عطلة أم كسل؟

03:48 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

ينسب إلى الفيلسوف كانط قوله: إن الميل إلى أخذ الراحة من غير أن نكون قد عملنا ونحن في صحة جيدة، يدعى كسلاً لا عطلة. المتعة الحسية التي لا ينال منها الملل هي، برأيه، أن نأخذ قسطاً من الراحة على هيئة عطلة بعد العمل، فبدونه لا تغدو العطلة عطلة بالمعنى الحقيقي، من حيث كونها فاصل استراحة، نرتاح فيها من العمل قليلاً ثم نعود إليه.
نعلم أن الكثيرين من البشر في مختلف بلدان العالم لم يتوقفوا عن العمل أبداً، رغم جائحة «كورونا»، لأن طبيعة أعمالهم لا تحتمل أي توقف، فمثل هذا التوقف سيعني سدّ ما تبقى من شرايين الحياة في كافة المجتمعات، والكثير من هؤلاء لم يكن بوسعهم أن ينتقلوا للعمل من منازلهم، ليس فقط لأن الجاهزية التقنية لمثل هذا الانتقال غير متاحة في الكثير من الحالات، وإنما أيضاً لأن طبيعة أعمال البعض مهم لا يمكن أن تؤدى من البيوت، خاصة منهم أولئك العاملون في المصانع من مشغلي الآلات وما إليها.
بالمقابل، فإن الكثيرين وجدوا أنفسهم، على الأقل في الأسابيع والشهور الأولى للجائحة، محمولين على التوقف عن العمل والمكوث في بيوتهم، بسبب الإغلاق المؤقت لأماكن عملهم، فضلاً عن أن الكثيرين منهم وجدوا أنفسهم، بغتة، بلا عمل، حيث ارتفعت وترتفع معدلات البطالة بنسب مهولة في مختلف الأماكن.
في أي خانة نضع هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم لا يعملون، ونخص منهم بالذات الذين لم يتوقفوا عن استلام رواتبهم، لأن لا يدَ لهم في توقفهم عن العمل، هل يمكن القول إنهم في إجازة من تلك الإجازات التي نعرف؟ هل يستمتعون فعلاً بالراحة التي قد ييسرها لهم بقاؤهم في البيت، بعيداً عن بيئات العمل ومتاعبها؟، هل ينطبق عليهم وصف كانط بأنهم يستمتعون بقسط من الراحة استحقوه بعد العمل الدؤوب، أم يقعون في خانة الكسالى، لأن ما هم فيهم من «عطالة» لم يأتهم كمكافأة على عملهم؟
هذه ليست سوى عينة من كثير من الأسئلة التي تتناسل في ظروف «الجائحة»، التي وضعت الناس أمام اختبارات غير مسبوقة، وهي أسئلة لا تحتمل القاطع من الأجوبة، لأن هذه الأخيرة تتفاوت حدّ التناقض. فحتى أولئك الذين بدوا مبتهجين في المرحلة الأولى من الحجر لتوقفهم عن العمل، مكيلين المديح لما أتاحه لهم من قرب بين أفراد العائلات، والانصراف إلى شؤون البيت المهملة، سرعان ما أدركهم الملل، خاصة وهو محاصرون بسيل الأخبار المحبطة الذي لا يتوقف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"