عالم جديد يتشكل

02:43 صباحا
قراءة دقيقتين
ما نراه على الساحة السياسية الدولية من أمواج متلاطمة، يوحي وكأن العالم على وشك الغرق، من جراء صراعات تأخذ أشكالاً متعددة من الحروب التجارية والعقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية والابتزاز المالي والتلويح بالقوة النووية، والحروب بالوكالة، والمناورات العسكرية على تخوم وبحار بعض الدول، ما هي إلا نتيجة طبيعية للتحول الذي يشهده العالم نحو التعددية القطبية التي تسعى الولايات المتحدة لإفشالها والاحتفاظ بموقعها متمسكة بوحدانية النظام العالمي الذي تقوده منفردة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
لا تريد الولايات المتحدة التخلي عن التفرد بالنظام العالمي وترتيبه وفقاً لسياساتها. هي تقاوم بكل ما لديها من قوة - ما عدا المواجهة المسلحة- كل من يحاول، أو يفكر بإزاحتها، أو كل من تراه يشكل خطراً على مصالحها، أكان في دول الجوار أو بعيداً عنها.
إننا نعيش مرحلة المخاض الصعب، بانتقال مقاليد القيادة من الغرب إلى الشرق، قيادة شراكة في التنمية والاقتصاد والسياسة واحترام سيادة الدول وتاريخها وثقافتها وتقاليدها، من دون تدخل خارجي أو تمييز، بعيداً عن روح الاستعلاء والاستعمار التي ما زالت تحكم السياسات الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص.
في هذا العالم الذي يتغير بسرعة، ومع وجود دول بازغة تنطلق اقتصادياً لتتبوأ الصدارة اقتصادياً وعسكرياً وتنموياً، مثل الصين وروسيا والهند وغيرها، ومعظمها شرقية، لا بد من ولادة جديدة للنظام العالمي تشكل هذه الدول نموذجه، باعتبار أن الشرق كان على الدوام مهد الحضارات والقيم الإنسانية والدينية، فيما شكل الغرب على الدوام النموذج للاستعمار والهيمنة والاستيطان والحروب.
إن القمة التي جمعت بين الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو مؤخراً، وما تمخض عنها من قرارات ومواقف واتفاقات تشكل أساساً لعملية التحول في النظام الدولي، من خلال اتفاق الدولتين على شراكة استراتيجية في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والأمنية والتكنولوجية والعلمية في مواجهة الجموح الأمريكي المتمثل بهذا الهجوم الضاري على معظم دول العالم، الذي بدا كأنه أمام فيل هائج يأخذ في طريقه كل شيء، لأنه بات يدرك أن هناك قوى أخرى تأخذ مكانها تحت الشمس في هذا المشرق، وتريد أن تزيحه عن قيادة هذا العالم، لتكون شريكة معه لا أن تكون تابعة أو ذيلاً له.
لم يعد مركز العالم في الغرب فقط. هذه حقيقة يؤكدها الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين الغربيين، وكذلك مراكز الأبحاث والعديد من القادة الغربيين، لذلك لا مناص من التسليم بهذه الحقيقة. لكن الولايات المتحدة تقاوم وتستخدم كل أسلحتها المتاحة لعلها تؤخر شروق الشمس فقط، وهي لا تستطيع غير ذلك.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"