منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله.
خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه.
افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها.
من تلك الشبهات والمزاعم الادعاء بأن المسلمين لا يملكون منهجاً حضارياً يؤهلهم للمشاركة في بناء النظام العالمي، ومن ثم يسعى خصومهم إلى استبعادهم من تلك المشاركة.
فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهة، وتسقط ذلك الزعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟.
يلفت الدكتور حامد بن أحمد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار بجدة إلى أن موقع العالم الإسلامي يمثل نقطة ارتكاز مهمة في حركة التوازن والاستقرار الدولي. ويطالب المسلمين بأن يعوا أهمية وفاعلية مكانتهم ودورهم على الساحة العالمية، مع إدراك واجب التكليف الرباني لهم باعتبارهم الأمة الوسط التي بوأها ربها مهمة الشاهد الحضاري بين الناس.
ويؤكد أنه لتحقيق هذه الغاية لا بد من الانفتاح بكل موضوعية وحكمة باتجاه العالم لتحسين وتقوية العلاقات بين مجتمعاتنا والمجتمع الدولي من خلال تقديم منهجنا الإسلامي العالمي، وتـصوراتنا وقيمنا في التعايش الإنساني، وتخفيف التناقضات الثقافية والمنهجية بين نظرة المسلمين وتصورهم للعلاقات الدولية والمشاركة في إقامة نظام عالمي عادل ونظرة الآخرين وتصوراتهم تجاه هذا الأمر.
ثوابت قيمية ربانية
ويشدد على أن هناك أموراً مهمة ينبغي على المسلمين الوفاء بها، لتأكيد قدرتهم على المشاركة في بناء نظام عالمي جديد يقوم على العدل والمساواة والتعاون والتعايش السلمي.
ومن أهم تلك الأمور العمل على وحدة الخطاب الحضاري الإسلامي على أساس من تصور موضوعي وعلمي لمفاهيم المنهج الحضاري الإسلامي، الذي يرتكز على ثوابت قيمية ربانية، تشكل أساس التصور الإسلامي للسير الحضاري في الأرض، وتحدد الأهداف العليا والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية التي جاءت لتحقق مصالح الإنسان وتسهل مهمته وطموحاته وغاياته وهو يؤدي مهمته الأساسية في عمارة الأرض، التي استخلفه ربه جل شأنه فيها.
ويمضي الدكتور الرفاعي مؤكداً أن إنسانية الإنسان وآدميته أمر مقرر في الشريعة الإسلامية.. فالإنسان أعلى مراتب المخلوقات في الأرض، فهو أحسنها خِلقة وخلقاً، وهو مكرم لذاته ولآدميته بصرف النظر عن ثقافته وهويته السياسية.
ويوضح أن حفظ النفس البشرية واحترام آدميتها هو المحور الذي تدور حوله قيم المنهج الحضاري الإسلامي، فالإسلام هو المنهج الوحيد الذي جعل قيمة حياة إنسان تعدل الكل الإنساني تعظيماً للذات الإنسانية وكرامتها.
وذات يوم مرت جنازة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها تكريماً وإجلالاً، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال عليه الصلاة والسلام: «أليست نفساً؟». فالنفس الإنسانية مقدرة لذاتها معظمة لآدميتها بصرف النظر عن هوية انتمائها الديني أو العرقي أو الجنسي أو اللوني.
الاستخلاف في الأرض
ويشير الدكتور الرفاعي إلى أن الإنسان مستخلف في الأرض باعتباره سيد المخلوقات وأقدرها كفاءة وأكملها خصائص، حيث كلفه ربه جل شأنه بمهمة عمارة الأرض. وهذا الاستخلاف هو تأكيد على تكريم الإنسان والرفع من شأنه ومكانته عند خالقه.
وقد شرع الله سبحانه وتعالى للإنسان منهاجاً يحقق به مهمة الاستخلاف الرباني في الأرض، وجعل قيم هذا المنهج عالمية الخطاب والمقصد وإنسانية القيمة والمضمون.
ومنهج الاستخلاف الرباني لعمارة الأرض يقوم بالفهم الحضاري الإسلامي على مرتكزين اثنين، أولهما «مرتكز القيم والسلوكيات» وثانيهما «مرتكز المهارات».
والتعامل الصحيح والإيجابي مع منهج الاستخلاف الرباني لعمارة الأرض يتحقق بالتكامل والتوازنية الدقيقة، وأي خلل يصيب هذا التكامل أو ينتهك هذه التوازنية إنما هو خروج وتعطيل لمنهج الاستخلاف الرباني، ما يولد سلبيات ومخاطر على ثمرات الجهد الإنساني الحضاري في الأرض.
ولا بد أن توحد مفاهيم وصيغ الخطاب الحضاري الإسلامي ونحن نتعامل مع الآخرين في السعي لإقامة نظام عالمي عادل، تتعايش في ظلاله وعلى أساس من قيمه المجتمعات البشرية التي تجمعها هموم مشتركة وطموحات مشتركة، من أهمها: الحرية، والعدل، والأمن، والرخاء، والسلام.
خطوات مطلوبة
ويؤكد الدكتور الرفاعي على أن المنهج الحضاري الإسلامي يدعو إلى التكامل بين الحضارات على أساس من القيم الإنسانية الربانية وعلى أساس من الترشيد والتصحيح الحضاري المشترك، وفي المقابل فإن المنهج الإسلامي يرفض ويمقت الدعوة إلى التصادم والصراع الحضاري ويعتبر ذلك من الفساد في الأرض.
كما يؤكد المنهج الحضاري الإسلامي أهمية وضرورة التعاون والتنافس بين المجتمعات من أجل إقامة الخير في الأرض وصرف الفساد عن ربوعها.
ويوضح الدكتور الرفاعي أن المنهج العملي والموضوعي للتعريف بقيم ومفاهيم المنهج الحضاري الإسلامي يتطلّب أموراً مهمة.. منها:
ــ تقديم دراسات عميقة وموضوعية حول مفاهيم وقيم ومبادئ الإسلام العالمية، وتقديم دراسات حول المناهج التطبيقية التاريخية والمعاصرة التي تؤكد جدية المنهج الإسلامي وصلاحيته في الدعوة إلى تعايش بشري عالمي، مع اختلاف الأديان والأعراق والأجناس.
ــ التعرف على التيارات الكبرى في العالم وموقفها من الإسلام سواء تلك المنصفة أو المتطرفة لإجراء حوارات بناءة للتعريف بمبادئ الإسلام وقيمه، والتأكيد على أن تجاهل القدرات الإسلامية وتجاوزها يشكل عقبة كبيرة في طريق إقامة أي نظام عالمي مستقر وعادل.
ــ الدعوة إلى مؤتمر عالمي لبحث أخلاقيات البث الإعلامي المباشر ومخاطره على تربية الأجيال والمطالبة بعقد اتفاقية دولية لحماية القيم الدينية والفضائل الإنسانية ومنع بث برامج الجنس والعنف والرذيلة.
ــ التأكيد على القواسم المشتركة والموضوعية في الحوار، والجدال بالتي هي أحسن، والتركيز على تطلعات الإنسان وآماله في السلم والعدل والرخاء.
ــ عرض التصورات الإسلامية الأصيلة عن قضايا الحياة كحقوق الإنسان والعلاقات الدولية وحقوق المرأة والنظام الاقتصادي وإزالة الشبهات التي تلصق بالإسلام في الأذهان عبر الكتب ووسائل الإعلام.
د. حامد بن أحمد الرفاعي