إيران.. مرجل يغلي

04:58 صباحا
قراءة دقيقتين

تكشف التظاهرات التي اجتاحت عدة مدن إيرانية خلال الأيام القليلة الماضية، وشملت نحو 20 مدينة، منها طهران ومشهد ثاني أكبر المدن الإيرانية وكرمنشاه وكاشمر ونيسابور ويزد، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات البطالة، عن انفصال بين السلطة والسواد الأعظم من الشعب، وغياب الثقة بينهما من جراء عدم وفاء الرئيس حسن روحاني بتعهداته ووعوده خلال الانتخابات التي أوصلته للرئاسة للمرة الثانية.
هناك فقر مدقع وجوع، وهناك بطالة تتسع وفساد، إضافة إلى عمليات القمع وتكميم الأفواه والاعتقالات والقتل التي تطال كل من يرفع صوته مطالباً بالحرية ولقمة العيش. وقد كانت التظاهرات تعبيراً شعبياً عن الحال التي وصلت إليها إيران من خلال الهتافات بسقوط رموز الدولة، من خاتمي إلى المرشد.
التظاهرات التي انتهت بجرح العشرات واعتقال المئات حملت عدة رسائل إلى الداخل، مضمونها أن هناك أزمة حقيقية، وأن الشعب لم يعد بمقدوره الصبر أكثر، وأن السياسات الحالية فاشلة، وكذلك أولي الأمر.
لم يعد مقبولاً أن يتم تبذير أموال الشعب الإيراني على مشاريع خارجية وسياسات عبثية، وعلى جماعات وميليشيات تخدم أجندات إيرانية، وتدخلات في شؤون دول الجوار، وعلى صناعات حربية، ويتم إنفاق مليارات الدولارات عليها، في حين ينام الإيراني على الطوى ويعيش شظف العيش ويحلم برغيف خبز، وعمل كريم وحياة إنسانية طبيعية.
إيران ليست بلدا فقيراً، هي غنية بمواردها الطبيعية من النفط والغاز وأرضها الشاسعة غنية بالزراعة، لكن مصيبتها تكمن في نظامها الذي يخضع لسلطة رجال الدين والجنرالات الذين يتقاسمون خيرات البلاد والعباد، ولكل برنامجه وجماعته في الداخل والخارج التي يحكم من خلالها قبضته وينشر أفكاره وسياساته، إما بالتدخل المباشر أو من خلال أذرع توفر لهم الهيمنة والسيطرة في أكثر من بلد عربي، في حين يتم ترك الشعب الإيراني المغلوب على أمره ضحية لواقع مر يبحث عن لقمة عيش كريمة فلا يجدها، فيضطر للنزول إلى الشارع وهو يعرف أنه في مواجهة مع نظام ظالم، ديدنه القمع والظلم، ومع ذلك ينزل ويتحدى.
هذه التظاهرات تذكرنا بالتظاهرات التي نزلت بالآلاف في العام 2009 واجتاحت معظم المدن الإيرانية من مؤيدي مير حسين موسوي، احتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة أحمدي نجاد، وانتهت بعشرات القتلى ومئات المعتقلين ووضع موسوي والشيخ مهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين وحتى الآن.
إذاً، الحراك الشعبي الإيراني ضد السلطة الدينية والعسكرية الحاكمة ليس جديداً، وطالما شهدت المدن الإيرانية تظاهرات تطالب بتحسين ظروف العمل والأجور ووضع حد للبطالة، لكن التظاهرات الأخيرة لها معان خاصة لأن المتظاهرين خرجوا عن صمتهم، بعدما فاض الكيل، وأطلقوا هتافات ضد الرئيس والمرشد مباشرة، الأمر الذي حدا بالسلطات إلى اعتبار التظاهرات غير قانونية، والدعوة إلى عدم المشاركة فيها، خشية من تداعياتها واتساعها، وأن تتحول إلى بقعة زيت، أو كرة ثلج متدحرجة يصعب السيطرة عليها.
هناك مرجل يغلي.. لكن إلى متى يمكن ضبط درجة غليانه؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"