«القرصان البحري»

02:56 صباحا
قراءة دقيقتين

يطيب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يتقمص العديد من الشخصيات، فهو «السلطان» الذي يسعى لاستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية، وهو «الخليفة الإخواني» الذي يحلم ب «الخلافة» التي دعا إليها مؤسس جماعة «الإخوان» حسن البنا، وهو «عراب» الإرهابيين الذين احتضنهم ورعاهم، ووزعهم في ديار العرب، وهو «راعي» المرتزقة الذين يرسلهم إلى سوريا وليبيا لتدميرهما، لعله يجد موطئ قدم يمكنه من أن يكون رقماً في المعادلات الإقليمية، ويحصل بذلك على حصته في التسويات الكبرى، عندما يحين موعد قطاف تداعيات التدمير والتخريب.

اللقب الجديد الذي يسعى إليه هو «قرصان البحر»، تيمناً ب «سلاطين البر والبحر» من بني عثمان، الذي يسعى للسطو على ثروات شرق البحر المتوسط النفطية، من خلال الاعتداء على المياه الإقليمية لدول الجوار، والمباشرة في عمليات التنقيب فيها، في انتهاك واضح لسيادة الدول الأخرى والقانون الدولي.

أردوغان يرى أن من حق تركيا توسيع حدودها البحرية باتجاه جزيرة قبرص واليونان ومصر وليبيا، والمباشرة في عملية التنقيب عن النفط والغاز. وهو يستخدم الكيان التركي في شمال جزيرة قبرص «شماعة» لتبرير فعلته، معتبراً أن هذا الجزء من الجزيرة المستقلة، العضو في الأمم المتحدة، جزء من تركيا الذي احتلته عام 1974، والذي لم يعترف بها أحد من دول العالم إلا أنقرة. كما أنه يستخدم الاتفاق الذي وقعه في ال 27 من نوفمبر الماضي مع رئيس ما يسمى «حكومة الوفاق» في ليبيا فايز السراج، «شماعة» أخرى، لتوسيع أطماعه البحرية في عمق شرقي المتوسط، وهو الأمر الذي استفز مصر وقبرص واليونان ودول الاتحاد الأوروبي التي استنكرت هذه الخطوة التركية، محذرة من مخاطرها على الأمن و السلام في المنطقة، ومؤكدة حقها في التصدي لها.

تزعم تركيا أن لها حقوقاً في الحدود البحرية شرقي المتوسط، ومع ذلك ترفض حتى الآن تعيين حدودها البحرية، كما أنها ترفض توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، لعلها تتمكن من فرض أمر واقع على دول المنطقة، من خلال اللجوء إلى القوة على الرغم من أن عدم توقيعها على الاتفاق الدولي لا يعطيها الحق في التنقيب خارج منطقتها الاقتصادية الخالصة، والاعتداء على المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الأخرى.

إن الاتفاق الذي تم بين مصر وقبرص لتعيين الحدود البحرية في شرقي المتوسط أُسس وفقاً لقانون البحار لعام 1882، الذي يحدد كيفية رسم الحدود البحرية ذات السواحل المتقاربة، أما الاتفاقية الموقعة بين أردوغان والسراج لتوسيع حدود تركيا البحرية، فلا قيمة لها قانوناً، لأنها بين بلدين متباعدين براً وبحراً، كما أن الذي وقعها عن الجانب الليبي لا صفة دستورية تخوله التوقيع، وهي تحتاج إلى مصادقة البرلمان الليبي .

«القرصان البحري» يمارس البلطجة، في محاولة للسطو على أملاك الآخرين في أعالي البحار هذه المرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"