«الإرهاب» يدفع المتطرفين في أوروبا نحو السلطة

04:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول
اتخذ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قبل أيام، قراراً يقضي بتشكيل ما يشبه ال «الحشد الشعبي» الفرنسي لمجابهة «داعش»، وتسميته في فرنسا «الحرس الوطني»، وقد عرفت فرنسا قبل أكثر من 200 عام، تجربة من هذا النوع، لكنها تخلت عنها غداة «عامية باريس» عام 1871، بل يمكن القول إن «الحشد الشعبي» الفرنسي هو الرمز الأهم في هذا البلد، لأنه يرمز للعيد الوطني. إذ بخلاف الاعتقاد الشائع بأن العيد الوطني الفرنسي، يقع في تاريخ سقوط الباستيل، فإن الفرنسيين يحتفلون في 14 يوليو/تموز من كل عام، بما يُسمى ب «عيد الفدراسيون» أو الإيلاف حيث التقى في منطقة «شان دومارس» أو الساحة الملاصقة لبرج إيفل حوالي مليون شخص من مختلف المناطق الفرنسية، واتحدوا تحت مسمى «الحرس الوطني» من أجل تغيير النظام ومجابهة القوى الأجنبية التي استدعاها لويس السادس عشر، من أجل القضاء على الانتفاضة البرجوازية الفرنسية.
وعلى الرغم من كون «العيد الوطني» يختلف عن مناسبة سقوط الباستيل، فإنه في الوقت عينه يتصل بها، ذلك أن المحاربين الراغبين بإسقاط النظام الملكي وأعوانه الأجانب، كانوا يحتاجون إلى مخزون البارود في الباستيل لحشو مدافعهم، وقد أدى البحث عنه إلى سقوط القلعة التي كانت تعتبر الرمز الأسوأ للمونارشية الفرنسية.
لكن «الحشد الشعبي» الفرنسي، اليوم، يختلف عن نظيره قبل قرنين، من حيث تكوينه الذي تميز حينذاك بطغيان البرجوازية وقدامى النبلاء والعسكريين المهنيين والمنشقين عن المؤسسة العسكرية وقدامى المحاربين، وكل الذين انحازوا للثورة وكانت الحرب مهنتهم. في حين ينضم اليوم إلى «الحرس الوطني» متطوعون من سن العشرين إلى الأربعين. ومن المنتظر أن يتولوا مهام وطنية مؤازرة في الأماكن العامة، جنباً إلى جنب مع أفراد الجيش والشرطة والجندرمة.
ينطوي هذا القرار على تقدير تاريخي للمخاطر التي تحسب فرنسا أنها كامنة في المناطق التي تلعب فيها أدواراً بارزة، لا سيما في سوريا والعراق وليبيا، وأن هذه المخاطر ليست محصورة في تلك المناطق، بل تتمدد متصاعدة إلى المتربول نفسه، منذ أكثر من عام ونصف العام، والحديث هنا لا يقتصر على العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في «شارلي إيبدو» و«ستاد دو فرانس» و«الباتاكلان» و«نيس» وأخيراً «سانت إتيان دو روفري»، وإنما أيضاً في تلك التي أجهضت، وكان من المنتظر أن تخلف ضحايا وأضراراً يصعب حصرها، أو العمليات التي يمكن أن تنفذ، خصوصاً أن 99 في المئة من هذه العمليات تمت من طرف أشخاص مصنفين في أرشيف الأجهزة، كونهم الأكثر خطورة على الأمن الوطني ويقدر عددهم بعشرة آلاف حالة.
قد تبدو صيغة «الحرس الوطني» مناسبة تماماً للتحديات والمخاطر التي تتحسب لها فرنسا هذه الأيام، وفي المستقبل المنظور، باعتبار أنها تتيح أيضاً للحياة العامة أن تسير على ما يرام في بلد يقصده ملايين السياح، وتنعقد فيه مئات التظاهرات الفنية والثقافية والرياضية والاجتماعية والاقتصادية، وكلها تحتاج إلى ضمانات أمنية، وقد تبدو مناسبة أيضاً، لجهة إشراك الناس من مختلف فئاتهم وأصولهم العرقية والثقافية في الدفاع عن الفضاءات العامة التي يلتقي فيها الجميع، وتتيح انصهاراً وطنياً، لكنها مع الأسف أي صيغة «الحرس الوطني» تصب الماء في طاحونة اليمين المتطرف، الذي ما انفك يطالب منذ أكثر من عامين، بمثل هذه الخطوة، فضلاً عن خطوات أخرى تصعيدية، قد ترى الحكومة نفسها مجبرة على الأخذ بها، وهذا من شأنه أن يعزز أسهم اليمين المتطرف لدى الرأي العام، ويقوده إذا ما طالت الحرب نحو التسليم بحكم المتطرفين.
لقد استسلمت بريطانيا للتو لرغبة المتطرفين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي صار الطريق معبداً أمام غيرهم في أوروبا.. وما يُؤسف له أن الإرهاب يتسبب بأضرار فادحة على كل صعيد، قد يكون وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا، وبعض أوروبا أخطرها على الإطلاق.
لا ينسق الإرهابيون مع اليمين المتطرف في أوروبا، لكن المؤكد أن عملياتهم التي ترهب عموم الناس تختصر المسافة بين المتطرفين والسلطة، وتضع العالم بأسره في مواجهة أم المخاطر.
صيغة «الحرس الوطني» في فرنسا التي قررها هولاند تصب الماء في طاحونة اليمين المتطرف
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"