هل نعرف ذواتنا؟

03:36 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

يبدو أن هذا هو السؤال الذي شغل ألبرتو مورافيا في قصته القصيرة: «اهتديت إلى ذاتي»، التي تبدأ بتداعيات امرأة لم تشأ أن ترافق زوجها الذي غادر الفيلا التي قضيا الصيف فيها، قائلة: «لن أعود إلى المدينة لأني أريد الانفراد بنفسي لمدة أسبوع، على الأقل، كي أهتدي إلى ذاتي».
سخر الزوج من قول زوجته: «أهتدي إلى ذاتي أصبحت مثل الموضة هذه الأيام». وبينها وبين نفسها خمّنت المرأة أن الزوج ربما تفهم هذه العبارة لو أتت من شابة في العشرينات من عمرها، أما هي وقد تخطت الأربعين وصارت أماً في أسرة كبيرة فما الذي تريد أن تهتدي إليه؟ أكثر من ذلك قالت المرأة: «أعترف أنني في دخيلة نفسي كنت سأتفق معه لو قال ذلك»، معزية الأمر إلى عجزها عن انتقاء عبارة مناسبة لوصف الحال التي هي عليها.
ذهب الزوج وبقيت المرأة في الفيلا. ستأتي الخادمة صباحاً لمدة ساعتين لتنظيف البيت، وستذهب هي إلى القرية المجاورة لشراء الاحتياجات ثم تطهو الطعام وبعد ذلك تتناول الغداء ثم تغسل الصحون، ثم «سأستغل كل ما يبقى من الوقت في الاهتداء إلى ذاتي»، هكذا قالت.
تجلس في البهو في يدها كتاب. «الشمس تتخلل النوافذ وتلقي على الحوائط والأريكة صلباناً من الظلال. إنه يوم باهي الصفاء رائع الجمال من أواخر شهر أيلول/ سبتمبر، إنه الجمال الذي يملأ النفس خيالاً، ولكنه لا يساعد على الاهتداء إلى الذات».
كان الوقت ظهراً، والأقدمون، على ما يقول الكاتب، يعتقدون أن الأشباح تنطلق وقت الظهيرة. لوهلة تخيلت المرأة أن شعاع الشمس بدأ يأخذ تدريجياً هيئة آدمي يجلس أمامها، وأنه من الطبيعي، إذن، أن تدخل معه في حديث. «ألايختلق الروائيون موقفاً كي يقدّموا من خلاله شخصية أو أكثر تستعرض نفسها؟»، يتساءل مورافيا على لسان المرأة.
لن أقول هنا ما جرى بعد ذلك، ولا ما إذا كانت المرأة قد اهتدت، وهي في عزلتها تلك، إلى ذاتها كما أرادت. بوسعكم، لمعرفة التتمة، العودة إلى القصة في كتاب من ترجمة نهاد محرم ضمّ مختارات من قصص مورافيا صدر عام 1986.
ولكني أحببت مشاركتكم التساؤل: هل حقاً نحن نعرف ذواتنا؟ وإذا لم نكن نعرفها فهل نهتدي إليها منفردين بأن نخلو لأنفسنا كما أرادت هذه المرأة، أم أننا لا نهتدي إلى هذه الذوات حقيقة إلا برؤيتها في مرآة الآخرين، الذين ندخل أو نشتبك معهم في علاقات الحياة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"