اليقين بالله أعاد إلى يعقوب ولديه

دعاء الأنبياء
01:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (سورة غافر: الآية 60)، فالدعاء يصل الخلق بالخالق، ويعبر عن إيمان عميق بأن هناك إلهاً قديراً على كل شيء، بيده الأمر كله، يقدم المساعدة لمن يطلبها وفى أي وقت . . بابه مفتوح لا يغلق في وجه أحد مهما عظم أو صغر . . نلجأ إليه في كل وقت وخصوصاً في الشدة . . ولكن كيف يكون الدعاء؟ فالدعاء له آداب وشروط حتى يتحقق . . ولن نجد خيراً من الأدعية التي دعا بها الأنبياء، عليهم السلام ربهم، والتي وردت في القرآن الكريم، وفي صحيح سنّة المصطفى، صلى الله عليه وسلم . ولقد مر الأنبياء بمواقف صعبة لم ينقذهم منها إلا صدق دعائهم، حيث كانت لهم في هذه المواقف أنبل الكلمات وأجمل الألفاظ التي تجسد حسن التوسل ومناجاة الله وحده، ومن خلال هذه الحلقات نتعرف إلى المواقف التي تعرض لها الأنبياء الكرام وإلى الأدعية التي دعوا بها ونتعلم كيف يكون الدعاء .
"قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون" (سورة يوسف: الآية 86) . من أعظم الأشياء التي تجعل الإنسان يواجه الحياة بما فيها من مصاعب ومشاق، اليقين بالله، فهو الخالق البارئ، الملك، وسع علمه كل شيء، المثبت على الحق، ومهما اشتد ظلام الباطل، وتقطعت السبل فباليقين بالله، يوصل ما انقطع ويتبدل الحزن فرحاً، والضيق سعة، والعسر يسراً . يقول الشيخ محمد مختار السنقيطي في إحدى محاضراته: "إن اليقين هو خلق أنبياء الله وعباده الصالحين، رفع الله به درجاتهم، وكفر به زلاتهم، وأوجب لهم الحب منه والرضوان، والصفح من لدنه والغفران، وهذا اليقين وقف به الأنبياء والمرسلون في أشد الشدائد، وأعظم المكائد، فكان الله عز وجل بهم رحيماً، وبحالهم عليماً، ففرج عنهم الخطوب، وأزال عنهم الهموم والكروب" .
لقد فقد نبي الله يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام وحزن عليه حزناً عظيماً كما قال تعالى: "وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم" (سورة يوسف: الآية 84) .

حسد الإخوة

يقول فؤاد بن عبدالعزيز الشلهوب في كتابه "قصص الأنبياء": "لما رأى إخوه يوسف محبة أبيهم له وعنايته به، حسده إخوته وأضمروا له في أنفسهم شراً وكادوا أن يتفقوا على قتله، لولا أن أخاهم الأكبر رأى عدم قتله والاقتصار على رميه في البئر حتى تلتقطه إحدى القوافل التي ترد البئر وهذا ما أثناهم عن قتله، والله غالب على أمره . ثم احتالوا على أبيهم حتى يخرج يوسف معهم للعب، "قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون، أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون، قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون" (سورة يوسف: الآيات 11-14) ثم نفذوا ما أضمروه في صدورهم، فألقوا يوسف في البئر، وأخذوا قميصه ولطخوه بالدم، وعادوا إلى أبيهم متصنعين الحزن: "وجاؤوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عن متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين، وجاؤوا على قميصه بدم كذب" (سورة يوسف: الآيتات 16-18) ولكن لم تنطل حجتهم على أبيهم يعقوب وعلم أنهم قد كتموه أمراً "قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" (سورة يوسف: الآية 18) .
ثم جاءت إحدى القوافل وذهب منها واحد يستقي الماء، فأرسل الدلو، وتعلق يوسف به، ولما رأوه فرحوا به، وأخذوه رقيقاً، ولما علم إخوة يوسف بأمر القافلة لحقوهم، وقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فباعوه لهم بثمن قليل جداً .

من الرق إلى الحكم

وفي مصر بيع ذلك النبي الكريم إلى عزيز مصر، وهو وزير خزائن الدولة، "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" . وتمر الأيام بكل ما فيها من ابتلاءات ليوسف عليه السلام ثم يكرمه ربه فيصبح حاكماً نافذ الكلمة في مصر .
ولما جاءت سنين الجدب، كان الناس يأتون إلى مصر لأخذ ما قدر لهم من الطعام، وكان نصيب كل إنسان من الطعام حمل بعير . فدخل إخوة يوسف عليه، فعرفهم ولم يعرفوه، ولم يكن ببالهم أن يصل يوسف عليه السلام إلى هذا المنصب . وعلم يوسف منهم أن لهم أخاً من أبيهم لم يأت معهم، فطلب منهم إذا جاؤوا في العام المقبل أن يأتوا بأخيهم، وحذرهم من أنهم إذا لم يأتوا بأخيهم العام المقبل، فلن يعطيهم شيئاً . فكان هذا تهديداً لهم، مما حملهم على الإلحاح على أبيهم لكي يرسل معهم أخاهم حتى يعطيهم العزيز الطعام . ولكن الأب خاف أن يفعلوا بابنه بنيامين مثل ما فعلوا بيوسف، فأخذ عليهم العهود والمواثيق بأن يأتوا بابنه بنيامين إلا أن يحيط بهم أمر لا يستطيعون رده عن أنفسهم ولا عن بنيامين . فأعطوه العهود المواثيق على ذلك، ثم أمرهم أبوهم بأن يدخلو مصر من أبواب متفرفة، وذلك لأن أولاد يعقوب عليه السلام كانوا كثيرين وكانوا حسني الهيئة، فخاف عليهم العين، فأمرهم بالتفرق . ودخلوا مصر من حيث أمرهم أبوهم، وقابلوا يوسف الذي تمكن من الخلوة بأخيه بنيامين . وأخبره بأنه أخوه وقص عليه الخبر، ثم دبر معه مكيدة تبقيه عنده، حيث جعل صواع الملك، وهي التي كان الملك يشرب بها، ويكيل بها الطعام في متاع بنيامين ولما خرج أخوة يوسف، لحقهم جند الملك وقالوا لهم: لقد سرقتم سواع الملك، فأنكر إخوة يوسف ذلك أشد الإنكار، وطلب منهم جند الملك أن يفتشوا متاعهم فمن وجدوا عنده الصواع فإنه يؤخذ، وتلك العقوبة كانت في شريعة يعقوب، ولم يكن في شرع الملك أن شرق يؤخذ . ففتشت أوعية الأكبر فالأكبر حتى وصلوا إلى رحل بنيامين ووجدوا عنده الصواع، فأخذوه معهم إلى عزيز مصر، وحاول إخوة يوسف أن يبقوا غيره عند العزيز، ويخلى سبيل بنيامين حتى لا يخلفوا مواثيقهم وعهودهم لأبيهم يعقوب، لكن عزيز مصر رفض ذلك .

اجتماع الشمل

لما علم يعقوب بالخبر من أولاده أكثر البكاء، وابيضت عيناه من كثرة الحزن والبكاء على يوسف وأخيه ولم ييأس يعقوب من رحمة الله، "قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم، وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف: 83-87) .
استجاب الله تعالى ليعقوب عليه السلام فرد عليه يوسف وأخاه بعدما استرد بصره حين وضع عليه قميص يوسف عليه السلام، واستغفر يوسف عليه السلام لإخوته الذين ذهبوا جميعاً إلى مصر برفقة أبيهم، وكانت هذه عاقبة الصبر واليقين بالله .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"