أزمة تونس الدستورية

03:13 صباحا
قراءة دقيقتين
بسرعة كبيرة، تتدحرج صخرة الأزمة السياسية في تونس، على وقع الخلاف القائم بين المؤسستين الدستوريتين المتمثلتين في الرئاسة والوزراء، حيث وصل الخلاف بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، إلى أقصى مدى له؛ إثر إقدام الشاهد على تعديل في الحكومة التي يرأسها منذ أكثر من عامين، ورفْض السبسي لهذا التغيير، ما دفع الطرفين إلى شحذ أسلحتهما كل في وجه الآخر، مما أدخل تونس بأكملها في أزمة يخشى كثيرون من تأثيراتها على الوضع السياسي والاقتصادي، إضافة إلى الأمني؛ الملف الأخطر، بعد أن بدا أن البلاد بدأت تتعافى من «الخضات» التي مرت بها خلال الأعوام الماضية.
الأزمة القائمة في تونس، عكست انقساماً واضحاً بين المؤسستين الدستوريتين، وقد أفضت العلاقة التي شابها التوتر بين رئيسيهما (السبسي والشاهد)، إلى انقسام حادٍ بين أنصارهما، مع أنهما ينتميان إلى لون سياسي واحد يتمثل في حزب «نداء تونس»، الذي حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة على الأغلبية، وشكّل تحالفاً مع حركة النهضة، وتكوينات سياسية أخرى، ومستقلين، لتأليف حكومة اتضح أنها لم تصمد في وجه التحديات التي واجهتها، خاصة في المجالات الاقتصادية والأمنية، لكن ما أضعف الحكومة هو الانقسام الذي ضرب حزب «نداء تونس»، وحالة تنازع القيادة فيه بين الشاهد وحافظ السبسي، نجل الرئيس، مما أدى إلى حالة من التشرذم، أفضت في نهاية المطاف إلى تجميد عضوية رئيس الحكومة في الحزب، قبل أن يُقدم الأخير على تشكيل ائتلاف سياسي ينافس حزبه القديم، ويدخل في صراع على النفوذ والهيمنة.
لم تعمل الأطراف والمكونات السياسية حساباً للمتربصين بالاستقرار الذي جنّب بلادها «الخضات» العنيفة التي سببها إعصار «ثورات الربيع العربي»، ولا تزال كثير من الدول تعانيها حتى الآن، بينها دولة مجاورة لتونس هي ليبيا، التي تعاني الفوضى وعدم الاستقرار منذ ما يقرب من ثماني سنوات، وقد تُدخل الأزمة البلد في أتون أزمة أكثر عمقاً يمكنها أن تنسف ما تحقق من منجزات سياسية واقتصادية وأمنية، رغم ما تعرضت له البلاد من هجمات استهدفت قطاع السياحة من قبل تنظيمي «داعش» و«القاعدة» خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع البطالة والغلاء، وتراجع كبير في سعر العملة الوطنية، وتدني قطاع السياحة؛ المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد.
الأزمة الأخيرة الناتجة عن إعادة تشكيل الحكومة وفق تموضع سياسي جديد، تخدم حركة «النهضة»، ورفض الرئيس لهذا التغيير يدخل البلاد في وضع من شأنه أن يعقّد الأوضاع بشكل أسوأ، خاصة أنه يُعزز قبضة الحركة على الوزارات الحساسة التي لها علاقة بالانتخابات التشريعية والرئاسية، المقرر إجراؤها العام المقبل، والتي ستكون بمثابة معركة كسر عظم بين جميع الأحزاب، ويُخشى معها أن تعود تونس سنوات إلى الخلف.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"