الحوار مع غير المسلمين مطلب قرآني

01:53 صباحا
قراءة 5 دقائق

بعيداً عن تخوفات البعض، وتحفظات البعض الآخر؛ فإن الحوار الفكري بين علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي في أمس الحاجة إلى تجديد وتطوير، وضخ دماء جديدة، لكي يحقق هذا الحوار أهدافه وهي كثيرة ومتنوعة أبرزها تعريف غير المسلمين بالحقائق الإسلامية الغائبة عنهم.
يؤكد المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مركز الحوار بالأزهر، أن الحوار الديني أو «حوار الأديان» لا ينبغي أن يكون محلاً لجدال وسجال بين علماء المسلمين، وتضييع الوقت في إبراز محاسنه، أو إقناع المتخوفين بجدواه، فالحوار مع الآخر المخالف في العقيدة أو الفكر «مطلب قرآني» ومن العبث أن يخرج علينا البعض الآن ليحمل الإسلام موقفاً رافضاً لهذا الحوار حتى ولو كانت تجارب الماضي تكشف عن فشل ما سبق من جهود في تحقيق النتائج المرجوة.
ما دمنا قد سلمنا بأهمية وفرضية هذا الحوار باعتباره مطلباً قرآنياً «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء».. فما هي إذن الخطوة التي ينبغي أن ننطلق منها لإدارة حوار ديني عصري يحقق الأهداف المرجوة، ومن بينها تعاون أهل الأديان- خاصة السماوية- فيما يحقق التعاون بينهم والاتفاق على ما يحقق مصلحة الإنسان، ويقضي على كل أسباب الصراع والتعصب، وتوفير فرص التعايش السلمي بين أهل الأرض.

دين العقل

نقطة البدء بعد الاتفاق على فرضية الحوار يراها د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في تحديد المقصود من «حوار الأديان»؛ حيث يتحفظ على هذا الاصطلاح، أو بمعنى أصح يرفضه، انطلاقاً من رؤية واضحة لشكل وموضوع الحوار، ويقول: الأديان ليست محلاً للحوار والنقاش، فثوابت الأديان السماوية وأسسها العقدية لا ينبغي أن تكون أبداً محلاً للنقاش والجدال، فكل دين سماوي له ثوابته التي ينبغي أن يحترمها الجميع، ومن هنا يكون المقصود بحوار الأديان: «الحوار بين أتباع الأديان السماوية للبحث عن القواسم المشتركة والاتفاق على مجالات التعاون لمنع النزاع وتحقيق حالة من التعايش السلمي بين أهل الأديان جميعاً».
وهذا المقصود الحقيقي من الحوار بين أتباع الأديان السماوية يساعدنا على تحديده القرآن الكريم، ذلك أن أية قراءة في القرآن الكريم- كما يقول د. الطيب- تغنينا عن الجواب الصحيح في هذه المسألة، لأن هذا الدين القيم هو في المقام الأول دين العقل، وبالتالي لابد أن يكون دين حوار؛ إذ لا سبيل إلى مخاطبة العقل إلا بما هو قابل للحوار والنظر والدليل.. ولذلك نجد أن مادة «عقل» و«علم» و«فكر» و«نظر» و«فقه» بمشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من 120 مرة، وأن القرآن لفت الأنظار في تكرار عجيب بألفاظ شتى: مثل: (يعقلون، يتدبرون، يفكرون، ينظرون، يتذكرون، يسمعون، يفقهون، يعلمون).
ولم يكن الاهتمام بالحوار مع الآخر الديني أمراً يخص القرآن الكريم وحده؛ بل كان هذا الحوار منهجاً لنبينا صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين؛ حيث تتجسد صورة عملية لحوار الرسول مع أتباع الأديان السماوية من خلال المعاهدات السياسية التي عقدها صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بين المسلمين واليهود، وقد صيغت في شكل وثيقة سياسية، تعكس صورة فريدة من صور تسامح الإسلام واعترافه بالأديان الأخرى. وهذه الوثيقة تنص على موادعة اليهود، لدرجة أنها اعتبرتهم أمة مع المسلمين جنباً إلى جنب.
ومما يوفر للحوار مع أتباع الأديان السماوية وخاصة الدين المسيحي فرص النجاح وتحقيق الأهداف- كما يوضح شيخ الأزهر- الموقف الحضاري للإسلام من هذه الأديان؛ حيث اعترف بها، وجاء القرآن الكريم بكلام طيب عن النصارى، وتضمن سيرة عطرة وأوصافاً نبوية رائعة تليق بمكانة سيدنا عيسى عليه السلام.

مشكاة واحدة

كل ما سبق وغيره يوفر فرص التلاقي والتفاهم والتعاون بين أتباع الأديان السماوية، فالديانات السماوية الثلاث خرجت من مشكاة واحدة، ولذلك فهي تتفق في الأصول والجوهر، وإن تباينت في التفصيلات والجزئيات.. فهي كلها تقوم على التوحيد، وتحض على الأخلاق الفاضلة وتنهى عن ارتكاب الكبائر، وتتماثل الديانات الثلاث في أسس العبادة، فهي كلها تأمر بالصوم والصلاة والزكاة وإن اختلفت في مواعيد أدائها ومقدارها وكيفية هذا الأداء. كما أنها تقترب من بعضها في شؤون العقيدة كالإيمان بالله الواحد وملائكته وكتبه ورسله ويوم البعث.... إلخ.
والإسلام يتلاقى مع المسيحية من حيث كونه ديانة عالمية تخاطب البشر كافة دونما تمييز بسبب العرق أو الدين أو اللغة.... إلخ، ويتلاقى مع اليهودية في أنه تنظيم لشؤون الدين والدنيا معاً، ومن ثم أحاط بكل صور سلوك الناس في المجتمع فكان أثره عميقاً في النفوس. ونتيجة لاعتراف الإسلام بكل من اليهودية والمسيحية فإنه أقر حرية العقيدة بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين).
كما قرر المساواة بين المسلمين وأهل الكتاب في الحقوق والواجبات، وهو ما يعبر عنه العلماء بقولهم «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».

أهداف الحوار

هذه الحقائق ينبغي أن يدركها أتباع اليهودية والمسيحية وهذه مسؤولية مشتركة بين رجالات ديانتيهما وبين علماء المسلمين، ولذلك لابد أن تقوم الحوارات الجديدة على قاعدة الاحترام المتبادل كما يقول د. زقزوق؛ إذ لا قيمة لحوار يتم بين طرفين لا يعترف أحدهما بالآخر، ولعل هذا هو سبب ضياع جهود كثيرة سابقة في لقاءات غلبت عليها المجاملة؛ لكنها لم تحقق هذا الاحترام أو الاعتراف المتبادل الذي لابد من توفره.
وبما أن الحوار الديني أو الفكري كما يقول د. زقزوق يهدف إلى تأكيد القيم المشتركة بين الأديان السماوية، وعلى رأسها الإيمان بالله، ودعم الأخلاق الفاضلة، وتكريم الإنسان، والاعتراف بحقوقه. كما يهدف من ناحية أخرى إلى التخفيف من حدة الخلاف والصراع بين أتباعها، فلابد من الاتفاق أولاً على نبذ ثقافة الكراهية بين أهل الأديان والتعصب لبعضها دون البعض الآخر.. ذلك أن الكراهية والتعصب يؤديان إلى التطرف، وهو يؤدي بدوره إلى العنف والإرهاب. وبذلك فإن نبذ التعصب والكراهية يوفر فرصاً جيدة لنشر الاحترام المتبادل بين أتباع الأديان، مما يحقق التعايش بينهم ويرسخ صورة من التسامح الديني وحسن العلاقة بين أبناء الديانات السماوية، فتحل ثقافة المحبة والتآخي والتسامح الديني محل الكراهية والتعصب الديني.

مسائل ضرورية

ويشير د. زقزوق هنا إلى ضرورة الاستعانة بنخب متميزة من العلماء والمفكرين الإسلاميين القادرين على إدارة حوار ديني ينتهي إلى الاعتراف بديننا كما نعترف نحن بالديانتين السابقتين.. ويقول: بالتأكيد لن نقبل باستمرار حالة الإنكار، ونحن في الأزهر موقفنا واضح في هذه المسألة، وعلى الرغم من أن الأصوات النشاز التي تحاول إفساد روح الحوار عن طريق التعصب الديني موجودة لدى أتباع كل دين، فإن موقفنا كمسلمين في مسألة الاعتراف المتبادل محسوم، ولن نتخلى عن قناعتنا من أجل مجاملة أحد، وذلك لإيماننا بأن الحوار الناجح هو الذي يأتي على أرضية من التفاهم المشترك والاحترام المتبادل.
ويحدد رئيس مركز الأزهر للحوار بعض المسائل الضرورية لإنجاح الحوار الديني بين علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي أبرزها:
** تجنب ما يخص طبيعة الأديان ومرتكزاتها الأساسية، فهي ليست محلاً للحوار والنقاش وعلى كل فريق أن يحترم الخصوصيات العقدية للفريق الآخر ولا يطالبه بالتخلي عن ثوابت دينه.
** ينبغي الاتفاق على وقف كل صور الإساءة من الجانبين.. وقد نالنا ونال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الكثير من الإساءة التي آذت مشاعر المسلمين ولابد أن يبذل رجال الدين المسيحي، جهداً حقيقياً لعدم تكرار ذلك.
** ينبغي توجيه وسائل الإعلام هنا وهناك إلى القيام برسالتها الحضارية لتحقيق التآخي الديني، وتوفير فرص التلاقي والحوار والتفاهم بين علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي.
** ينبغي تنقية مناهج التعليم في الغرب من كل ما يؤدي إلى احتقار الدين الإسلامي والتقليل من شأنه، لأن هذه المناهج التربوية والتعليمية المتوارثة والتي تنطلق من رؤى متطرفة تهدم جهود العلماء ورجال الدين وترسخ للمفاهيم الخاطئة حول الإسلام.
** يجب الاتفاق على التصدي معاً لكل الظواهر السلبية التي تهدد مجتمعاتنا المعاصرة مثل: الإلحاد والانحلال والإدمان والإيدز والتعصب والتطرف في الفكر أو في السلوك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"