الأطماع التركية في ليبيا

02:26 صباحا
قراءة دقيقتين

تفضح التحركات التي تقوم بها تركيا في ليبيا وآخرها الاتفاقية العسكرية التي وقعتها مع رئيس حكومة طرابلس فايز السراج رغبة في إعادة خلط الأوراق في هذا البلد الذي يواجه تحديات كبيرة، من قبل ميليشيات مدعومة من الخارج. وقد شكلت الاتفاقية الأخيرة ذروة هذا التدخل، خاصة أن حكومة طرابلس تستعين بأنقرة منذ مدة لمدّها بمختلف أنواع الأسلحة، ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبيرة لرفض الاتفاقية التي تقضي على المساعي الأممية والإقليمية، لإيجاد سلام عادل في ليبيا.
الاتفاقية بين تركيا وحكومة فايز السراج، القاضية بترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، إضافة إلى اتفاق خاص بتعزيز التعاون الأمني والعسكري، لقيت إدانة من قبل مجلس النواب الليبي الذي وصفها ب«الخيانة العظمى»، مؤكداً أن الجيش الوطني لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما حدث؛ لأنه يمس السيادة الليبية في الصميم، فالاتفاقية تُفسح المجال أمام أنقرة للتدخل بشكل أكبر في دعم التمرد الذي تقوده الميليشيات الحاكمة في طرابلس؛ إذ إنها تسمح بتزويدها بالسلاح بمختلف أنواعه، ما يعني إطالة أمد الصراع بشكل يخالف قرارات المجتمع الدولي، الذي يُجمع على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، وأوفد لهذه المهمة مبعوثين إلى ليبيا، آخرهم غسان سلامة، لمساعدة الأطراف المختلفة على إيجاد طريق يكفل عودة الأوضاع إلى سابق عهدها.
الاتفاقية التي وقّعتها تركيا مع حكومة السراج، لا تشكل فقط خطراً على الوضع في ليبيا فحسب؛ بل تعد تهديداً للأمن العربي وللأمن والسلم في البحر المتوسط برمته؛ لأنها تسمح للجانب التركي باستخدام الأجواء الليبية ودخول المياه الإقليمية دون إذن، ما يمثل تهديداً حقيقياً وانتهاكاً صارخاً للأمن والسيادة الليبية، وتدخلاً في الشؤون الداخلية لبلد لا يزال يدفع استحقاقات مرحلة الفوضى التي مرت بها البلدان العربية، في إطار ما يسمى «الربيع العربي».
ولا يقتصر الأثر السلبي للاتفاقية على الشأن الليبي فحسب؛ بل يمتد ليشمل دولاً أخرى في البحر المتوسط، خاصة مصر وقبرص واليونان التي أعلنت موقفاً مشتركاً أكدت فيه أن الاتفاقية لن يعتد بها؛ كونها تتعدى صلاحيات السراج وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنها لن تؤثر في حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال، واعتبرت الاتفاق كأنه لم يكن.
تحركات تركيا في ليبيا لم تكن وليدة اللحظة، فالدعم الذي تحصل عليه الميليشيات من أنقرة، سواء عبر سفن السلاح التي تصل إلى طرابلس بطريقة مخالفة للقرارات الدولية، والطائرات من دون طيار التي تشارك في المعارك التي تخوضها هذه الميليشيات ضد الجيش الوطني الليبي، دليل دامغ على الدور السلبي الذي تقوم به أنقرة لمدّ نفوذها وأطماعها إلى أكثر من منطقة عربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"