وباء الكورونا والتعاون الدولي

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

إن الأوضاع المحزنة التي تسود العالم اليوم؛ بسبب تداعيات فيروس «كورونا»، قد أشاعت اليأس في قلوب البشرية قاطبة، وسببت صدمة اجتماعية ونفسية عنيفة، قد تطول؛ نظراً لما خلّفته من جراح على مختلف الصعد.
ولا عجب في ذلك، فإن اليأس شعور يتولد من ذهان يصيب الوعي بالخلل والاضطراب، على الرغم من أننا في عصر يتسم بأنه عصر عالمية التفكير، وعالمية الحضارة، وعالمية المعرفة، وعالمية الأزمات والحقوق والطموحات، ومشاكل الإنسان هي مشاكل عالمية، فالحياة والبيئة والموارد والطاقة هي جميعاً قضايا عالمية مشتركة، تبحث لها عن حلول عالمية مشتركة، على الرغم من تدرج الإنسان عبر التطور التاريخي؛ حيث بلغ الآن طور الوعي بأولوية المصالح الإنسانية السياسية؛ عبر عملية استبصار تنفذ إلى عوالم جديدة، تجعل الفرد والجماعة أكثر وعياً بالأبعاد المتعالية للحياة، وتقتضي المساواة العادلة في مكافحة الأمراض بين كافة شعوب الأرض؛ للقضاء على الإصابات بفيروسات الأمراض المستجدة، وتكثيف الجهود؛ لمنع تفشيها، والحد من خطورتها، وتقليل آثارها السيئة على الفرد والمجتمع.
إن السبب الرئيسي وراء كون دور الأطباء والعلماء يعد دوراً رئيسياً، أنهم ينتظمون من جميع الدول بصورة متماسكة، تربط بين أعضائها شراكة إنسانية من العلاقات الفكرية والعلمية، وتقوم على تجانس ثقافي وتوافق أيديولوجي؛ حيث يحافظون على وعيهم الطبي، وهويتهم الجماعية، مما يمكنهم من القيام بدور الطلائع على كافة المستويات في مساعدة المرضى، وفي تعاون مترابط بين أطباء الصين وكوبا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وأستراليا؛ ولا ريب، وبخاصة في هذا المنعطف نحو حقبة قانون الحياة التي تعني التعاون بعيداً عن حواجز الجغرافيا؛ من أجل إيقاظ الوعي العلمي في الجماعات، وإرهاف حس الأمم بالديمومة زماناً ومكاناً، والشجاعة في محاربة الكوارث الطبيعية، ومنها وباء كورونا الذي ينتمي إلى عائلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب أعراض رشح مميتة، وهو يبدو تحت المجهر على شكل كتلة تنبثق عنها نتوءات تشبه التاج.
والواقع أن مرض كورونا المستجدّ، والمعروف علمياً باسم «COVID 19» أحد أخطر الأوبئة التي ظهرت عبر التاريخ، وعلى الرغم من أن «كورونا» هو مرض قديم، وكان عادة يصيب الثدييات والطيور، ويُسبب عدوى في الجهاز التنفسي، فإن كورونا الجديد، بنسخته المعدّلة، هو مرض قاتل للإنسان، ومن غير المعروف إن كان هذا المرض قد ظهر بمحض الصدفة، أم أن الأيادي الخبيثة من صانعي الشرور في العالم هي التي تسببت به، سواء عن قصد أو عن غير قصد؛ لذلك نتيجة لهذا الوباء؛ فإن العالم يتجه نحو إقامة نظام طبي عالمي جديد، بعد أن فقد النظام الحالي قدرته على التعامل مع المستجدات واستيعابها، وبعد أن انهارت الفلسفة التي استندت إليها بكافة أيديولوجياتها وأنظمتها الاجتماعية والاقتصادية، وبعد أن فقد العالم سيطرته على العلاقات الدولية، وقدرته على تنظيم تلك العلاقات داخل مجتمع دولي جديد في تطلعاته وطموحاته، وفي مفاهيمه ونظرته إلى صحة الإنسان وسلامة مجتمعاته.
وفي هذه النقلات المؤلمة المباغتة؛ تتجسّد النوازع السلبية، الباعثة على الألم للقفز فوق حواجز الخوف والتردد؛ لتلتقط اللحظات الإنسانية لكتاب علم الحياة، انتصاراً للإنسان في أزمته الصحية الكبرى، ومعاناته المباشرة من هذا الوباء القاتل؛ لإيقاف تغلغله وتمدده في كافة نواحي الوجود.
هذا النظام العالمي الجديد سيسفر عن بروز عدد من القطبيات؛ لأن التوازن بين القطبيات القادمة لن يقوم على أساس أيديولوجي؛ بل على أساس من المصالح الاقتصادية والعلمية الحيوية، وسيعكس ميزان القوة في العالم قدراً أقل فأقل من هيمنة الولايات المتحدة، وقدراً أكبر فأكبر من الأهمية الصاعدة في مكافحة الأمراض والاختراعات الطبية، من مثل: الصين واليابان وأوروبا الغربية والهند؛ حيث سيسعى علماؤها إلى توفير المناخ السيكولوجي للثورة التي شهدتها وتشهدها العلوم الطبية والقوانين العلمية، بما يخدم الجنس البشري إلى العبقرية العلمية، وبروح تستحث جميع الكائنات المفكرة؛ بما يشيع التنوير والبعد البيولوجي محوراً لعلاقات الدول. وعلى الرغم من أن هذا الاعتبار هو أقرب إلى المفهوم المادي منه إلى المثالية، ولكن يغدو الزمان مكاناً والاتحاد امتداداً والعلوم الطبيعية الطبية تتمثل في وحدة الشعور أو الحس الجماعي العالمي، بحيث تصبح الشعوب كافة ليس بوحدات سياسية، إنما هي وحدات أخلاقية إنسانية، تنتظمها قوة المصير والأحكام الأخلاقية والروحية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"