كي لا يعاد إنتاج «داعش»

06:16 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

من حق العراقيين أن يحتفوا بمرور سنة على إعلان تحرير كافة المدن العراقية من سيطرة التنظيم الإرهابي «داعش»، ومن واجبنا، أن نشاركهم فرحتهم بهذا النصر، الذي أنهى المعاناة التي خضعوا لها خلال سنوات، ففتك بهم وانتهكت أعراض الكثير من نسائهم، خاصة الإيزيديات منهن، وسلبت أموالهم وممتلكاتهم، وحتى بيوتهم لتصبح مأوى للمقاتلين القادمين من مختلف البقاع.
إعلان زعيم التنظيم قيام دولته من على منبر أهم مسجد في مدينة الموصل، وهي واحدة من أهم مدن العراق عبر التاريخ، دشّن فصلاً دموياً أسود لا في تاريخ العراق وحده، وإنما في تاريخ المنطقة كلها، فسرعان ما تمدّد في الأراضي السورية، وأصبحت له فروع وأذرع في بلدان أخرى بينها ليبيا واليمن، وحتى في البلدان التي حوصر فيها، نجح في أن يشكل خلايا نائمة تمدّه بالمقاتلين والمناصرين، ناهيك عن تنفيذهم لأعمال إرهابية في مدن تلك البلدان استهدفت المدنيين، كما استهدفت قوات الجيش والأمن فيها، وحتى السياح الأجانب.
لذا، فإن إعلان العراق استعادة السيطرة على ما وقع تحت هيمنة «الدواعش» من مدن وبلدات، رغم الكلفة البشرية الباهظة التي دفعها العراقيون لإحراز ذلك النصر، وجَّه ضربة قاصمة لمفاصل التنظيم في المنطقة كلها، فتتالت هزائمه في أماكن أخرى، خاصة حين جرى استعادة مدينة الرقة السورية من قبضته، وهي المدينة التي أعلنها عاصمة لدولته.
لكن هذا النصر الميداني على «داعش»، بما يحمله من دلالات سياسية مهمة، يجب ألا يحجب الأنظار عن خطر «الداعشية» الذي لم يزل كامناً، إن لم نقل ماثلاً، ووصفنا النصر ب «الميداني»؛ لتبيان طبيعته التي رغم أهميتها، تظل غير كافية، ف «الداعشية» قبل أن تكون تنظيماً مسلحاً، سمى نفسه ب«الدولة»، هي فكرة إرهابية، قد تتجلى في الصورة الدموية البشعة التي رأيناها في العراق وسوريا وسواهما، ولكنها قد تتجلى أيضاً في صور أخرى، ناعمة، لكنها لا تقل خطورة، إن لم تكن هي الأخطر؛ لأنها تحمل في ثناياها البذور المنتجة للإرهاب المسلح، في أشد صوره دموية وبشاعة.
إن الهزيمة التامة ل«الداعشية» ستنجز حين يقضى على فكر «الداعشية» المتغلغل في الكثير من مناهجنا الدراسية، وفي أدمغة الكثير من المعلمين والمعلمات، والكثير من أئمة المساجد وبعض من يطلقون على أنفسهم دعاة، حيث يزينون للناشئة الفكر التكفيري، ويزرعون بذوره في أدمغتهم الغضة، فما إن يكبروا حتى يستجيبوا لأول منادٍ لهم لما يدعونه زوراً وبهتاناً ب«الجهاد».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"