ماكرون في بيروت

03:16 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

أتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت بعيد انفجار المرفأ المروّع، محملاً بحزمة رسائل، ربما بتفويض، أو على الأقل بصورة من صور الدعم، من الدول المقررة في الاتحاد الأوروبي، وحتى الولايات المتحدة أيضاً.
بعث ما كرون ببعض رسائله بخطوات يمكن وصفها بالرمزية، فلم يذهب من المطار إلى قصر بعبدا ليجري مباحثات مع رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين، وإنما ذهب لتفقد الأضرار بالمرفأ، والقيام بجولة في المناطق السكنية المجاورة التي لحقت بها وبأهلها أشدّ الخسائر، واستمع إلى الجمهور الغاضب الذي استقبله بهتافات مختلفة، وفي أحاديثه مع هذا الجمهور قال ماكرون عدة أشياء، أهمها على الأرجح دعوته إلى ميثاق وطني جديد للبنان.
حين ولد ماكرون في نهاية عام 1977، كانت قد مضت أكثر من ثلاثة عقود على إبرام الميثاق اللبناني الأول في عام 1943، المعمول به حتى اليوم، مع بعض التعديلات التي أدخلت عليه في اتفاق الطائف عام 1989، وهو أيضاً الميثاق الذي أنشأ نظام «المحاصصة» الطائفية في السلطة.
المؤكد أن ماكرون قرأ عن حيثيات وضع هذا الميثاق، أو أن مستشاريه ومسؤولي وزارة خارجيته وضعوه في صورة ذلك، وبالتالي، فإنه يعلم أن فرنسا لم تكن بعيدة أبداً عن «صفقة» هذا الميثاق التي ظل الساسة اللبنانيون المتعاقبون يتباهون بها طويلاً، واصفين إياه ب«الصيغة اللبنانية».
في عام 1920 أعلن الفرنسيون قيام دولة لبنان الكبير، وأعلنوا بيروت عاصمة لها، بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني، وبحسب تقسيمات اتفاقية «سايكس بيكو»، بسط الفرنسيون سيطرتهم على سوريا، وعلى متصرفية جبل لبنان التي كانت مقاطعة عثمانية مستقلة، ثم قاموا بضم عدد من المدن الساحلية: جبل عامل، وسهل البقاع، والسهول الشمالية، لتتوسع المتصرفية وتصبح دولة لبنان الكبير.
بعد أكثر من عشرين عاماً أنهى الساسة اللبنانيون خلافهم حول صورة الكيان الجديد الذي أصبحوا سادته، بالاتفاق على الميثاق المذكور، برضى فرنسا وربما بتدخلها المباشر في الوصول إليه.
في مؤتمره الصحفي في نهاية يومه الحافل ببيروت، أكثر ماكرون من القول إن اللبنانيين، لا فرنسا، هم المعنيون باختيار الطريقة التي يُديرون بها بلادهم، فبدا كمن تراجع عما قاله في الصباح عن الميثاق الجديد، وبدا أيضاً كمن يرد على الدعوات بعودة الانتداب الفرنسي، المستحيلة على كل حال.
أي ميثاق جديد لن ينهي تسلط زعماء الطوائف ليس حلاً لأزمة لبنان. وفي الشعار المدوّي في شوارع بيروت وسائر المدن: «كلن يعني كلن»، المختصر المفيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"