أمراض الدم.. العدو اللدود للمناعة

20:51 مساء
قراءة 8 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
تعد أمراض الدم من أهم المشكلات الصحية التي يواجهها الإنسان والتي تختلف بحسب أعراضها وتصنيفها وتأثيرها على المريض؛ حيث إن الدم يعتبر من مكوّنات الجسم الأكثر أهميّة لأنه يحافظ على درجة حرارة الجسم، ويتولى مسؤولية نقل الغذاء والأكسجين إلى الخلايا والرجوع بالفيتامينات والفضلات وثاني أكسيد الكربون وطرحها، وشدد من مناعة الجسم، من خلال إنتاج الأجسام المضادة، وفي السطور القادمة يتحدث اختصاصي الأوعية الدموية عن بعض أمراض الدم، آفة أمراض العصر والذي انتشر في العقود الأخيرة وهو اللوكيميا وكيفية التعامل مع هذا المرض الخبيث والتقنيات الحديثة في علاجه.
يقول الدكتور أحمد السكري، اختصاصي القلب والأوعية التداخلية، إن الدم هو مادة حيوية في الجسم، وبه ديمومة استمرار الحياة، وهو سائل لزج أحمر اللون يجري في الأوعية الدموية، ويتم تصنيعه في النخاع العظمي في الجسم، ويُضخ بواسطة عضلة القلب، ويتكون الدم من سائل بروتيني أصفر اللون يسمى البلازما، وتشكل تقريباً نصف حجم الدم، وتحوي البلازما كل عوامل التجلط والبروتينات المختلفة والدهون والأنزيمات، إضافة إلى الأجسام المضادة والهرمونات، وتسبح في البلازما خلايا الدم المختلفة وهي:الكريات الحمراء، والكريات البيضاء، والصفائح الدموية، وتحدث أمراض الدم المنتشرة بسبب وجود اضطراب في أحد هذه المكونات.
أمراض الدم الوراثية
ويذكر د. السكري بعض أمراض الدم الوراثية، وهي عبارة عن مجموعة من الأمراض يورثها الآباء للأبناء، والسبب في وجود هذه الأمراض هو حدوث اضطراب في خلايا الدم الحمراء، ومن أهمّ هذه الأمراض التالي:-
{ الأنيميا أو مرض فقر الدم، وهو يُعد من الأمراض الشائعة في الدول النامية لغياب ثقافة التغذية السليمة، ويُصاب بها عدد كبير من الأطفال، ويتطور هذا المرض نتيجة عدم إنتاج الكمية الكافية من كرات الدم الحمراء، التي تحمل الهيموجلوبين اللازم لنقل المواد الغذائية والأكسجين بين خلايا الجسم، وعندما تنقص هذه الخلايا يقل معها إمداد خلايا الجسم بالأكسجين، ما ينتج عنها شعور الإنسان بالتعب من أقل مجهود يبذله أو حالات إغماء وعدم القدرة على التركيز، كما يمكن أن يحدث فقد في خلايا الدم الحمراء عند حدوث نزيف ما، وعادة ما يحدث فقر الدم نتيجة فقد الجسم للبروتينات والفيتامينات اللازمة لإتمام عملية إنتاج كرات الدم الحمراء.
ويضيف: يعتمد علاج الأنيميا على السبب الأساسي في إصابة المريض بها، فإذا كانت ناجمة عن نقص الحديد فمن الضروري أن يتناول الكثير من الأطعمة المغذية والمشهورة باحتوائها على الكثير من الحديد مثل العسل الأسود والخضر والفاكهة والأسماك ويمكن للطبيب أن يضيف بعض الحبوب والمكملات الغذائية المساعدة، وعدم الاعتماد على الوجبات السريعة، مع التقليل من المشروبات التي تحتوي على الكافيين فهناك بعض المشروبات الصحية التي تعطيك النشاط اللازم.
{ مرض الثلاسيميا، وهو يحدث عن خلل وراثيّ يصيب خلايا الدم؛ حيث تنخفض مادة الهيموجلوبين المسؤولة عن حمل الأكسجين في الدم، وتنخفض كذلك كريات الدم الحمراء عن المستوى الطبيعي، وتظهر الأعراض العامة، مثل: الشعور بالتعب والإجهاد، ويحدث هذا المرض بسبب وجود خلل جيني للخلايا المكونة للهيموجلوبين؛ حيث ينتقل هذا الخلل من الآباء إلى الأبناء.
{ مرض الهيموفيليا، أو ما يسمي بمرض سيولة الدم، وينتج عنه نقص أحد مكوّنات تجلط الدم، فالشخص المصاب بهذا المرض إذا تعرّض لإصابة ما ونتج عن ذلك نزيف، فإنّ الدم لا يتوقف، بل يستمرّ بالنزيف، ويُعرف تجلّط الدم بأنّه مجموعة من العناصر التي تقوم بتجلط الدم ومنعه من النزف بشكل مستمر والذي ربما يؤدّي لوفاة المصاب به.
{ اللوكيميا أو مرض سرطان الدم، وهو مرض خبيث، يصيب أصغر وحدات بناء الدم «الخلايا» المتركزة في نخاع العظم، وينتج المرض من نمو غير مكتمل لعدد كبير من الخلايا غير الناضجة داخل النخاع، ومن هنا ينبع ضعف النخاع العظمي القيام بوظيفته وهي إنتاج الخلايا، والفئة المصابة بهذا المرض غير محددة فهو عرضة لجميع المراحل العمرية، ويصنف سرطان الدم ضمن الأمراض التي ليس لها أي سبب معروف، لكن هناك العديد من الدلالات والتأشيرات التي ربما تزيد من فرصة الإصابة بهذا المرض، ومنها الوراثة، والمواد الكيماوية التي يتعرض لها المريض وبعض أنواع الفيروسات والتدخين وبعض أمراض الدم التي تنتهي بالسرطان مثل فقر الدم غير النسيجي.
ويستكمل: يعتمد العلاج في مثل هذا النوع من الأمراض حسب تصنيفه، فهناك نوع يعالج بالليزر ونوع يصيب بعض أجزاء الجسم ولا ينتشر بشكل كامل في جميع الخلايا الدموية، فلا يمكنه أن يصل لسائر الأنسجة والأعضاء في الجسم، وهنا يتم التعامل بالجراحة، وإزالة الجزء المصاب نهائياٌ من الجسم وإن كان الخلل في المركز الرئيسي لإنتاج الخلايا أي النخاع فيصعب على الأطباء التعامل مع هذا النوع، وهناك تجارب النسبة العظمى منها باءت بالفشل، وهي محاولة استبدال نخاع العظم بشكل كامل، إلا أن هناك عدداً قليلاً جداً من الحالات انتهت بالنجاح، وربما تعافى أصحابها مصحوبين بقليل من الأعراض التي تضعف البنية البدنية، لكن دون إنتاج خلايا مكتملة النمو.
سرطان الدم التشخيص والعلاج
وعن مرض اللوكيميا تفصيلاً يقول الدكتور سوندر كومار، اختصاصي وجراح القلب والأوعية الدموية، هو عبارة عن نوع مِن أنواع السرطانات يُصيب خلايا الدم التي توجد في النخاع العظمي، وفي الأغلب يبدأ تَكّون هذا النوع مِن السرطانات في خلايا الدم البيضاء، ويوجد العديد مِن الأعراض التي تظهر على المريض المُصاب بمرض اللوكيميا، ويجب الانتباه إليها كي يتم تشخيص المرض في بدايته وقبل انتشاره، مثل:-
• العدوى بشكلٍ متكرر.
• عدم قدرة المُصاب على مقاومة الأمراض بشكلٍ طبيعي.
• التعب والإرهاق والإحساس بعدم القدرة على الحركة بنشاط وبطريقة طبيعية.
• الإصابة بالحمى والسخونة باستمرار.
• قلة الوزن وعدم الشعور بالرغبة في تناول الطعام.
• الشعور بضيق في التنفس عند ممارسة أي نشاط بدني أو عند صعود الدرج.
• نزيف الدم عند الإصابة بجرح ما حتى لو كان بسيطاً وسهولة الإصابة بالكدمات.
• الشعور بآلام في عظام ومفاصل الجسم بشكل عام.
• التعرق بشكلٍ كبير خلال اليوم وخاصة في الليل.
ويضيف: لا يهتم الكثير بهذه العلامات والأعراض عند ظهورها على أي شخص، لأنها تشبه أعراض أمراض أخرى مثل الإنفلونزا أو سوء التغذية، لكن يجب عدم التهاون في أي أعراض يشعر بها الشخص، ويُفضل اللجوء إلى فحص شامل للجسم كل ستة أشهر، كي يتجنب الإنسان الإصابة بأي مرض ويحاول السيطرة على المرض منذ بدايته، لأنه وكما هو معروف عند انتشار المرض بالجسم يصبح مِن الصعب علاجه والتخلص منه.
التشخيص
ويشير د. كومار إلى أن تشخيص سرطان الدم وتحديد نوع اللوكيميا، بالفحص المختبري وتحليل خلايا الدم، وبعد ذلك يُمكن اللجوء للعلاج وذلك باستخدام عقاقير تساعد على اختفاء المرض، والمحافظة على النخاع العظمي مِن الفشل، ويجب أن يتم العلاج المكثف في البداية، كي يختفي المرض ويتم وقاية الجهاز العصبي المركزي، وبعد شفاء المريض يجب المحافظة على النتائج التي تم الوصول إليها والحد من عودة المرض مرة أخري للمريض، ومن الضروري أن يخضع المصاب لإجراء عدد من الفحوصات المختلفة للتأكد من تشخيص حالة المريض وتحديد نوع سرطان الدم ومدى انتشاره، فأنواع هذا المرض تصنّف كمستويات حسب شدة الخطورة وانتشار المرض، ليساعد الطبيب على تحديد برنامج العلاج المناسب لمرض سرطان الدم الموجود في الجسم، ومنها:-
{ تحاليل الدم، فحوص جسمانية.
{ فحوصات لتكون الخلايا.
{ فحوص نخاع العظام.
{ فحص لنمط ظاهريّ مناعيّ.
مسببات الإصابة باللوكيميا
ويفيد د. كومار أن عوامل الإصابة بسرطان الدم تتمثل في:-
• التعرض للإشعاعات المختلفة التي لا يحتملها الجسم.
• حدوث خلل وراثي في جينات الإنسان مثل الإصابة بمتلازمة داون.
• التعرض للمواد الكيميائية ولأكثر من مرة، وخاصة إذا كانت بيئة عمل المريض يستعدي التعامل مع هذه المواد، ولم تتبع طرق الوقاية والسلامة.
• الإصابة ببعض أنواع الفيروسات التي تسبب السرطان مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي، أو عند الإصابة بمرض الإيدز.
الفئات الأكثر عرضة للإصابة
ويوضح د. كومار أن نسب الإصابة باللوكيميا تزداد عند من يقوم بالسلوكيات التالية:
• التعرض لفترة طويلة لأشعة الشمس المباشرة دون وقاية يعتبر أحد عوامل الخطورة للإصابة بسرطان الجلد
• التدخين بأنواعه.
• تناول الأطعمة غير الصحية.
• البدانة وزيادة الوزن.
• الاستعداد الوراثي/الجيني (على سبيل المثال إذا كانت سيدة، وأصيبت إحدى أفراد عائلتها كــ (والدتها، أختها، عمتها، خالتها، جدتها) بسرطان الثدي، فهذا يزيد من احتمالية إصابتها به أيضاً.
• التعرض غير الآمن للمواد الملوثة أو للنشاط الإشعاعي.
ويضيف: يجب الانتباه لبعض المضاعفات التي ربما يسببها الإصابة بسرطان الدم وهي: الغثيان والقيء، الدوخة، فقر الدم، قلة الصفائح الدموية، ما يؤدي للنزيف، ضرر الرئتين، التهاب المستقيم، التهاب الأمعاء الدقيقة، تضيق الأمعاء، ندبات والتهاب الجلد.
علاج سرطان الدم
ويؤكد د. كومار أن تطور الطب واستخدام تقنيات جديدة في العلاج تلعب دوراً كبيراً، في علاج الأمراض والقضاء عليها، كما أصبح بالإمكان التنبؤ بمدى إمكانية إصابة الإنسان في المستقبل بمرض السرطان، وبجانب العلاج الكيميائي والإشعاعي والبيولوجي وزرع النخاع، تم حديثاً اكتشاف تقنيات حديثة من قبل العلماء والباحثين ومنها:-
{ «المناعة الذاتية»، وهي تعرض الخلايا المناعية الخاصة للمريض، ومعالجتها هندسيا لمهاجمة الخلايا المصابة بالأورام السرطانية، وتوصل الباحثين إلى أن الخلايا الجينية المعدلة وراثياً أو هندسياً تتعامل مع المريض لتصل إلى البروتين الذي يظهر الخلايا الخبيثة، ثم تقوم بتدميرها، حيث أن هذه الكرات اللمفاوية المعالجة وراثياً والمعروفة باسم «الكرات الليمفاوية القاتلة»، والتي تستطيع أن تظل خاملة في جسم المريض وتهاجم الخلايا الخبيثة في الوقت المناسب.
{ «إبروتينيب» وهي ثورة جديدة في علاج سرطان الدم، وتعد أحدث ثورة لعلاج سرطان الدم خلال 2015، وهو عقار «إبروتينيب ibrutinib» الذي يوجد في صورة أقراص يتناولها مرضى السرطان لتُغنيه عن الحاجة للعلاج الكيماوي، وهو من تطوير صندوق أدوية السرطان البريطاني، وينتمى إلى فئة الأدوية الموجهة، التي تستهدف بعض البروتينات داخل الخلايا السرطانية وتقوم بتثبيطها، ويستهدف خلايا الأورام فقط دون التأثير على الخلايا السليمة الأخرى، وهو ما يجعل هذا الدواء الآمن يتفوق على العلاج الكيماوى الذي يقتل الخلايا المصابة والسليمة معًا، وتم التأكد من فاعلية هذا العلاج عقب إجراء مجموعة من التجارب الإكلينيكية داخل 28 مستشفى بريطانياً، وأثبتت النتائج فاعليته في علاج اثنين من أورام الدم الشهيرة، وهما اللوكيميا الليمفاوية المزمنة وسرطان خلايا مانتل، أما أنواع العلاج فهي، زرع خلايا جذعية، علاج بيولوجي، علاج إشعاعي، العلاج الكيميائي،علاج التلوث.
طرق وقائية لتجنب اللوكيميا
ويذكر د. كومار أنه أصبح مِن الممكن تجنب مرض سرطان الدم بطرق متعددة، وذلك يلزم المراجعة المستمرة عند الطبيب وإجراء فحوص دورية، وعلي المريض أن يهتم بنفسيته وعدم التشاؤم والشعور بالخوف وعدم الأمل في الحياة، ليستطيع التغلب على المرض، فكلما زاد ارتفاع معنويات الإنسان، كان ذلك دافع قوي للشفاء والاستجابة للعلاج أسرع، فالتفاؤل والشعور بالأمل هما أساس الشفاء، كما أن اللجوء للعلاج في وقت مبكر يحد من انتشار المرض في الجسم ويجعل إمكانية السيطرة على المرض أسهل، وهناك بعض الطرق اللازمة للوقاية وهي:-
1- التقليل من تناول الدهون ( أقل من 30% من الوحدات الحرارية يومياً ).
2- تناول الأطعمة الغنية بالألياف.
3- الإكثار من تناول الفاكهة، كالحمضيات، الخضار، كالملفوف والقنبيط والحبوب.
4- التقليل قدر المستطاع من تناول الأطعمة المدخنة والمحضرة على الفحم.
5- الإقلاع عن التدخين وعن تناول المشروبات.
6- الاستعمال الروتيني لفيتامين حمض الفوليك Follic Acid خلال فترة الحمل.

التبرع بالدم وقاية من اللوكيميا

التبرع بالدم هو إجراء طبي تطوعي، يتم بنقل الدم أو أحد مركباته من شخص سليم معافى إلى شخص مريض، وأوضحت الدراسات أن واحداً من كل عشرة مرضي يدخل المستشفى في حاجة إلى نقل الدم وخاصة الذين يعانون الأمراض الخبيثة أو المستعصية، أو من يتعرضون لحوادث خطيرة، وله الكثير من الفوائد منها: زيادة نشاط نخاع العظم لإنتاج خلايا دم جديدة (كريات حمراء وكريات بيضاء وصفائح دموية)، زيادة نشاط الدورة الدموية، التبرع بالدم يساعد على تقليل نسبة الحديد في الدم لأنه يعتبر أحد أسباب الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، أثبتت الدراسات أن الذين يتبرعون بدمهم مرة واحدة على الأقل كل سنة هم أقل عرضة للإصابة بأمراض الدورة الدموية وسرطان الدم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"