طاغور على ضفاف النهر

05:56 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

كان الشاعر الكبير رابندرات طاغور يتهيأ لزيارة إنجلترا في العام 1912 ليلتقي بأصحاب العقول النيّرة فيها. وهو من يُفرّق بين المستعمرين الإنجليز، والشعب الإنجليزي، قائلاً: «إن الذين يكتفون بمعرفة الإنجليز في الهند، لن يعرفوا الإنجليز»، وكان هو نفسه مأخوذاً باتساع نظر رجال مثل برنارد شو، وبرتراند راسل، وج. ولز.

في الأثناء مرض الشاعر مرضاً حمله على تأجيل رحلته، ليقضي نقاهته على ضفاف نهر الكنج، وخلال ذلك شرع في ترجمة مجموعته «أغاني جنجالي» التي كتبها بالبنجالية إلى اللغة الإنجليزية.

أثار ذلك دهشة المحيطين به، وسألوه: لماذا لا ترتاح بدل أن تقضي الوقت في الترجمة؟ فأجاب: «ما لم يكن الذهن فعالاً فإن الإنسان لا يستطيع الراحة التامة».

وأعطى الشاعر تفسيراً إضافياً: «الوقت الآن: مارس/ آذار، وإبريل/ نيسان، والهواء محمل بعطر الزهور، وكل ساعات النهار مجنونة بأغاريد الطيور. في هذا الجو لا يستطيع الإنسان أن يبقى كسولاً، وعادتي أنه إذا مرّ الهواء على عظامي انطلقتُ بالموسيقى، وبما أني لم أكن قادراً على الجلوس فقد رأيت أن أترجم تلك العواطف والمشاعر التي خلقت فيّ عيداً من الفرح في الأيام الخالية».

وأخذ طاغور دفتراً، وراح يترجم عليه نصوصه، يصطحبه معه في السفينة ليستمر في العمل حين يتاح له ذلك، وعن طريق أحد أصدقائه وصلت مخطوطة الترجمة، بعد أن أنجزها، إلى الشاعر ييتس الذي أدهشه ما قرأ.

ستتولى الجمعية الهندية الإنجليزية طباعة 750 نسخة من الترجمة كما وضعها طاغور، وكتب ييتس نفسه مقدمة للمجموعة التي صدرت في لندن، قائلاً: «لقد حملت المخطوطة معي أياماً، أقرأها في المطار، أو المطعم، وكان عليّ أن أغلق الدفتر لئلا يرى أحد تأثري العميق، فهذه القصائد تبين عالماً فكرياً حلمت به طوال حياتي، ويقول أصدقائي الهنود إنها مملوءة بالحكمة، والنغم، كما أنها تحتوي على اختراع في البحور الشعرية».

أثارت البراعة والجمال اللذان وضع بهما طاغور الترجمة استغراب ودهشة الكثيرين، حتى أن بعضهم نسبوا جمال الصياغة إلى ييتس نفسه، ولكن ذلك لم يكن صحيحاً، فلم يكن لييتس سوى ملاحظات يسيرة جداً على الترجمة، والنسخة الأصلية التي وضعها طاغور تشهد على ذلك.

واضع كتاب: «طاغور - عبقرية ألهمت الشرق والغرب»، كريشنا كريبلاني، ومنه استقينا بعض هذه المعلومات، أبدى دهشته من حقيقة أن الهند جمعت في عصر واحد عملاقين هما المهاتما غاندي، وطاغور، ليجد في ذلك دليلاً على حيوية الأمة الهندية، وعظمتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"