هو المقرئ المفسر، الإمام الثقة الفقيه، العالم، مولى السائب بن أبي السائب رضي الله عنه، وقيل مولى ابنه عبدالله بن السائب . مجاهد بن جبر، أبو الحجاج القرشي المكي المخزومي الذي برع في التفسير وقراءة القرآن والحديث .
ولد مجاهد، رحمه الله، سنة21ه 642م في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويقول الدكتور محمد السيد جبريل في موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: على الرغم من أن مجاهداً، رحمه الله تعالى، كان من أخصاء عبدالله بن عباس رضي الله عنهما إلا أنه لم يكتف بالرواية عنه . بل روى كذلك عن عدد كبير من الصحابة وبعض التابعين، فقد روى عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري رضي الله عن الجميع، وعائشة وأم سلمة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهما . كما روى عن أبي هريرة، وأم هانئ بنت أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وسراقة بن مالك، وعطية القرظي وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبدالله بن السائب المخزومي، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الرحمن بن صفوان بن قدامة، وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، وغيرهم الكثير رضي الله عنهم أجمعين .
وجاء في تهذيب الكمال في أسماء الرجال للإمام أبي الحجاج بن يوسف المزي: لقد تتلمذ على يد مجاهد، وروى عنه خلق كثير من التابعين منهم: أبان بن صالح وإبراهيم بن مهاجر، وأيوب السختياني، وعكرمة، وأبو إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت .
مكانة كبيرة
كان مجاهد موضع إكبار العلماء له وثنائهم عليه، ولا غرو فقد كان أهلاً لهذا الفضل، إذ كان هذا العالم الكبير أعلم أهل زمانه بالتفسير .
قال الفضل بن ميمون: سمعت مجاهداً يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وعن مجاهد نفسه قال: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟، وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد، وقال الثوري عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا عطاء وطاووساً ومجاهداً، وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث، وقال ابن حبان: كان فقيهاً ورعاً وعابداً متقناً، وقال أبو جعفر الطبري: كان قارئاً عالماً، وقال العجلي: مكي تابعي ثقة .
وقال الحافظ بن كثير: مجاهد أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخصاء ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير . وقال مجاهد نفسه: أخذ ابن عمر بركابي، وقال: وددت لو أن ابني سالماً وغلامي نافعاً يحفظان حفظك .
روى مجاهد عن أعلام الصحابة وعلمائهم، إضافة إلى طول صحبته وملازمته لحبر الأمة عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما، فكان لهذا التلقي المباشر منهم، إضافة إلى مضاء عزمه وهمته، وإقباله على العلم وإخلاصه في ذلك أثر عظيم في ما خلف من آثار في التفسير .
من تفسيراته
روى الطبراني عنه أنه قال: إن في قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن يعني: يسلم عليه إذا لقيه، وقيل: هي المصافحة .
وقال يحيى بن سعيد القطان: قال مجاهد في قوله تعالى: (أنكالاً وجحيماً)، قال: قيوداً، وقال في قوله تعالى: لا حجة بيننا وبينكم قال: لا خصومة، وقال في قوله تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: عن كل لذة في الدنيا .
وعن خالد بن يزيد عن مجاهد قال: إن القرآن يقول إني معك ما اتبعتني فإذا لم تعمل بى اتبعتك .
وروى أبو الديبع عن جرير بن عبد الحسيب عن منصور عن مجاهد قال: رن إبليس أربع رنات: حين لعن، وحين أهبط، وحين بعث النبى صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت: (الحمد لله رب العالمين) وكان يقال: الرنة والنخرة من الشيطان، فلعن من رن أو نخر .
وجاء في صفة الصفوة لابن الجوزي أن مجاهد قال: إن لبني آدم جلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل أخاه المسلم بالخير قالت الملائكة: ولك بمثله، وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك وأحمد الله الذي ستر عورتك .
وعن الأعمش قال: كنا عند مجاهد فقال: القلب هكذا، وبسط كفه، فإذا أذنب الرجل ذنباً قال: هكذا، وعقد واحداً . ثم أذنب وعقد اثنين ثم ثلاثة ثم أربعاً ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس ثم يطبع على قلبه . قال مجاهد: فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه؟ .
وبعد رحلة طويلة مباركة امتدت لثلاث وثمانين سنة حافلة بالعطاء والعلم تلقياً وتعليماً ونشراً لقي مجاهد ربه تبارك وتعالى . وقد توفي على أرجح الأقوال بمكة وهو ساجد سنة 104 هـ .
