عادي

النساء الفلسطينيات تاريخ شفوي وذاكرة اجتماعية ... 3 - 3

03:48 صباحا
قراءة 10 دقائق
تأليف: فاطمة قاسم / عرض وترجمة: عبدالله ميزر

عن دار زيد يوكس البريطانية صدر كتاب الباحثة الفلسطينية فاطمة قاسم بعنوان النساء الفلسطينيات: تواريخ مروية وذاكرة فئوية في 264 صفحة من القطع المتوسط، وهو بالأساس أطروحة دكتوراه، نالت بها الكاتبة شهادة الدكتوراه في العلوم السلوكية .

هذا الكتاب يوثق ذاكرة الفئة النسائية لتاريخ مرسوم بالفجيعة والألم، يبين وجهة نظر النساء الفلسطينيات المهمّشات في المجتمع الإسرائيلي تجاه أحداث ،1948 عندما نشأت إسرائيل .

تتطرق الباحثة إلى الشخصية النسائية الفلسطينية المقموعة، من خلال بعض المفاهيم والعادات الخاطئة التي تقلّل من شأن المرأة، وتلغي وجودها الحيوي ودورها الفعال في أحلك الظروف .

يعد هذا الكتاب الأول من نوعه في تناول النساء الفلسطينيات في إسرائيل، ويستند إلى تحليل مقابلات أجرتها الكاتبة مع سبع وثلاثين امرأة فلسطينية، ممن يعشن في مدينتي الرملة واللد، يروين قصة الوجع النسائي الفلسطيني، الذي لم يهدأ على مدى سنين طوال، والتي هي جزء من واقع ملبّد بالاضطهاد والإلغاء والهامشيّة .

هذه الحوارات هي صرخات ألم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إنها تواريخ بقيت قابعة في قلوب ونفوس نساء صابرات مكابرات على جروحهن المتجددة، لكن نجد أن فاطمة قاسم بروحها الفلسطينية الثائرة أماطت اللثام عنها، مظهرة عمقها الإنساني، وبشاعة ما ارتكبه العدو الصهيوني بحق نفوس بريئة . ومدينتا الرملة واللد يعيش فيهما الآن خليط من الفلسطينيين واليهود، بعد أن كانتا عربيتين بالمجمل قبل 1948 .

يذكر أن الباحثة قوبلت بالرفض عند تقديم أطروحتها، بسبب استخدامها العديد من المصطلحات التي تقشعر لها أبدان الإسرائيليين غيظاً ورفضاً مثل مصطلح النكبة، الذي يعده الإسرائيليون تاريخ استقلالهم، خاصة أن فاطمة قاسم تحمل الجنسية الإسرائيلية .

في الفصل الخامس تناقش الكاتبة حوارات النساء حين استعادتهن الأحداث التاريخية عبر الجسد وصوره خلال الفترات التاريخية المختلفة، وتلتقي فاطمة قاسم الكاتبة والشاعرة الفلسطينية سهام داود المولودة في اللد، والتي تعدّ كواحدة من الجيل الثاني للنكبة، تصف مشاعر الوحدة والمنفى في أرضها الأصلية من ناحية الجسد والصدر والأصابع وعطر الياسمين، حيث جسدها يروي القصة ويزوّد بالمعرفة ويستعيد تلك الأحداث التاريخية، من وجهة نظرها الحالية كمواطنة إسرائيلية، وهذا يجسّد ما قاله الكاتب اللبناني إلياس خوري، الذي يصنع ترابطاً مألوفاً بين الجسد والتاريخ الفلسطيني في كتابه باب الشمس، حينما يروي قصة أولئك الذين أصبحوا لاجئين في لبنان: جسدك هو تاريخك، وكذلك يترك الاستعمار دمغته على جسد من يستعمره كما يقول فرانز فانون في كتابه بشرة سوداء، أقنعة بيضاء، والاحتلال منذ 1948 بقمعه المتواصل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنه منقوش على أجساد الفلسطينيين، يروي قصة الظلم الممارس عليهم . كما نجد أن تسميات الفقرات في هذا الفصل تحمل عناوين مرتبطة بالجسد، الذي يتذكر ويُقمَع وينزف ويعطش ويجوع ويرمى على الطرقات مع جثث الحيوانات الميتة، وباسمه ترتكب الجرائم .

نجد بوضوح أن الجسد الأنثوي خلال الحوارات كامل الحضور في المجتمع الفلسطيني، والذي يغدو عبئاً على من تسكنه، وعلى من لهم صلة دم به، خاصة أن الشرف يتجسّد فيه وفقاً للثقافة المعاشة، والحفاظ على الشرف لزم حفاظاً على الجسد، فكانوا بعض الأحيان يلجؤون إلى إخفائه عن أعين الذكور من الأعداء، وأحياناً أخرى يموّهونه بتشبيهه بالجسد الذكوريّ، وللأسف في بعض الأحيان يتعرض للهتك والتدنيس على أيدي الجنود الإسرائيليين، الذي لم يتوانوا عن إلحاق الأذى بأجساد غضّة، عانت الأمرّين .

تشير الباحثة إلى أن الكثير من التجارب بقيت طي الكتمان، ولم يتسنَّ لها أن تخرج وتروي ما فعله الصهاينة، البعض منها بسبب القمع الكبير من الجانب الإسرائيلي، والبعض الآخر بسبب الفضيحة الاجتماعية الملازمة لأي انتهاك يلحق بالجسد الأنثوي، الذي يغدو دمغة عار يَصعب إزالتها . وهذه الحوارات مهّدت الطريق أمام الكثير من القصص المروّعة لتظهر إلى النور كاشفة لاإنسانية الكيان الصهيوني وطغيانه اللانهائي .

رحلة الجوع والعطش

عندما طرد الصهاينة الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم في ،1948 زحف الكثيرون منهم عبر الطرق الجبلية باحثين عن ملاذ آمن يمنع عنهم رصاص العدو، وكانت رحلتهم تخطّ تفاصيلها الأوجاع والآلام، ظهر فيها الجوع والعطش سيّدين من أسياد الوحوش الشرسة التي فتكت بأجسادهم، وعن هذا قالت السيدة سلمى: لم نكن نملك شيئاً، لاثياباً ولاخبزاً للأطفال . . .كانت طفلتي على ذراعي، ولم أكن أملك كسرة خبز لأطعمها . لم نحمل شيئاً معنا، فقط خرجنا هكذا . . .كنا نصوم . ابن عمي مات على الطريق، عمّة زوجي ماتت واثنان من أبناء عمومته ماتا أيضاً . كبار السن ممن كانوا يمشون ببطء . . لم يكن بمقدورهم أن يصلوا إلى نهاية الرحلة فكتب لهم الموت . كانت الهجرة قاسية . . قاسية للغاية، وكان من الصعب أن تعيل نفسك . . . لم يكن هناك من ماء للشرب، ولاحتى قطرة واحدة . اعتقدنا نحن البالغين والشباب والأقوياء أننا سوف نموت . . .، وفي مكان آخر قالت: إن الأيام تعيد نفسها الآن . انظري إلى ما يحدث في غزة . . بعض الناس ليس عندهم ما يكفيهم قوت يومهم . . . إن الأيام تعيد نفسها . . .!

وأيضاً حول رواية مسيرة الموت، تعبّر هؤلاء النسوة عن إحساس عميق بالإذلال تعرضت له في استمرارهن بالكفاح للحيلولة دون موتهن، تلتقي الباحثة أليس من الرملة التي قالت: كنا نعيش الذلّ . . شربنا مياه الحيوانات (البول)، ولعقنا قشور البطيخ . استغلّنا العرب أيضاً، فقد دفعنا ثروة لاستئجار جمل، عانينا كثيراً لحين مجيء الشاحنات التي حمّلتنا (حمّلوهم الإسرائيليون على الشاحنات وأخذوهم إلى الأردن) .

تشير فاطمة قاسم من خلال حديثها مع النساء إلى أن الغالبية الكبيرة من النساء تذكرن أن الاحتلال الإسرائيلي للرملة واللد حدث في شهر رمضان، وعن ذلك قالت السيدة سلمى: كنا حينها في أيام الصوم، ربما الأول . . لا . . اليوم الثالث من رمضان . . . كنا نصوم عندما دخل اليهود، لم يتركوا لنا شيئاً، ولا حتى قطعة من زاد، ولم يكن هناك من ماء للأطفال . طردوا الناس إلى الجبال حفاة الأقدام، فارغي الأيدي . . . لم تكن هناك من قطرة ماء . .لا قطرة للشرب . .أستحلفك بالله اعتقدنا أن الكبار والشبان سوف يموتون . . . كانت الجبال الجرداء أمامنا ولا ماء . . . أخرجنا الإسرائيليون في الظهيرة . . كان الوقت حاراً . . حاراً للغاية .

الجسد الذكوريّ المغدور

تتحدث النسوة الفلسطينيات للباحثة عن أشكال متعددة مرّ بها الجسد الفلسطيني الذكوري، وتبين هؤلاء النسوة إسهام الشخصيات الذكورية الفعّال في التصدي لجبروت الغزو الإسرائيلي، وعن ذلك تتحدث السيدة أم نصري، التي تصف مقتل خال زوجها المدعو حمودة، الذي بقيت جثته مرمية لفترة، فكانت رحلة البحث عنه مضنية ومؤلمة في الآن نفسه، وقالت: بدأنا بالبحث عنه في مزارع العنب، وكنا على علم بأنه تعرّض لطلق ناريّ، إلى أن وجدناه جثة هامدة مرمية في الشارع، كان مرمياً بجانب حمار ميّت، فقد كان الحمار مقتولاً بطلق ناريّ في الرأس . . . وكانت النيران فوق رؤوسنا مثل . . . (تصمت) . . . تخيلي كم كان حجم الرصاص هائلاً فوق رؤوسنا . . . كانت حماتي معنا أيضاً . . . لو رأيت فقط تلك الأجساد في الشوارع . . . لو رأيت تلك الجثث . . . كان الأطفال الصغار يمشون حفاة الأقدام في حيرة ويبكون . . . كان وضعنا سيئاً للغاية .

تعقب الباحثة على هذه القصة المروّعة، التي فيها من الرسائل الكثير، فمقتل إنسان مع حمار، يدلّ على الوحشية والاستخفاف بالإنسان الفلسطينيّ واسترخاصه، والنظر إليه على أنه دونيّ، كما أن منظر الجثثث الملقاة على الشوارع يؤكّد أن الجيش الإسرائيلي يستبيح ويريق دم كل من يقف في وجهه .

رغم تعمق الباحثة في الكثير من الحوارات، إلا أن النسوة لم يفصحن بكّل ما عندهن من قصص وما مررن به من تجارب، فالسيدة سلمى وبإصرار من ابنتها روت قصة مقتل والدها في مجزرة مسجد دهمش في اللد عام 1948 حيث قالت: ذهب أبي مع آخرين إلى داخل المسجد لحماية أنفسهم من اليهود، لم يكن أبي من المقاتلين، فقد كان رجلاً طاعناً في السن، لكن اليهود حاصروا أبي وابن عمّي في المسجد وأردياهما قتيلين . . . في الأيام الأولى، عندما دخل اليهود إلى اللد، التجأ الكثير من الفلسطينيين إلى المساجد اعتقاداً منهم أنهم لن يقتلوهم هناك . لكنهم قتلوا كل من كان موجوداً داخل المساجد، ومنذ ذلك الحين تمّ إغلاق مسجد دهمش، ولم يسمح اليهود بفتحه وتنظيفه مرة أخرى .

توضّح الباحثة أن هذه المجزرة المسمّاة مجزرة مسجد دهمش ارتكبها الصهاينة بتاريخ 12 يوليو/تموز، وليس هناك عدد محدد ممن ماتوا فيها، فبعض الباحثين قالوا إن عددهم كان (176) شخصاً، وقال البعض الآخر إنه كان (93)، وروايات أخرى قالت إنه كان أكثر من مائة شخص .

ومن ضمن الأحاديث التي سردتها النساء، كان للثوار الذين لقوا الإعدام نصيب من حديثهن، حيث تحدثن عن أولئك الذين ثاروا ضد الإنجليز سنة ،1936 ونذكر ما قالته السيدة سلمى: ربما أعدم الإنجليز عشرين رجلاً من هنا، من مدينة اللد . أنا أعرف أسماءهم: أسامة الطرطير، علي شاهين، علي السعيد، يوسف أبو مشارك . . . . كل هؤلاء أعدمهم الإنجليز . . . ألقوا القبض على كل الثوريين من هنا ومن كل أنحاء البلاد وبدؤوا بإعدامهم، وفي كل أسبوع كانوا يجلبون اثنين للإعدام .

وعن تأثير هذه الإعدامات أضافت السيدة سلمى: الذي كان اسمه محمود الزين . . . قالوا إن أمّه أرادت أن تراه . عندما كشفت عن وجهه أصابها الجنون إثر ذلك، وأخذوها من هناك . . . فقد جُنت بالكامل . . فقدت عقلها . . إنها من عائلة أبو نجم الدين . كما تجري أحاديث أيضاً عن استغلال اليهود للرجال الفلسطينيين في العمل ومعاملتهم كأسرى حرب، وفقد الكثير من الرجال حياتهم في محاولة للهرب من منطقة إلى أخرى، وكان للرجال الذين أدمنوا المخدرات نتيجة الفقر والهامشية فقرة تحدثت عنهم الباحثة .

محال أن ينتهي الليمون

تشير الباحثة إلى مدى ارتباط الجسد الأنثوي بأحداث ،1948 والفروق اللفظية عند الحديث عن الرجال، حيث أغلب النساء ربطن كلمات وأفعال معينة بالرجل مثل: جرح، كسر، ضعيف، ميّت، أما بالنسبة للإناث فكانت الكلمات تختلف مثل: تعمل، تجهّز، تلد، ترضع من الصدر، تجد الباحثة أن الكلمات الخاصة بالأنثى تحمل قوة كبيرة، وتعرض شكلاً بديلاً للكفاح غير العنيف، إضافة إلى صورة بديلة للبطولة، وعند بعض النساء كانت النكبة تاريخاً ثابتاً بحدّ ذاته، واستخدمن جملاً مثل: قبل أن يأتي اليهود كنت لا أزال عزباء، وكانت المتزوجات تقلن: عندما جاء اليهود، كنت حبلى أو تزوجت في الوقت الذي دخل فيه اليهود . وتجد الباحثة أن في ذكر النساء لحملهن إشارة رمزية إلى حياة جديدة، تحمل الكثير من معاني التحدي والمقاومة، وعن تلك الفترة قالت أليس من الرملة: مضينا طوال الطريق سيراً على الأقدام، كان أبي يشعر بالقلق بشأني، لأني كنت متزوجة حديثاً وفي بداية الحمل . كانت أمي حبلى أيضاً وكان أبي كبيراً ويمشي على عكاز . أبي ترك أمي وأمي تركت أبي، وكلاهما تركاني . . .، وفيما تحدثت به النساء وحللته الباحثة تجسيد لما قاله الشاعر السوري الراحل نزار قباني، الذي أشار إلى استحالة انتهاء الثوار من خلال تشبيههم بالليمون: كل ليمونة ستنجب طفلاً/ ومحال أن ينتهي الليمون .

شبح الاغتصاب في 1948

تشير الباحثة إلى أنه خلال المقابلات، كان واضحاً أن قصص الاغتصاب ظلت من القصص المسكوت عنها، في كل من المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي، حتى عند التطرق إليها، كان يتم تجاهل أسماء العائلات، وحول ذلك قالت السيدة أم محمد: فعل اليهود بنا الكثير من الشرور . عندما دخلوا . . . أهانوا الفتيات وضربوهن . . . . كانوا يخبروهن: تعالي إلى هذه الغرفة وأحضري الطعام إلى هنا، وكانوا يقومون بأفعالهم . . . أشياء عديدة . اعتدنا أن نسمع الكثير عن هذا، لذلك لم تكن أمي تتركنا نتجول حول الدار، سحبوني من شعري . . . فعلوا ما لا يمكن فعله . وقالت السيدة رشيدة عن ذلك أيضاً: في بداية الاحتلال، لم يكن هناك سكان، كان هناك كبار السن فقط، لكن اليهود لم يفعلوا شيئاً بكبار السن، أخذوا الفتيات فقط، أو النساء . . . كان اليهود يأتون في الليل ويأخذون الفتيات والنساء . كما أن رشيدة تمضي في الحديث عن تجربتها في تعرضها لمحاولة اغتصاب باءت بالفشل قائلة: كنت أمشي، كانت عندي ضفيرة طويلة وثوب يشبه هذا (تشير إلى ثوب ما) اقترب الرجال اليهود مني، سحبوا شعري ليرموني أرضاً . لكني ذهبت مباشرة إلى أمي، التي قالت: لن تعبري الطريق إلى الخارج، ابقي معي في البيت . وتشير رشيدة إلى أن القوات الإسرائيلية عاملت النساء بإذلال، وكان لوجود اليهود تأثير واضح في حياتها كفتاة بالغة وفي والدتها، حيث حجزن أنفسهن في المنزل ليغدو كالسجن المظلم، خوفاً من الاغتصاب، لكن رغم هذا السجن المنزلي كان شبح الاغتصاب يلاحقهن على الدوام، فلجأت العديد من الأمهات والفتيات إلى وسائل أخرى مثل غرق أجسامهن بالأوساخ وفضلات الحيوانات، كما لجأت بعض العائلات إلى إخفاء بناتهن في أزياء ذكورية، ويقصصن شعورهن، ليضمنوا بذلك عدم اقتراب الجنود منهن، وكان الشكل الأخير للحماية الهجرة، الذي كان الثمن الباهظ، وهو اغتصاب الوطن الفلسطيني .

تجد الباحثة أنّ ما كان يقف خلف سكوت الرجال الفسطينيين هو شعورهم بالعار والإذلال من كونهم غير قادرين على حماية نسائهم وبلادهم وتقول: على المستوى الرمزي، كونهم غير قادرين على التحدث بشكل علني عن الاغتصاب (بدلاً من ذلك يخفونه)، خافين بذلك عجزهم عن حماية النساء وفلسطين من الاغتصاب . وتجد الباحثة أن سكوت النساء على جرائم الاغتصاب يعزز البطرياركية الفلسطينية في إنتاج التمثيل الثقافي والاجتماعي والقومي للرجال على أنهم الحماة الوحيدون للأمة، ويعمقن من إخضاع أنفسهن للرجال .

تشير الباحثة إلى أن قصص الاغتصاب لم يذكرها الإسرائيليون كثيراً، ودوافع الإخفاء عندهم تختلف عن دوافع الفلسطينيين، في محاولة منهم على أنهم أصحاب القيم الأخلاقية الأسمى، وينكرون أن يقوم الجنود بفعل مثل الاغتصاب .

مفهوم الوطن

في الفصل السادس والأخير تتحدث فاطمة قاسم عن مفهوم الوطن عند هؤلاء النساء اللواتي حاورتهن، وتجد أنه خلال الحديث معهن كان الوطن من أكثر الموضوعات البارزة عندهن، وهو يشكل أحد الموضوعات المعقدة، حيث فهمهن للوطن يتجسد عبر حياتهن الخاصة والإحساس الجمعي المبني على الحياة في القرية أو في المدينة، إضافة إلى الهوية الوطنية الفلسطينية .

تجد الباحثة أن النساء الفلسطينيات يعبرن عن إحساسهن بالوطن بطرق متعددة تحمل وظائف ومعاني مختلفة . يعبرن عن الوطن من ناحية التنظيم المكاني والانتساب الاجتماعي، الذي يؤكد وجوده الفيزيائي وما يحمله من المعاني الرمزية . لكن يبقى الوطن دائماً مكان الإحياء، مكان الموت والولادة، مكان الأمان والدفء والإحساس بالانتماء الجمعي والفردي .

فوق كل هذه المعاني المتعددة، تسلّط النساء الضوء على الوطن بأنه موقع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أنهن شاهدن كيف أصبحت منازلهن الخاصة منازل تقطنها العائلات اليهودية، وكيف تأكل العائلات من ثمار مزارعهن، وكيف أصبح البيت الكبير - فلسطين - وطناً قومياً لليهود اسمه إسرائيل .

في نهاية الكتاب تجد الباحثة أن رواية هذه القصص المهمّشة تحمل أهمية كبيرة، ليس في ما يتعلق بالأحداث الماضية، بل بما يمكن أن تقدم للحاضر والمستقبل، والتي تثير الكثير من الأسئلة المتعلقة بالصراع الحالي والواقع المعاش .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"