مثالب الديمقراطية

03:29 صباحا
قراءة دقيقتين
 إذا كان للديمقراطية مفعول السحر في الخطاب السياسي باعتبارها الحل الأمثل لنظام الحكم من حيث توفير الحرية والعدالة وصحة التمثيل والتعددية وتداول السطة، واتخذها العديد من الأنظمة العالمية أساساً للحكم، إلا أنها شكلت في بعض الأحيان معبراً للفوضى والحروب، عندما تم استخدامها لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالقيم التي تمثلها.
وإذا كانت الديمقراطية (ديموس أي الشعب)، و(كراتوس أي السلطة أو الحكم) تعود في أصولها الإغريقية إلى القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية، وهي تعني «حكم الشعب» أو«سلطة الشعب»، لكنها منحت حق ممارسة الديمقراطية لفئة النخبة من الرجال الأحرار واستبعدت العبيد والنساء من الممارسة. والديمقراطية لم تأخذ معناها الحالي إلا في أواخر القرن الثامن عشر مع اقتراب الثورة الفرنسية.
صارت الديمقراطية اليوم مصدراً للسلطة السياسية في معظم دول العالم باعتبارها الخيار الأفضل بين أشكال الأنظمة المعروفة، لكن في الوقت نفسه تم استخدامها للتمويه على أهداف أخرى لا علاقة لها بمعناها. فالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية استباحت العديد من الدول وشنت الحروب عليها باسم الديمقراطية، كما تم استعمار دول باسم الديمقراطية والحضارة.
ونتيجة الانتخابات الديمقراطية وصل الفاشيون والنازيون إلى السلطة في إيطاليا وألمانيا، وكان ذلك سبباً لاندلاع الحرب العالمية الثانية التي تسببت في كوارث مهولة ما زالت آثارها شاهدة عل ما حل بالبشرية آنذاك.
كذلك فإن الأحزاب والجماعات الدينية والقومية واليمينية المتطرفة عادة ما تستخدم الديمقراطية سلَماً للوصول إلى السلطة لتنفيذ أجندتها، فتلجأ إلى خطاب شعبوي يثير المشاعر القومية والدينية والمذهبية مستغلة حالة الإحباط لدى الجماهير للحصول على تأييدها وتمثيلها في السلطة. حدث ذلك في العديد من الدول الغربية التي تشهد صعوداً مثيراً للقلق للأحزاب اليمينية المتطرفة، وحصل أيضاً في العديد من الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية العجاف التي بدأت مع ما يسمى «الربيع العربي»، حيث تمكنت بعض أحزاب الإسلام السياسي، وخصوصاً جماعة «الإخوان» من الوصول إلى السلطة في مصر وتونس، بعدما استغلت الحراكات الشعبية وحرفتها عن مسارها، وركبت موجة الديمقراطية مستغلة شوق الجماهير إلى التغيير وتمكنت من القبض على السلطة لفرض أفكارها ومنهجها الفكري التضليلي بما يتعارض بالمطلق مع مفهوم الديمقراطية.
الديمقراطية بهذا المعنى يتم تفريغها من مدلولاتها، أي سلطة الشعب، فتتحول إلى مدعاة للخيبة إذا قيست بما أنجزت للشعب الذي يتمثل بها ويحكم باسمها.
بل إن الديمقراطية قد تتحول في ظل حكم هذه القوى والمجموعات إلى أداة للتسلط والبطش، وقد تؤدي إلى كوارث.
للديمقراطية محاسن يجب الأخذ بها كمعيار لسلطة الشعب الحقيقية بما تعنيه من مضامين حضارية، لكنها قد تتحول إلى مثالب ومخاطر إذا ما أسيئ استخدامها وتحويلها إلى مجرد هدف يتم استخدامه لمرة واحدة للوصول إلى السلطة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"