مواطنة لا «أقلية»

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
مفهوم الأقليات، هو مفهوم طارئ لا علاقة له بالحضارتين العربية والإسلامية، وهو مصطلح غربي لا علاقة لنا به وقد تم استيراده واستخدامه في العقود الأخيرة من جانب البعض في الدول العربية، إما عن جهل، وأما بقصد تشويه المجتمعات العربية والتمييز بين عناصرها المكونة لأوطانها، كمدخل لضرب وحدتها وتمزيقها والهيمنة عليها ومنعها من النهضة والتقدم، وفق مقولة «فرق تسد».
إن مصطلح «الأقلية» أو «الأقليات» هو مفهوم سياسي غربي ملتبس يستخدم للتعريف بفئة بشرية في بلد ما متمايزة دينياً وعرقياً وثقافياً عن أكثرية مواطني هذا البلد، أو أنهم ليسوا من سكانه الأصليين، كما هو حال البيض في جنوب إفريقيا أو المسلمين في الدول الأوروبية مثلاً.
في الدول العربية يتم استخدام مصطلح «الأقلية» لغرض سياسي خبيث، كما جرى خلال السنوات الأخيرة من أجل التدخل في الشؤون الداخلية أو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية، لتحقيق أغراض لا علاقة لها بالحقوق.
إن مصطلح «الأقلية» أو «الأقليات» يعتبر مصطلحاً استفزازياً وليس حيادياً، بمعنى أنه مثير للتمييز المزدوج، فهو يعزز لدى «الأكثرية» الشعور بالتفوق وحق الهيمنة، والشك في الآخر. أما بالنسبة ل«الإقلية» فهو يشعرها بالدونية والقلق على المصير والخوف من الذوبان وبالتالي فقدان الحقوق.
لا «أقليات» أو «أقلية» في الوطن العربي. هناك مواطنون ينتمون إليه، هم جزء أصيل منه، تاريخياً وثقافياً ودينياً وإثنياً، وإن تمايزوا دينياً وعرقياً. هم أبناء هذا الوطن وجزء من نسيجه الاجتماعي عبر التاريخ، ولا قيمة أو قيامة له إلا بهذا التنوع الفريد، باعتباره مهد الحضارات والرسالات السماوية، ومن الطبيعي والحال هذه، أن يكون على هذا الشكل من التنوع الذي يعتبر إثراءً له، وليس عاملاً للانقسام أو التمييز.
فالمواطنة مأخوذة من الوطن، أي مسقط الرأس، والمنزل الذي يقيم فيه الإنسان، وهو موطن الإنسان ومحله. وفي التعريف السياسي «المواطنة هي عضوية كاملة في الدولة، والمواطن له كامل الحقوق وعليه تأدية كامل الواجبات». وبهذا المعنى فإن مفهوم المواطنة، فكرة اجتماعية وقانونية وسياسية أسهمت في تطوير المجتمع الإنساني للرقي بالدولة إلى المساواة والعدل عن طريق تعزيزها كي تقوم بدورها في ضمان حقوقه السياسية والاجتماعية، ومنع أي محاولة لانتهاك هذه الحقوق.
المواطنة هي الجامع المشترك لأبناء الوطن الواحد مهما اختلفت دياناتهم ومللهم وأعراقهم، وهي المصهر الذي يذوب فيه الجميع داخل الوطن، بمعزل عن الحجم والعدد. فالحقوق لا بد أن تكون متساوية وتشمل الجميع، فلا ميزة لامرئ على آخر إلا بما يقدم لوطنه. فالحقوق ليست منَة أو هبة، فهي حقوق شاملة وعامة، وتخص أي إنسان بغض النظر عن دينه وعرقه ولغته وأصله الاجتماعي، وهي حقوق لا يمكن تجزئتها أو الانتقاص منها أو المفاضلة بينها لأي سبب كان.
وإذا كانت بعض المكونات في وطننا العربي تشعر بالغبن، فذلك عيب الأنظمة التي لا تلتزم بضوابط المواطنة ولا تعير اهتماماً للحقوق بما هي قيمة إنسانية ودينية وأخلاقية عليا. فالدين الإسلامي لا يفرق بين بني البشر، لأن «الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره»، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد في مادته الأولى «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء»، وهذ الأمر أكدته «وثيقة الإخاء الإنسانية» التي وقعها مؤخراً شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس في أبوظبي. كما أكد الدكتور الطيب في أكثر من مناسبة أنه يرفض استخدام مصطلح «الأقلية» للتعريف ببعض مكونات الوطن الواحد، بل ب«المواطنة» كمصطلح جامع لأبناء الوطن.
إن مفهوم «الأقلية» مرفوض لأنه يعزز الانقسام والتمييز ويمنح أعداء الأمة فرصة للتدخل بين مختلف المكونات من أجل بذر الفرقة والانقسام، واستلال الهويات الفرعية أو الصغرى من مجاهل التاريخ، مثل المذهبية والطائفية والقبلية وتحويلها إلى عوامل صراع بين هذه المكونات.
لذا لا بد من الرد على ذلك، من خلال المواطنة، وتعزيز مفهومها وترسيخها في الوعي الاجتماعي العام، وذلك ببناء قواعد قانونية تضمن حقوق المواطن السياسية والاجتماعية إلى جانب نشر ثقافة المواطنة والديمقراطية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"