هل يجوز قلي الجراد حياً ؟

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قبل أن أبين الحكم الشرعي الخاص بالجراد، أود أن أذكر نبذة تعريفية عن الجراد الوارد ذكره عند الفقهاء، فجيل اليوم لا يعرف الجراد مطلقاً، لكن الآباء والأجداد يعرفونه لأنه كانوا يأكلونه، وفي الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات فكنا نأكل الجراد». (رواه النسائي)
إذن الجراد يعتبر قوتاً لأنه إذا طبخ في الماء الجار وجفف كان صالحاً لاستخدامه كغذاء لمدة طويلة، والجراد الذي يؤكل ليس البري الذي يوجد في الصحراء، بل الجراد الذي يعرف بالزعيري وأنثاه تعرف بالمكن، والأنثى أكثر فائدة، وقد ذكر علماء الأعشاب أن الجراد من أكبر المقومات الجنسية فاعلية، لأنه ينشط الجسم ويزيد من الطاقة لاحتوائه على مواد متنوعة لأنه يأكل من كل شجر.
والجراد من الناحية الطبية علاج للروماتيزم وآلام الظهر، ويتبخر به لعلاج البواسير، والسمين منه يشوى ويؤكل للسع العقرب.
نعم.. والجراد نهي عن قتله لأنه جند الله الأعظم، لكن المزارعين يتشاءمون من خروج الجراد لأنه إذا خرج بجيشه الجرار لا يترك أخضراً ولا يابساً إلا أكله، وقد عبر أحد الشعراء عن ذلك الموقف فقال:

مرّ الجراد على زرعي فقلت له:

                        إياك إياك أن تسعى بإفساد

فقال منهم خطيب فوق سنبله:

                         إنا على سفر لابد من زاد

ومعروف أن أسراب الجراد تتبع قائدها: فإذا رحلت من مكان خلف قائدها حلت في مكان آخر، والشرع رغم النهي الوارد عن قتله يجيز مكافحة أسراب الجراد، لأن القاعدة الفقهية تقول: «الضرر يزال والضرورة تقدّر بقدرها».

أما الحكم الفقهي المتعلق بالجراد فقد أجمع الفقهاء على أن أكله حلال للحديث الوارد: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد) (رواه ابن ماجه والدار قطني، وهو حديث موقوف وله حكم الرفع).
والجراد عند الجمهور لا يحتاج إلى تذكية (ذبح) لكن المالكية قالوا: لابد من تذكية بأن يفعل به ما يجعل موته، ويفعل ذلك بالتأكيد بالتسمية والنية.
والشافعية الذين قالوا بجواز قلي السمك وشيّه على النار من غير شق بطنه، لكنهم كرهوا ذلك إذا كان حيّاً، لأنه تعذيب من غير حاجة، وقالوا عن الجراد: على القول الراجح أنه يحرم قليه وشيّه حيّاً لما فيه من التعذيب.
وحجتهم أن حياة السمك خارج الماء حياة المذبوح، فهو يتعذب حتى لو ما قلي في الزيت الحار، بخلاف الجراد فإن حياته مستقرة وليست كحياة المذبوح، لأن الجراد يعيش خارج الماء أصلاً (انظر نهاية المحتاج ج 8 ص 107)
والحنابلة قالوا بجواز قلي الجراد وشيّه حيّاً، ولا يعدَ ذلك تعذيباً لأنه تعذيب للحاجة، فالجراد لو ترك فلربما طالت حياته لأنه لا ينفق كما ينفق السمك، وعندئذ يشق على الناس انتظار موته.
وقول المالكية بأنه لابد من تذكيته أي فعل ما يعجل موته، يفيد أنه لابد من إيجاد سبب ينفق به الجراد، فلو قطعت رأسه مثلاً عدّ ذلك الفعل سبباً لنفوقه محلّ أكله.
بل قالوا: يجوز أن تقطع أرجله أو أجنحته أيضاً، لكي يكون سبباً في نفوقه ولا يعد ذلك تعذيباً له، وعلة تذكيته عند مالك أنه من حيوان البر فلابد من ذكاته، وإذا نفق من غير ذكاة شرعية فميتته محرمة.

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"