بين اغتيال الحريري وتفجير بيروت

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السويجي

ما بين الرابع عشر من فبراير/شباط 2005؛ وهو تاريخ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والرابع من أغسطس/آب 2020؛ وهو تاريخ اغتيال مرفأ بيروت، تبرز مقولة (ما أشبه اليوم بالبارحة)، فنقاط التشابه كثيرة منها؛ قوة الانفجارين اللذين لم تقتصر أضرارهما على شخص رفيق الحريري ومرفأ بيروت ولكن طالت ما حولهما، ومن بينها أيضاً الجهة أو الجهات التي يوجه إليها أصابع الاتهام، ثم الدخول في جدل عقيم حول الجهة التي يجب أن تتولى التحقيق.
ففي حادثة اغتيال الحريري، انقسم اللبنانيون ما بين مؤيد لتحقيق داخلي وبين تكليف جهة خارجية، واستقر الأمر على محكمة دولية كان من المفترض أن تعلن الحكم في السابع من أغسطس/آب؛ لكن رفقاً بلبنان؛ وحرصاً على عدم تأزيم الأمور أكثر، تم تأجيل النطق بالحكم إلى الثامن عشر من هذا الشهر، ويدور الجدل حالياً حول النقطة ذاتها. وينقسم اللبنانيون مرة ثانية حول الجهة الموثوقة للتحقيق في الانفجار الرهيب الذي أودى بحياة أكثر من 150 شخصاً، وخمسة آلاف جريح، وعدد كبير من المفقودين، وينبع هذا من عدم ثقة اللبنانيين بجسمهم القضائي، والخوف من التدخل في نتائج التحقيق لمصلحة جهات محددة، وإخفاء دور جهات أخرى، وقد تكون النتيجة تدويل التحقيق، وقد ظهرت طلائع هذا التوجه بوصول فريق فرنسي.
ونعود إلى التشابه بين الحادثتين والجدل حول قوة الانفجار والمواد المستخدمة في التفجير، وكيفية حدوث ذلك، ففي موضوع رفيق الحريري لم تظهر التحقيقات دلائل ملموسة عن كيفية التفجير. أحد السيناريوهات تحدث عن متفجرات مزروعة تحت الأرض، وسيناريو آخر ذكر قصفاً تم من الجو أو من سفينة ما، ولم يعرف اللبنانيون حتى اللحظة الوسيلة الجهنمية التي أودت بحياة الحريري، رحمه الله، والحوار ذاته يدور الآن بين اللبنانيين وخبراء التفجيرات والسياسيين ووسائل الإعلام، كيف حصل الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، الذي تعادل قوته عُشر قوة الانفجار الذي تعرضت له مدينة هيروشيما اليابانية، هل بفعل تخزين مواد متفجرة أو كيمياوية، أم بفعل صاروخ جو أرض؟ وكما حصل مع حادث اغتيال رفيق الحريري، يتم توجيه الاتهامات حالياً إلى «إسرائيل»، رغم عدم صدور بيان رسمي بذلك، ورغم إنكار «إسرائيل» مسؤوليتها، والجهة الثانية المتهمة هو «حزب الله» اللبناني الذي يقال إنه يسيطر على مرفأ بيروت، وتحديداً على العنبر 12 الذي وقع فيه الانفجار الضخم، وبعض التقارير تشير إلى وجود مادة (سي 4) شديدة الانفجار، إضافة إلى نترات الأمونيا.
ويخشى قسم كبير من اللبنانيين، كما يتضح من وسائل الإعلام اللبنانية، من أن يصيب حادثة انفجار مرفأ بيروت ما أصاب حادثة اغتيال رفيق الحريري، أي يتم التسويف بالقضية ل15 سنة أخرى قادمة من دون التعرف إلى المتسبب.
اللبنانيون لم تعد لديهم ثقة بحكومتهم. ووصل الأمر ببعض اللبنانيين بدعوة الانتداب الفرنسي من جديد أمام الرئيس ماكرون.
لا أحد يمكنه توجيه اللوم لأحد في هذه الفترة، فالتحقيقات جارية؛ لمعرفة المتسبب، وبما أن مرفأ بيروت، كما قال أحدهم، مُسيطر عليه من جهات عدة ويوزعون غنائمه في ما بينهم؛ حيث الفساد يضرب مفاصله كلها، فإن المحققين سيواجهون صعوبة كبيرة في الكشف عن المتسبب بالأسماء أو الجهات، والطريقة الوحيدة التي قد تحسم الأمر هو توجيه الاتهام إلى «إسرائيل»، ويبدو أن هذا هو التوجه الأسلم للجهات النافذة والمسيطرة على القرار في لبنان. وما أشبه اليوم بالبارحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"