومنعوا أيّ اندماج بين اليهود والسكان المحليين، كما قاطعوا اللغة العربية والتجار العرب، وأعلنوا سحب البلاد من أيدي قاطنيها . بهذا الشكل يبين الكاتب وجود اليهود على أرض فلسطين في فترة الحكم العثماني ما بين 1517 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ،1918 ويتحدث عن الفترة التي احتلت فيها الجيوش المصرية فلسطين بقيادة محمد علي عام ،1831 وتم تعيين إبراهيم بن محمد علي حاكماً لها، كما يذكر أنه في عام 1834 أخبر وجهاء البلدات والقرويون والبدو الضباطَ المصريين في نابلس والقدس والخليل بأنهم لن يزودوا المجنّدين بالمؤونة، وتبع هذه الحالة من المقاومة المدنية حالات شغب في منطقة الخليل، حيث قتل قرويو سعير 22 جندياً مصرياً، واكتسح الفلسطينيون الحامية واحتجزوا الحاكم، وعمت الثورة البلاد، لكن كان الثمن كبيراً حينها، حيث قتل المئات منهم، ونُقل الآلاف إلى مصر بشكل قسري، وتم تهديم الحيّ الإسلامي في بيت لحم . ثم يدخل في فترة ضعف الإمبراطورية العثمانية وتزايد الاهتمام الأوروبي في فلسطين، ويتطرق إلى العديد من الأحداث حينما دعم بعض اليهود الأوروبيين أنماطاً ثقافية ودينية للهجرة إلى فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر، لكن يرى الكاتب أن أغلبية أولئك اليهود لم يدعموا الصهيونية السياسية، بل ظهرت الأفكار الصهيونية الأولى في كتابات موسى هيس خاصة في كتابه روما والقدس ،1862 حيث وجد أن الحل للمشكلة اليهودية يكمن في إيجاد وطن لهم، وكذلك في كتابات جودا ليب وموسى ليلينبلوم وناثان بيرنبوم الذين رسخوا مصطلح الصهيونية إلى جانب هيس . يتطرق الكاتب إلى فترة الصراعات بين عشائر يمن وقيس في مختلف البلدات والمدن الفلسطينية ما بين 1850 و،1874 وما قام به العثمانيون من تأجيج الخلاف أكثر، إلى حين تدخلهم عسكرياً عندما خرج الأمر من يدهم، وهدّد الخلاف سلطتهم بشكل مباشر . كما يتطرق إلى تسهيل السلطات العثمانية قوانين امتلاك الأرض للأجانب عام ،1867 التي أدّت إلى إفلاس الكثير من القرويين، ومكّنت الدولة من مصادرة أراضيهم، وبيعها في مزاد علني، ويذكر أنه بين عام 1850 و1914 كان اليهود الأوروبيون يملكون 418،100 دونم فقط، وكان يقطن المستوطنات الصهيونية حوالي 10 آلاف يهودي في 1891 في فلسطين، كما يبين أن استياء الفلاحين الفلسطينيين سرعان ما تحول إلى مشاعر الإحباط والغضب .

بلفور والبراق والتصعيد الصهيوني

يتحدث قمصية في الفصل السادس عن بدايات الحصول على وعد بلفور، وإظهار فشل الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن بالحصول على الدعم العثماني، والتوجه إلى لندن ،1904 رغم أنّ الصهاينة كانت لهم بداية بطيئة في ضمان الدعم البريطاني، لكن إنجازهم الكبير كان في الحرب العالمية الأولى من خلال دور وايزمن في صنع مواد متفجرة ساعدت بريطانيا في حربها، وأسهم ذلك في استصدار وعد من بريطانيا بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، وسمي الوعد بلفور نسبة إلى وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، الذي استصدر الوعد وأرسله إلى اللورد روتشيلد .

ثم يتناول قمصية المرحلة التاريخية منذ وعد بلفور والسنوات الأولى من الانتداب البريطاني، وتحقيق اليهود إنجازات مع بداية الزحف البريطاني إلى القدس، واستسلام الحاكم العثماني الذي سلّم القدس من دون قتال، وحينها فتحت أبواب الهجرة بشكل أكبر، للعمل على تطبيق وعد بلفور، على الرغم من أن معظمهم لم يكونوا من الصهاينة، وكانوا يملكون أقل من 2% من الأرض، ويذكر قمصية أيضاً أنه بنهاية الحكم البريطاني وصل عدد اليهود إلى الثلث وامتلكوا ما يقارب 7% من الأرض الفلسطينية . ثم يتحدث الكاتب عن بدايات التململ والغضب الفلسطيني من ازدياد اليهود وانتشار سلطتهم، وخاصة بعد الإحياء الصاخب للذكرى السنوية الأولى لوعد بلفور في عام ،1918 وحينها أرسل المجتمع المسيحي- المسلم رسالة إلى الجنرال كلايتون، كانت بمنزلة إنذار للحكام البريطانيين وزعماء الصهاينة حول تزايد نشاطات القوى الوطنية الفلسطينية، وحينها نشأت منظمتان للشباب المسيحيين والمسلمين في القدس هما: النادي العربي والمنتدى العربي . يتحدث قمصية عن الأحداث التاريخية في عهد هربرت صموئيل المندوب السامي الأول من قبل بريطانيا في فلسطين عام ،1920 وقراراته التي شجعت على الهجرة، ويتوسّع في الحديث عن المؤتمرات العربية الفلسطينية المناهضة لوعد بلفور وتزايد نفوذ الحركة الصهيونية في فلسطين، متطرقاً إلى الاحتجاجات والإضرابات التي طالبت بالتغيير، لكن التغيير جاء داعماً للحركة الصهيونية . كما يتحدث قمصية عن السنوات التي قادت إلى ظهور ثورة البراق، خاصة بعد أن ضمنت الحركة الصهيونية تأييد الولايات المتحدة بتصويت من الكونغرس 1922 وموافقة عصبة الأمم على الانتداب البريطاني لفلسطين، الذي لم يعر اهتماماً للسكان الأصليين، ولأغلبيتهم الساحقة، وبذلك أعطت القوى العظمى شرعية لإدارة صموئيل لمشروع عزل فلسطين من سكانها المحليين، وممّا كتبه قمصية: أدرك الفلسطينيون حجم الخطر الصهيوني الهائل، وخرجوا في تظاهرات هائلة وإضرابات وأشكال أخرى من المقاومة الشعبية، وشجع رجال الدين على عدم بيع الأراضي إلى الصهاينة وعملائهم . ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن ثورة البراق عام ،1929 والخلفية التاريخية الدينية للحائط الغربي من المسجد الأقصى، حيث يسميه المسلمون (البراق) واليهود (حائط المبكى)، ويبين كيفية دعم الانتداب البريطاني للصهاينة في وجه التظاهرات التي رفضت ادّعاء اليهود بملكية الحائط، ونكران أحقية المسلمين فيه، وأدى ذلك إلى حدوث اشتباكات عنيفة بين الطرفين، امتدت إلى باقي المدن الفلسطينية، وخلّفت الثورة مئات القتلى والجرحى من الطرفين . كما يبين قمصية أنّ المقاومة الشعبية لم تكن حكراً على الرجال فقط، بل كان للنساء حضورهن أيضاً من خلال عقد العديد من المؤتمرات، إذ أصدرن طلبات بإلغاء وعد بلفور، ووقف المستعمرات اليهودية . كما يبين الكاتب ظهور الحركات الفدائية حينها، مثل الكف الأخضر عام 1929-1930 .

ثمّ يتطرق الكاتب إلى الحديث عن الركود الاقتصادي في تلك الفترة، وعن أمين الحسيني ومناصريه الذين اتبعوا نهجاً دبلوماسياً، حيث عقدوا مؤتمراً في ،1931 حضره 145 عالماً إسلامياً، وزعماء من 20 دولة، وكان من نتائجه تأسيس جامعة إسلامية، وإنشاء شركة زراعية لمساعدة الفلسطينيين في الوضع الاقتصادي البائس للبقاء في أراضيهم . كما يتحدث عن المؤتمر الذي عقده أمين الحسيني عام ،1935 الذي حظر بيع الأرض لليهود .

الثورة الكبرى 1936-1939

يقول قمصية: مع بداية ،1936 كان المشهد السياسي ناضجاً للثورة، وكان هناك عدد من الأحزاب السياسية التي يمكنها أن تقود الثورة، وهذه الأحزاب هي: حزب الاستقلال وحزب الدفاع والحزب العربي ومؤتمر الشباب وحزب الإصلاح وحزب الكتل الوطنية والحزب الشيوعي الفلسطيني وجمعية العمال العرب، وكانت هذه الأحزاب ممثلة في اللجنة العربية العليا التي طالبت السلطات البريطانية بحكومة ديمقراطية، لكن طلباتهم قوبلت بالرفض، واستمرت السلطات البريطانية بتمكين الحركة الصهيونية اقتصادياً وسياسياً، ما زاد الاستياء العام وهيأ ذلك لمقاومة أكبر . يتحدث عن انفجار الثورة الكبرى في فلسطين، والبسالة التي أبداها الشعب، والإضراب الذي قاموا به طيلة ستة أشهر، وهنا يبين بشكل كبير الجهود التي قامت بها الشخصيات الفلسطينية في المطالبة بوقف الزحف الصهيوني الكبير على فلسطين وشعبها، كما يذكر العديد من الشخصيات القيادية ومقتطفات عن حياتهم، مثل أمين الحسيني وعز الدين القسام الذي وجد أن المقاومة المسلحة ضرورة لابد منها بالتنسيق مع العمل الإعلامي والسياسي، خاصة بعد فهمه العميق للمرامي الصهيونية . كما يذكر أحداث الثورة والمآسي التي حدثت فيها مرفقة بالسنين، ويستشهد بالكثير من آراء الكتاب والقادة، وبرأيه بقي الفلسطينيون بعد الثورة تحت سياط الحكم البريطاني، ولم تكن القيادات الفلسطينية بقادرة على التخلص من العشائرية لبناء مؤسسات للحكم الذاتي، ويرى أنّ فشل الحركة الوطنية الفلسطينية في تحقيق أهدافها في تلك الفترة كان نتيجة الضعف الاجتماعي الفلسطيني، والتكاتف الدولي مع الحركة الصهيونية، بالإضافة إلى وحشية البريطانيين الذين دمروا الكثير من المجتمع الفلسطيني، وخلقوا فراغات في القيادة، ولا ينسى قمصية ضعف الدعم اللوجستي من البلدان العربية، ويقول رغم ذلك كله: لكن ذلك لم يضعف الجهود البطولية للمقاومة الشعبية التي أعطت معنىً واتجاهاً ودروساً للفترات الصعبة التي تلتها .

يتناول الكاتب بعدها في ثلاثة فصول موجزاً عن فترة 1948 حتى الانتفاضة الأولى، موضحاً أن المقاومة لم تكن عنيفة فقط بل كانت سلمية أيضاً، وتشمل الكثير من مناحي الحياة مثل المدارس والإضرابات التجارية والاحتجاجات المتتالية، بالإضافة إلى الإعلانات التي كانت تحض على مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بمعنى أن الشعب الفلسطيني خلال تاريخه في المقاومة يستخدم ويلجأ إلى جميع الأساليب في مقاومته، رافضاً الهزيمة حتى ينال حقه، وهذ يؤكد مقولة للمفكّر اللبناني الشهيد مهدي عامل: لست مهزوماً مادمت تقاتل .

مازن قمصية في سطور:

أستاذ جامعي في جامعتي بيت لحم وبير زيت، ويعمل كناشط مع العديد من منظمات المجتمع المدني، نشر ما يزيد على ألف مقال في الصحف والمجلات العالمية، بالإضافة إلى العديد من الكتب المهمة منها: المشاركة في أرض كنعان .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"