الاحسان إلى الزوجة علامة إيمان صادق

"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"
01:26 صباحا
قراءة 5 دقائق

أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان التعامل مع زوجاتنا، فضلاً عن التعامل مع أولادنا وأهل بيتنا بأخلاقيات الإسلام الراقية، لأن في ذلك الاستقرار والسعادة والطمأنينة وراحة البال .

كما ربانا صلوات الله وسلامه عليه على التواضع والتعاون وأن نقوم بما نستطيع من الأعمال المنزلية، وعلمنا أن مساعدة الرجل لزوجته لا تقلل من شأنه ولا تضعف من هيبته .

تروي لنا كتب السنة والسيرة النبوية كيف كانت إنسانية رسولنا صلى الله عليه وسلم في كل سلوكياته وتصرفاته مع أهل بيته، فكان ألين الناس بساماً ضاحكاً، وكان يتبسط مع زوجاته ويدخل السرور على قلوبهن، فمثلاً كان يسرب إلى السيدة عائشة رضي الله عنها بنات الأنصار ليلعبن معها، وكان يريها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على كتفه، وكان يسابقها فيسبقها وتسبقه .

وجسّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع صور الوفاء للزوجة، فلم ينسَ قط أياماً سعيدة قضاها مع السيدة خديجة قبل بعثته وبعدها، فكان يذكرها بعد وفاتها دائماً بالخير ويكرم أهلها وصديقاتها، ولم تستطع عائشة رضي الله عنها على ما لها من منزلة في قلبه أن تنسيه ذكراها، فهي التي آمنت به حين كفر الناس وصدقته حين كذبه الناس وواسته حين حرمه الناس وكان له منها الولد .

وعاشروهن بالمعروف

يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق: لقد وصى الإسلام الرجل بزوجته وبيّن أنها ستار ووقاية له وهو ستار ووقاية لها، وكان التعبير القرآني أبلغ ما يكون حيث قال الله تعالى عن هذه العلاقة: هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ .

وبيّن الله تعالى الغاية المنشودة من حياة الزوجين، وهي أنها السكن والمودة والرحمة بين الزوجين وليس العنف ولا الشقاق فقال الله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .

وأمر الله سبحانه بالمعاشرة بالمعروف حيث قال جل شأنه: وعاشروهن بالمعروف .

وكان من آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور حيث قال: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال القدوة في حسن معاملة النساء، فكان يداعب زوجاته ويلاعبهن تطييباً لقلوبهن، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة رضي الله عنها في العدو أي الجري فسبقته يوماً وسبقها في أحد الأيام فقال عليه الصلاة والسلام: هذه بتلك .

ويوضح أن حسن معاملة النساء دلالة خيرية الإنسان وإيمانه . . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم . . ومما قرره الإسلام من حقوق للمرأة حق الإعفاف، واستشارتها وأخذ رأيها، والوفاء لها .

فن التعامل عع الزوجة

وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول الدكتورة سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر فن سياسة التعامل مع الزوجة خاصة عندما يعدد الرجل زوجاته، فقد كان صلى الله عليه وسلم حكيماً في سياسته لزوجاته، يعدل بينهن ولا يحمله حب إحداهن على غمط حق الأخرى، ولا يترك مظلومة حتى ينتصف لها، ذلك أن العدل يجب أن يسود في الأسرة حتى تستقيم الأمور ويهدأ البيت وتنشأ الذرية على مثال كريم .

وكان صلى الله عليه وسلم يتحمل ما يحدث من مضايقات تفرضها طبيعة المرأة، فكان يعالج الأمور بالحسنى ويحل المشكلات بالكياسة والسياسة، لا يغضب إلا لله ولا ينتقم إلا أن تنتهك حرمات الله . وقد كانت زوجاته يراجعنه في الكلام، ويكثرن من المطالب عندما يرين الخير وافداً عليه من كل جانب، ومع ذلك لم يرفع يداً ليضرب بها، ولم يطلق لسانه بعيب يجرح شعور واحدة منهن، وما زاد عند إلحاحهن في طلب التمتع بما تتمتع به نساء كسرى وقيصر، على أن خيّرهن بين المقام معه على حالته الرقيقة، وبين إمتاعهن وتطليقهن .

وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة التعاون ومساعدة الزوجات في أعمال البيت، وفضل قضاء الرجل لما يستطيع من أموره وحاجاته الشخصية، فكان صلى الله عليه وسلم قدوة ومثلاً لجميع المسلمين في ذلك، حيث كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويرفع دلوه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وهو بهذا يضرب المثل في التيسير وعدم التعقيد، وفي التعاون الذي يجب أن يسود جو الأسرة، فهي شركة ينبغي ألا يجد أحد أعضائها حرجاً أو غضاضة في عمل ما يساعدها على الوصول إلى غايتها من الاستقرار والسعادة .

الرأفة بالصغار

أما مع الأولاد فكان صلى الله عليه وسلم رحيم القلب، لين الجانب . وتروي لنا كتب السنّة والسيرة الكثير من الوقائع والمواقف والأحداث التي تؤكد ذلك، وكان الحسن يركب ظهره وهو ساجد فيطيل السجود حتى لا يزعجه، فعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا السلوك كيف تكون الألفة والمحبة والرحمة التي تجمع بين قلوب الآباء والأبناء، وواجب الأب في إشعار أبنائه بالحنان والعطف ورقة الوجدان، فالنقاء والصفاء كما علمنا رسولنا لا يوجد في بيت تسيطر عليه روح التزمت والتطرف .

لكن مع كل هذه الرحمة والرأفة والحنان في التعامل مع الزوجات والأولاد، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون الرجل مسؤولاً أمام الله وأمام الناس عن أهل بيته، وكان دائماً يحمّل الآباء مسؤولية تأديب وتهذيب سلوك أبنائهم ويحثهم على ذلك بكل الوسائل، فهو صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث الصحيح: ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن وكان دائماً يرشد أصحابه وأتباعه إلى أن يضعوا أمام أعينهم قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وكان دائماً يردد: الرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته .

يقول د .أحمد الطيب شيخ الأزهر: فضيلة الرحمة في التعامل مع الصغار التي علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لا تتعارض إطلاقاً مع التأديب الواجب، ولا مع العقاب العادل الرادع، فليس من القسوة أن ينشأ الأطفال منذ الصغر على التزام مكارم الأخلاق، وعلى أداء الواجبات ولو أدى ذلك إلى أخذهم بالشدة في بعض المواطن، لأنهم لو تركوا وأهواءهم لشبوا على اللهو واللعب، ولعاشوا لا يحسنون صنعاً، فمن الرحمة بهم أن يعودوا على أداء الواجب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"