ما دافع مراهقة في الـ 15 للانضمام لـ «داعش»؟

03:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاطف الغمري

وسط الجدل الدائر في بريطانيا حول طلب الفتاة المسماة «عروس»داعش«»، بأن تسمح لها الحكومة البريطانية بالعودة إلى بريطانيا، حاملة طفلها الذي أنجبته من إرهابي، شغل بعض المتابعين لهذا الجدل بسؤال: عما إذا كانت الحكومة البريطانية تتحمل جانبا من رحيل فتيات في سن المراهقة من بريطانيا للانضمام إلى التنظيم الإرهابي؟ مع الأخذ في الاعتبار ما قدّرته الشرطة البريطانية من أن 850 فتى وفتاة بريطانيين سافروا عبر حدود تركيا إلى سوريا للانضمام إلى «داعش».
هذا السؤال تزامن مع سؤال آخر طرحته مراكز بحوث بريطانية جاء فيه: لماذا تلجأ فتيات صغيرات مسلمات يحملن الجنسية البريطانية، ومن عائلات مستقرة، إلى هجرة عائلاتهن، واللحاق بتنظيم «داعش» في سوريا والعراق، الذي تحط أيديولوجيته من قدر النساء، وفي بيئة يتعرض فيه للقتل المحتمل؟
وبالنسبة للسؤال الأول كان لافتاً للنظر أن بريطانيا تحديداً - وعواصم أوروبية أخرى - فتحت أبوابها في العقود الأخيرة، لأشخاص تدينهم بلادهم بارتكاب أعمال إرهابية، ووفرت لهم ملاذاً آمناً، استجابة لمطالبهم باللجوء السياسي. فضلاً عن أن القانون في بريطانيا لا يجرم الإرهابيين على اقتران جرائمهم خارج حدودها، إلا إذا وقع منهم الفعل الإرهابي داخل بريطانيا.
وأمام استمرار ظاهرة تطلع مئات المراهقات البريطانيات للانضمام إلى «داعش»، لم يستبعد بعض الباحثين مسؤولية الدولة البريطانية عن ذلك. فمثلاً نشرت صحيفة «الأوبزفر» مقالاً كتبه مارك تاونسند نقلاً عن خبراء مكافحة التطرف، ذكروا أن هناك شكوكاً جديدة حول فعالية سياسة الحكومة البريطانية، في مجال مكافحة التطرف.
ومن بين هؤلاء الذين حصلوا على الجنسية، أو الإقامة في بريطانيا ممن اتهموا في بلادهم بالإرهاب، من نشأ أولادهم على تلقينهم الفكر الإرهابي لعائلاتهم.
وهنا كان الرد على السؤال الخاص بمسؤولية الدولة البريطانية، عما تعانيه الآن.
السؤال الثاني أثاره تركيز الصحف البريطانية على المراهقات الثلاث اللائي هربن إلى سوريا، عبر حدود تركيا، في فبراير/ شباط 2015، وتحت أعين سلطاتها على الحدود، وهن شميم بيجوم (عروس «داعش»)، وقديسة سلطانا، وأميرة إيبس، واللائي تزوجن من ثلاثة من مقاتلي «داعش» عقب وصولهن بأسابيع قليلة.
وتبين أن وراء تسهيل هروب المراهقات الثلاث، امرأة من لندن تسمى أقصى محمود، سبق أن انضمت إلى «داعش» عام 2013، وهي التي داومت على التواصل مع الفتيات عن طريق الإنترنت، وأقنعت الفتيات، بسرقة مجوهرات أمهاتهن، لدفع ثمن تذاكر الطائرة.
وكان وراء الهروب عمليات غسل مخ لمراهقات ساذجات، لم يصلن بعد إلى سن النضج - في سن 15 عاماً - وإغراء بالحياة الرائعة التي سيوفرها لهن «داعش» في ما وصفته بالمدينة الفاضلة، والزواج من أشخاص يوفرون لهن فرصة أداء الواجبات الدينية، بينما المراهقات في هذا العمر، لا يعرفن شيئاً عن حقيقة الدين الإسلامي، الذي كانت ممارسات «داعش»، على النقيض منه تماماً.
وكانت منظمة حقوق المرأة، وهي منظمة إسلامية، حاولت توعية أمثال هؤلاء الفتيات بأن كل تصرفات «داعش» ضد تعاليم القرآن، فهو يبيح قتل مسلمين ينطقون بشهادة لا إله إلا الله، والتمثيل بالجثث، وحرق الإنسان حياّ، واغتصاب الفتيات، ومعاملتهن كرقيق، وهو ما حدث علناً في سوريا والعراق.
فماذا كانت نتيجة الهروب إلى الجحيم الذي صوروه لهن كذباً على أنه جنة النعيم؟ البعض من الفتيات اكتشفن الخديعة فحاولن الهرب، لكن محاولة كثيرات منهن باءت بالفشل فالتنظيم كان يقتل من تحاول الهرب. ومع ذلك، فإن عمليات غسل المخ الممنهجة دفعت كثيرات من النساء إلى الغلو في التطرف، خاصة مع التحول في أساليب «داعش» لتجنيد المقاتلين.
ففي بداية وصول الفتيات إلى معسكرات «داعش» وتزويجهن برجال من مقاتليه، تصبح المرأة مسؤولة عن الإنجاب، ورعاية البيت والرجل الذي تزوجته. إلى أن حدث التحول مع الضربات التي تلقاها «داعش» في السنتين الأخيرتين، ومقتل أعداد كبيرة من أفراده، فتم إدخال النساء في تدريبات على القتال، أو القتل، وقطع الرؤوس، ليشاركن في الأدوار التي كان ينفرد بها الرجال.
وثبت من استطلاع أجراه الباحث إيفان ويليامز، أن «داعش» يضع عشرات الألوف من الأطفال تحت سيطرته، ويتم تجنيدهم كجيل قادم من المقاتلين، بدءاً من عمر عشر سنوات، وهؤلاء إما أن يكونوا من أولاد المراهقات المهاجرات حين يصبح عمرهم مناسباً، وإما من أولاد المناطق التي يسيطرون عليها، ومن يحاول الهرب يتم قتله. ويقولون له: إذا وصفوك بأنك إرهابي، عليك أن تعتبر ذلك شرفاً لك.
هذا جانب من الصورة السوداوية للظاهرة الإرهابية، التي تخطت حدود الدول، لتهديد العالم بأجمعه من دون استثناء، ولم يعد تكفي لمواجهتها سياسات مجزأة، ليست بينها تنسيق أو انسجام، فتكون هناك دول تصطدم بها سياسات دول أخرى، حين تقسم الجماعات الإرهابية، إلى ما يمثل خطراً عليها، وما تسمح بعدم إدراجه في قوائمها للإرهاب، لأسباب معروفة، وهو ما يخلق ثغرات في الجبهة الدولية لمكافحة الإرهاب. وهنا تكمن المشكلة المستمرة للآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"