عادي
استدان 100 مليون استرليني لدعم الجبهتين

مواقف حكيم العرب القومية أسهمت في نصر أكتوبر

05:57 صباحا
قراءة 15 دقيقة
تظل حرب أكتوبر ،1973 العاشر من رمضان، علامة فارقة في تاريخ علاقة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمصر والمصريين، فهي المحطة الرئيسية التي دخل منها حكيم العرب إلى قلوب المصريين، فموقفه في حرب أكتوبر لا يستطيع أحد ولا التاريخ أن ينساه، وخاصة المصريين، فقد وضع كل إمكانات دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة المعركة، وظلت وقفة زايد ذات طابع خاص، فلم يكن موقفه على جبهتي القتال مجرد برقيات تأييد، بل كانت مواقفه أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى انتصار الأمة العربية فيها، فمنذ اللحظة الأولى، التي اندلع فيها القتال في سيناء والجولان، أعلن الشيخ العروبي القومي الثائر الحكيم أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقف بكل إمكاناتها مع مصر وسوريا، في حرب الشرف من أجل استعادة الأرض المغتصبة .
وكان زايد أول من استخدم سلاح النفط كسلاح في مواجهة تدفق السلاح على الجسر الجوي الأمريكي إلى "إسرائيل"، وفي محاولة من جانبه لتغيير سير المعركة، ما أثر في الموقف الدولي لمصلحة العرب، حيث أوفد الشيخ "حكيم العرب" وزير بترول الإمارات إلى مؤتمر وزراء البترول العرب، لبحث استخدام البترول في المعركة .
وبينما كان الوزراء العرب أصدروا قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5% كل شهر، كانت صيحة زايد أن "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، فأصدر أوامره لوزير البترول بأن يعلن في الاجتماع الوزاري باسمه فورا قطع البترول نهائيا عن الدول التي تساند "إسرائيل"، ما شكل ضغطا كاملا على القرار الدولي بالنسبة للمعركة، التي اعتبرها حرب التحرير، فيما وصلت مقولة زايد إلى قلوب الشعوب العربية التي كانت تتطلع إلى النصر وتحرير التراب العربي، وخاصة الشعب المصري، لتؤكد أن من بين الحكام العرب هناك من خرج ليضحي في سبيل حسم المعركة لمصلحة كرامة الأمة ونصرة شعبها .
واللافت أنه عندما سئل الشيخ زايد في هذا الوقت من أحد الصحافيين الأجانب "ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟" فلم يتردد العروبي الأصيل في أن يقول إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية، واستطرد "أنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله" .
ولم يسمح الشيخ الحكيم لنفسه أن يدخل في حسابات معقدة حول إمكانات دولة الإمارات وقدرتها، مقارنة بالقدرات الغربية والأمريكية المساندة ل "إسرائيل"، فقد ضبط بوصلته العربية على قضايا الوطن ومصيره في هذه المعركة، ولم يشغله سوى الانتصار وفقط، فالشيء الوحيد الذي كان في اعتباره هو أن لحظة المصير التي يمر بها الوطن العربي تتطلب عطاء بلا حساب .
طلب الشيخ زايد من مستشاريه حجز غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة المعروضة للبيع في جميع أنحاء دول أوروبا، وشرائها فورا وإرسالها جوا، وفي الحال إلى القاهرة ودمشق، مع المواد الطبية والتموينية لتتحول إلى مستشفيات متنقلة لإسعاف وعلاج جرحى الحرب . ولم يكتف زايد بذلك بل كان أول قائد وحاكم عربي تتبرع بلاده بمبلغ 100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في المعارك الدائرة على الجبهتين .
ولم تكن لدى زايد يومها الأموال التي قرر إرسالها إلى القاهرة ودمشق بسبب الضائقة المالية التي كانت تعانيها الإمارات العربية المتحدة، التي لم يكن اتحادها قد بلغ بعد عامه الثاني في ذلك الحين، فجمع رجال البنوك والمال في لندن واستدان منهم المبلغ بضمان البترول .
وظل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منحازا دوما إلى مصر، وعندما تمت مقاطعة مصر من قبل الدول العربية، بعد قمة بغداد الشهيرة، بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال مقولته الأشهر "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية" وظل على تواصل مع مصر رغم مقاطعة عدد كبير من الدول العربية، ولعب دورا بارزا في إعادة الوئام بين الأمة ومصر .

المصريون يخلدون مواقفه النضالية والإنسانية

حسام سويلم: قرار قطع النفط غيّر مسار المعركة
مواقف زايد الأصيلة أدخلته قلوب المصريين بدون استئذان

القاهرة - غريب الدماطي:
أكد سياسيون مصريون أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رجل الأصالة العربية، واستحق في حياته ومماته لقب "حكيم العرب" .
وقالوا: إن المصريين يعتبرون الشيخ الراحل واحدا منهم، لذا حزنوا حزناً شديداً على رحيله، وكرموه وهو بينهم، وأطلقوا اسمه على العديد من إنجازاته لتظل شاهد عيان على حب المصريين له .
ورأى هؤلاء أن موقف الشيخ الحكيم في حرب أكتوبر، غيّر مسار الحرب نحو انتصار العرب في معركة استرداد الكرامة والأرض المغتصبة، وهو ذلك الموقف الذي أدخل الشيخ إلى قلوب المصريين من دون استئذان ليصبح أول حاكم عربي من خارج مصر يعشقه المصريون .

مواقف شجاعة

وقال اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجي، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية السابق بالقوات المسلحة ل"الخليج": إن موقف المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 لن تنساه الشعوب العربية، وسجل في تاريخ الأمة .
وأشار إلى أنه منذ أن بدأت الحرب وضع زايد كل إمكانات دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة المعركة، وظلت وقفته ذات طابع خاص، فلم يكن تأييده الأشقاء على جبهتي القتال في القاهرة ودمشق برقيات ترسل، بل مواقف شجاعة أدت إلى انتصار الأمة العربية .
وأوضح سويلم أنه منذ اللحظة الأولى التي اندلع فيها القتال في سيناء والجولان، أعلن الشيخ زايد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقف بكل إمكاناتها مع مصر وسوريا في حرب الشرف والكرامة من أجل استعادة الأرض المغتصبة، حيث وضع في اعتباره لحظة المصير التي يمر بها النضال العربي، وأنها تتطلب عطاء بلا حساب، وهذا ما كان يميز الشيخ زايد .
وقال الخبير الاستراتيجي: إن زايد كان أول حاكم عربي تتبرع بلاده بمبلغ 100 مليون جنيه إسترليني للجبهتين، كما كان أول من استخدام النفط كسلاح عربي في مواجهة تدفق السلاح إلى "إسرائيل"، عبر الجسر الجوي الأمريكي، في محاولة من جانبه لتغيير سير المعركة، ودفع الموقف لمصلحة العرب، وأطلق زايد صيحته الشهيرة: "إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، حيث أمر وزير البترول بأن يعلن باسمه فورا قطع البترول نهائيا عن الدول التي تساند "إسرائيل"، وهو القرار الذي عززه أيضا الملك فيصل بن سعود، ما شكل ضغطا كاملا على القرار الدولي بالنسبة للمعركة .
ووصف قرار زايد بالقرار الاستراتيجي الناضج الشجاع الذي غير مسار المعركة لمصلحة انتصار العرب .

في قلوب المصريين

وقال الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر: إن المصريين حزنوا لرحيل الشيخ زايد، بما لا يقل عن الحزن الذي ساد في دولة الإمارات، لاسيما أن زايد كانت له شعبية ومحبة ومكانة خاصة في قلوب المصريين بمختلف شرائحهم، كما كان زايد يحب مصر لدرجة أقرب إلى العشق .
وأضاف أن مواقف زايد مع مصر، كانت سندا للسياسة المصرية في دعوتها إلى رأب الصدع في الصف العربي بحكمته وحنكته وفطنته العروبية، وتجاوز الخصومات والخلافات والانقسامات، التي أدت إلى زيادة الضعف العربي في مواجهة القوى الخارجية الطامعة .
وأشار إلى أنه لم يحدث في يوم من الأيام أي خلاف بين مصر والإمارات في وجود الشيخ زايد، بل كانت مصر تجد فيه الصديق الحقيقي في كل العصور، فبعد العدوان الثلاثي على مصر عام ،1956 الذي قامت به فرنسا وبريطانيا و"إسرائيل" ودمرت مدن القناة وسيناء، كان الشيخ أول من تقدم لمساعدة مصر على إعادة إعمار ما خربه العدوان، وهو ما حدث أيضا بعد حرب 1967 التي خربت فيها "إسرائيل" سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والسويس، وكان زايد أول من أسرع بالمشاركة في إزالة آثار العدوان .

عطاء بلا حدود

ومن جانبها قالت المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق: إن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤسس أيضا للعلاقات المتميزة والأخوية الراسخة والثابتة بالمحبة وبالتعاون، حيث امتد عطاؤه من حدود دولة الإمارات إلى كل أرجاء الوطن العربي، خاصة مصر لإيمانه الشديد بأهمية التكافل والتكامل بين الشعوب العربية، وهو ما جعله يستحق لقب "حكيم العرب" .
وأضافت: إن المصريين يتذكرون عطاء الشيخ زايد بشكل أكبر الآن عن ذي قبل، حيث قامت مؤخرا دولة الإمارات بإعلان وقوفها ودعمها لمصر في ثورة 30 يونيو الشعبية، وهو العطاء الذي يتذكره المصريون من خلال العلاقات الراسخة والمتينة بين البلدين التي أسس لها الشيخ زايد وسار على نهجه أبناؤه حكام الإمارات، الذين عملوا بوصية الأب المؤسس، حيث أوصاهم خيرا بمصر ومساندتهم لها .
وقالت: إن المصريين لن ينسوا موقف الشيخ زايد في حرب أكتوبر ،1973 حيث منع تصدير النفط للدول التي تناصر الكيان "الإسرائيلي" .
وأشارت إلى أنه عندما اندلعت الحرب كان الشيخ الحكيم في زيارة للعاصمة البريطانية، وبادر كقائد وطني عروبي مخلص لضميره ولأمته باتخاذ قراره التاريخي بدعم المعركة القومية .
وأضافت: إن الشيخ زايد وقف في مؤتمر صحفي عقده في لندن قبل عودته إلى الإمارات ليؤكد موقف بلاده في دعم دول المواجهة، ووقوفه إلى جانبهم بكل وضوح وحسم .

أحبوا زايد

وقال محمد فايق وزير الإعلام الأسبق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ل "الخليج": إن المصريين لم يحبوا يوما أي زعيم من خارج مصر كما أحبوا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، فقد أحسوا منذ توليه قيادة دولة الإمارات في بدايات السبعينيات من القرن الماضي بأن الأمة التي أنجبت جمال عبد الناصر هي التي أنجبت زعيما ثائرا حكيما يجمع ما بين المناضل والإنسان .
وشعر المصريون بزايد العروبي الهوى، الذي يعشق مصر، ولم يتردد يوما في تقديم عطائه إلى شعبها، لذلك لم يكن غريبا أن تسود حالة من الحزن وسط الشارع، وكان رحيله مثار حديث العامة والنخب والمسؤولين، لاسيما أن المصريين كانوا يتعاملون مع شخص الشيخ زايد كأنه واحد منهم .

تواصل دائم

وقال السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن الشيخ زايد كان الداعم لسياسات مصر الخارجية فكانت مواقفه متطابقة لمواقف وآراء قادة مصر، ولعب الشيخ زايد دورا كبيرا في إقناع دول المقاطعة لمصر عقب اتفاقية كامب ديفيد، بأن المقاطعة لن تجدي نفعا وأن العرب من غير مصر ضعف وهوان وأن مصر من غير العرب في خسارة دائمة .
وأضاف أنه رغم قرار المقاطعة العربية ظل الشيخ زايد على علاقة قوية مع مصر حكومة وشعبا . وكان أول حاكم عربي يعيد علاقاته رسميا مع مصر، وساعد بشكل واضح في عودة جامعة الدول العربية إلى مقرها الدائم في القاهرة .
وأشار إلى أن جامعة الدول العربية منحت المغفور له الشيخ زايد وشاح رجل الإنماء والتنمية في عام ،1993 وقام الأمين العام للجامعة آنذاك الدكتور عصمت عبد المجيد بتقليد الراحل الوشاح، وعبر عن اعتزاز جميع الشعوب العربية والإسلامية بجهوده المقدرة في مكافحة التصحر، والاهتمام بالبيئة والمشاريع الإنمائية، ليس فقط على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة بل إلى الدول العربية والإسلامية .
واعتبر تكريم جامعة الدول للشيخ زايد اعترافا عروبيا بعطائه واهتمامه بالبيئة والتنمية والإنسان معا، وهي صفات تحلى بها الراحل منذ أن تسلم قيادة دولة الإمارات ووحدها لتسهم إسهاما لافتا في نهضة الأمة العربية ولتؤكد انتماءها العروبي الأصيل .

مساعدات تنموية

وأكد الدكتور حمدي عبد العظيم - الخبير الاقتصادي - أن مواقف الشيخ زايد متعددة في مقدمتها قراره عام 1991 بتحويل القرض المقدم من صندوق الائتمان الاقتصادي لأبوظبي إلى منحة لا ترد لمصر، ويتم استخدامها في تنفيذ مشروعين من أكبر مشروعات التنمية الدائمة في مصر، وهما مشروع امتداد ترعة الحمام بالساحل الشمالي ومشروع استصلاح وزراعة 40 ألف فدان شرق قناة السويس، حيث قام الشيخ زايد بعد ذلك بتخصيص 200 مليون دولار لتنفيذ مشروعات تنموية رائدة منها استصلاح وزراعة 300 ألف فدان في منطقة النوبارية بالإسكندرية والساحل الشمالي، وقام بشراء معدات زراعية وإنشاء محطات لتوليد الكهرباء بهذه المناطق .
وأضاف عبد العظيم: إن عطاء الشيخ زايد تواصل إلى إسهامه في تنفيذ مشروع ترعة الشيخ زايد بمنطقة توشكي بلغت تكلفتها أكثر من 725 مليون جنيه، لتصل الاستثمارات الموجهة لمشروع توشكي إلى أكثر من 4 مليارات و104 ملايين جنيه . وأوضح عبد العظيم أن مصر حصلت على قروض صندوق أبو ظبي للتنمية وبلغت 3 .5 مليار درهم عام ،2008 وتم استخدام هذه الأموال في تنفيذ بعض المشروعات، منها: مستشفى الشيخ زايد بجانب مشروع ضخ وتنقية المياه وتوصيلها إلى سيناء والساحل الشمالي .

إسهامات لم تتوقف

وقال الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي: إن دعم الشيخ زايد لمصر لم يتوقف عند إسهاماته بشكل لافت في مجالات التنمية بداخل مصر، بل قام بفتح أبواب الإمارات أمام الشركات والعمالة المصرية، حيث حصلت الشركات المصرية على عقود تنفيذ العديد من المشروعات في الإمارات في مقدمتها حصول إحدى الشركات المصرية على عقد تنفيذ مشروع مد أنابيب المياه من محطة "الطويلة" بمدينة العين، التي بلغت تكلفتها مليار جنيه مصري .
وأشار إلى أن شركة المقاولون العرب كان لها نصيب أيضا في مشاريع الإمارات، حيث حصلت على عقود لتنفيذ مشروعات بالإمارات، وبلغ حجم أعمالها في عهد الشيخ زايد نحو 800 مليون درهم إماراتي، فضلا عن عقد لتطوير كورنيش ميناء المصفح الإماراتي بتكلفة 47 مليون درهم، لافتا إلى أن حجم العمالة المصرية التي كانت موجودة في الإمارات في عهد الشيخ زايد بلغ 95 ألف عامل، وكانت تحظى برعاية كريمة منه ومن السلطات في الإمارات وحرص الشيخ زايد على فتح أبواب الشركات الإماراتية أمام العمالة المصرية وكفل حياة كريمة لهم .

قائد عروبي قولاً وفعلاً

أكد المفكر عبد الغفار شكر أن المغفور له الشيخ زايد هو حكيم العرب، فكان عروبيا قولا وفعلا، استطاع أن يسكن قلوب شعوب الأمة بعطائه وإنسانيته وحكمته وشجاعته . كما استطاع أن يستشرف آفاق المستقبل بكل ثقة، وهو ما قدمه للإمارات من إنجازات وللأمة العربية من مواقف، فسار بالإمارات نحو التقدم الذي أذهل العالم من أرض صحراء جرداء إلى واجهة سياحية رائدة ونموذج اقتصادي يحتذى به .
واعتبر الشيخ زايد شخصية متكاملة تحيطها الأصالة العربية المشبعة بالنخوة الإسلامية، فكانت له وقفات لا تنسى مع مصر والمصريين على مدى عقود طويلة من الزمن .
فهو من قال: ما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء في بحر مما قامت به مصر نحو العرب .
وهو من قال أيضاً: نهضة مصر نهضة للعرب .
وهو من قال: "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، وهي المقولة التي مازالت تتردد أصداؤها حتى الآن .

في ذكرى رحيله العاشرة
زايد مسيرة عطاء سكنت قلوب المصريين

القاهرة - غريب الدماطي:
تخطت مسيرة عطاء المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة حدود الدولة، وامتدت إلى كافة ربوع الأرض متخطية الحواجز بين القارات .
وتعتبر مسيرة نضال الشيخ زايد نموذجاً تاريخياً فريدا، كونها كانت حافلة بالعطاء اللا محدود، حيث بذل الجهد، وأنفق المال ليس فقط من أجل بناء دولة الإمارات، لكن من أجل إسعاد البشرية .
وكان للدول العربية النصيب الأكبر من تلك المسيرة التي تجاوز فيها مؤسس الدولة شخصية القائد العروبي، الذي اعتز دوماً بانتمائه للأمة العربية من المحيط إلى الخليج . فطوال مشوار حياته عمل زايد بلا كلل من أجل توحيد الصف العربي، ودعم الجامعة العربية، والمؤسسات العربية والإسلامية، ليسكن في قلوب الشعوب العربية، وفي مقدمتها مصر التي ارتبط تجاهها بعلاقة خاصة، استطاع من خلالها أن ينفذ إلى قلوب المصريين بصدقه ووفائه وعطائه غير المحدود .
ولا يوجد قائد عربي من خارج مصر سكن قلوب المصريين مثل زايد، الذي حفر اسمه في وجدان وعقول المصريين، فهو القائد العروبي الذي سارع إلى تقديم المساعدة لمصر، لإعادة أعمار ما خربه العدوان "الإسرائيلي" في حرب 1967، في مدن سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والسويس، ليقيم أحياء كاملة بديلة لما دمره العدو "الإسرائيلي"، لتحمل تلك الأحياء اسمه . كما أقام مدناً كاملة أدخل بها السعادة والبهجة إلى قلوب المصريين، وتجاوزت عطاءاته حدود ما هو عروبي وقومي، إلى ما هو إنساني .

مدينة الشيخ زايد

تجلت إنسانية الشيخ زايد في اختياره قطعة أرض في صحراء محافظة الجيزة، ليحولها إلى قطعة خضراء تنافس المدن العالمية، تلك القطعة التي تعرف الآن في مصر بمدينة الشيخ زايد، وتعد أجمل مدن محافظة الجيزة، وأكثرها عصرية .
تعتبر مدينة الشيخ زايد، التي أنشئت عام 1995 بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، هدية من الشيخ الراحل، إحدى أهم المدن الآن في محافظة الجيزة، التي تبعد عن وسط القاهرة 28 كم، وتبلغ مساحاتها ما يقرب من 9500 فدان، فهي مدينة كاملة من جميع الخدمات والمرافق، وبها المستشفيات والمدارس لجميع المراحل . وتبلغ المساحات الخضراء نسبة 40% من المساحة الكلية للمدينة، ما أعطى لها رونقاً وجمالاً خاصاً لتجذب الحالمين في الإقامة في أماكن متكاملة المرافق .
وتنقسم المدينة إلى 20 حيا، ويقسم كل حي إلى 4 مجاورات، في كل منها مسجد وسوق ومركز خدمي، إضافة إلى المركز الطبي، ويتوسط المدينة مستشفى الشيخ زايد التخصصي .
وتجلت عالمية المدينة، في احتضانها مؤسسات تعليمية بارزة منها جامعة النيل والكلية الدولية الكندية، وفرع لجامعة القاهرة، كما تحتضن المدينة العديد من المدارس الأجنبية والعالمية، منها المدرسة البريطانية الدولية، ومؤسسة أمريكان إنترناشونال سكول، ومدارس الرؤية الجديدة الدولية، ومدرسة بيفرلي هيلز للغات، والمدرسة الفندقية، والمدرسة البريطانية الدولية في مصر BCE، إضافة إلى مدارس أخرى مثل عمر بن الخطاب، والمدرسة النموذجية ومدرسة عمرو بن العاص ومدرسة أبي بكر الصديق، ومدرسة الأمل والمعهد الأزهري المتكامل .
واللافت أن المدينة أقيمت فيها ثلاث مدارس تحمل اسم الشيخ زايد، الأولى للتعليم الأساسي، الابتدائي والإعدادي، والثانية للتعليم الثانوي بنات، والثالثة للتعليم الثانوي بنين، كما تضم 15 مسجداً وكنيسة، ويعد مسجد الشيخ زايد أكبر مساجد المدينة ويستوعب آلاف المصلين .

قناة الشيخ زايد

لم تتوقف إنجازات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عند حد مدينة الشيخ زايد، التي صارت إحدى المدن العالمية في مصر كلها، بل امتدت إنجازاته وعطاءاته إلى المساهمة في مجال التنمية الزراعية والحضارية لينقل بها أماكن صحراوية إلى جنات خضراء من المزروعات والمشروعات الإنتاجية .
ففي أغسطس عام 2010 اكتملت المرحلة الأولى من مشروع قناة الشيخ زايد لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة توشكى، لتحويلها إلى أراضٍ زراعية ومشروعات الإنتاج الحيواني .
وتم مشروع قناة الشيخ زايد بتمويل من حكومة أبوظبي، من خلال المنحة التي أمر بها المغفور له بإذن الله تعالى، وأمر بتنفيذها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، حيث تم تخصيص مبلغ 100 مليون دولار منحة لتنفيذ مشروع القناة، التي تعتبر جزءاً من مشروع تنمية جنوب الوادي في منطقة توشكى، وذلك تحت إشراف وإدارة صندوق أبوظبي للتنمية، وقد تم استغلال المنحة في مشروع الترعة رقم "3" ومشروع محطات الرفع والضخ، واللافت أن صندوق أبوظبي للتنمية قدم لمصر منحاً منذ عام 1974، وحتى عام 2010 عديدة منها قروض بقيمة 746 .03 مليون درهم، إضافة إلى 4 منح بلغت قيمتها ما يقرب من 326 مليون درهم .
ويعتبر مشروع إنشاء ترعة الري من أهم المشروعات المتكاملة لتنمية جنوب الصعيد، إذ يستهدف ري نحو 100 ألف فدان وتطوير منظومة الري المتكاملة، التي تروي نحو نصف مليون فدان، وتمتد الترعة لأكثر من 24 كيلومتراً بعرض من 6 - 8 أمتار تقريباً تحتوي على 4 بوابات و6 جسور لتصريف 50 متراً مكعباً في الثانية من المياه، وتم تبطين الترعة بالكامل بالخرسانة المسلحة لمنع تسرب المياه وضمان استمرارية عملها لمدة طويلة وبكفاءة عالية، فيما يضم المشروع طريقاً ممتداً بطول الترعة .
ويشمل المشروع 3 محطات لضخ مياه الترعة إلى الأراضي الزراعية بسعة إجمالية تبلغ 100 متر مكعب في الثانية، كما يشمل مزرعة تجريبية بما فيها أعمال شبكة الري والاستصلاح وشبكة الطرق والمرافق اللازمة، وأعمال الري الحقلي .

معهد لغوي

وواصل المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أعماله الإنسانية ليرسخ اسمه في قلوب المصريين على مختلف طوائفهم، وذلك عبر مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، التي تأسست عام 1992، فشيدت معهداً لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مصر، فيما يتكون المعهد من مكتبة تحتوي على آلاف الكتب، وقاعة للمحاضرات، إضافة إلى مبنى الإدارة، كما أنجزت مشروع ترميم المعاهد الأزهرية في مختلف محافظات ومدن مصر .
وقد أنشأ المغفور له بإذن الله تعالى، تلك المؤسسة، بمرسوم أميري لتساهم في دعم المراكز والأعمال الثقافية والتعليمية والإنسانية والعلمية والدينية في داخل دولة الإمارات وخارجها في الدول العربية والإفريقية والأوروبية، وهو ما استفادت منه مصر في مختلف القضايا التربوية والإنسانية والدينية .

في المنصورة

واللافت أن عطاءات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ظلت ممتدة حتى بعد رحيله لتضيف إلى سجل مكرمة وإنسانية حكام دولة الإمارات من أبناء زايد مزيداً من الإنجازات التي تتحدث عن نفسها .
ففي فبراير الماضي قام محافظ الدقهلية بوضع حجر أساس لمدينة جديدة تحمل اسم زايد، وتقع المدينة غرب مدينة جمصة، التي تبعد 30 كيلومتراً عن مدينة المنصورة، وتقام المدينة على مساحة 90 فداناً، وتضم 4274 وحدة سكنية بتمويل كامل من دولة الإمارات العربية المتحدة، بتكلفة تصل إلى مليار جنيه مصري . ومن المقرر أن ينتهي العمل في تلك المدينة خلال 24 شهراً، أي عامين .
ويشار إلى أن تلك المدنية الجديدة ستضم أسواقاً تجارية ومدارس ودور للعبادة، إضافة إلى عدد من المرافق الخدمية، وقد خصصت تلك الوحدات السكنية للشباب المصريين الحديثي الزواج، ليجدوا مسكناً ملائماً لبناء حياتهم الأسرية .

مستشفى الشيخ زايد

وفي أكتوبر الماضي افتتحت وزيرة الصحة السابقة، الدكتورة مها الرباط، برفقة وزير الدولة الدكتور سلطان أحمد الجابر مستشفى الشيخ زايد بمنطقة منشأة ناصر بالقاهرة، بتكلفة مالية تصل إلى 250 مليون جنيه، ضمن مشروع تطوير المنطقة .
وحضر الافتتاح المدير العام لصندوق أبوظبي للتنمية بالإنابة محمد يوسف السويدي، الذي أكد أن المشروع يأتي تأكيداً للعلاقات التاريخية الطيبة التي تجمع البلدين على المستوى الرسمي والشعبي، كما يأتي خدمة لأهالي منطقة منشأة ناصر .
وأكد أيضاً أن المشروع جزء من حزمة مشاريع ومبادرات تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيكون لها الأثر الملموس على المجتمع المصري .
وأشار إلى أن المستشفى مجهز بأحداث المعدات والتجهيزات الطبية، ويشمل جميع التخصصات، وأحدث وسائل التشخيص، ويضم 150 سريراً، وقسما للاستقبال والطوارئ و10 عيادات خارجية، و5 غرف عمليات و12 سرير عناية مركزة و12 وحدة غسيل كلوي، و12 حاضنة لحالات الولادة المبكرة، كما يضم المستشفى أقسام ومعامل مختبرات أشعة مقطعية، وأشعة عادية، وأقساماً الأطفال والنساء والولادة والعلاج الطبيعي وبنكاً للدم، إضافة إلى سكن مجهز للأطباء وطاقم التمريض .
وقال الدكتور سلطان أحمد الجابر: إن المشروع منحة تقدر بأكثر من 661 مليون درهم، أي نحو 1240 مليون جنيه مصري .
وأضاف: إن مشروع تطوير منطقة منشأة ناصر يتضمن إنشاء 8000 وحدة سكنية، مع جميع ما يلزمها من مرافق ومبانٍ خدمية، مثل الأسواق والمساجد من بينها مركز طبي وثلاثة مساجد بسعة 300 مصلٍ، ومسجد رابع بسعة 800 مصل، وكذلك دار مناسبات ووحدتان صحيتان وثلاث دور حضانة، ومكتب بريد، ومبنى سجل مدني ومجمع محلات "مول تجاري" .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"