الشعب العربي ليس قاصراً ولا معاقاً

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

آن لموضوع مكانة، ودور، وحدود مسؤوليات المؤسسة العسكرية في بلاد العرب أن يصل إلى نقطة الحسم المعقول والمقبول من شعوبها، ومجتمعاتها.
عندما حدثت الانقلابات العسكرية في منتصف القرن الماضي، في مختلف الأقطار العربية، وبتتابع سريع، رحب الكثيرون بقادتها، وشعاراتها الوطنية والقومية الداعية إلى الاستقلال الوطني، والقومي، والقضاء على النظام الإقطاعي الجائر، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وبناء دولة الرعاية الاجتماعية، والرفض الكامل للوجود الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة. وكانت تلك الشعارات كافية لاقتناع الشعوب بتأجيل الانتقال الديمقراطي إلى حين.
وبالرغم من المقاومة والمؤامرات من قبل القوى الاستعمارية وقوى الدّاخل الرجعية الفاسدة، نجحت بعض الانقلابات العسكرية في تحقيق بعض تلك الأهداف، بينما تاه بعضها الآخر واصبح عبئاً على الوطن والأمة بسبب فداحة الأخطاء التي ارتكبها بعض قادتها، وفشل الأحزاب السائرة في ركابها، ودخول بعض المؤسسات العسكرية في ألعاب وانتهازية الغنائم والنفوذ والامتيازات.
سبعون سنة مرت والمؤسسة العسكرية في بلاد العرب في «حيص وبيص» ، والناس في «هرج ومرج» بشأن مكانتها، وأدوارها، وما تفعله، ومالا تفعله. بل ازداد الموضوع تعقيداً وخطراً بعد أن أُدخلت المؤسسات الأمنية القمعية والاستخباراتية في اللعبة ذاتها، وبعد أن أصبحت المؤسسات الاستخباراتية الأجنبية، الإقليمية والدولية، متواجدة في كل الساحات السياسية والأمنية العربية، تخطيطاً، وتدريباً، وتمويلاً، وتنسيقاً، وإملاء.
سبعون سنة طويلة انقلبت فيها المؤسسة العسكرية - الأمنية إلى طبقة حاكمة تمارس السياسة، وتملك جزءاً كبيراً من ثروات الاقتصاد والمال، وتلعب دوراً حاسماً في قمع المجتمعات المدنية المعارضة، وتتراكم امتيازاتها المادية والمعنوية. وقد سهل لذلك التحول انتهازية بعض القوى السياسية المدنية والحزبية التي أرادت أن تستعمل قدرات ومكانة المؤسسة العسكرية - الأمنية لتحقيق أهدافها، وترجيح كفّتها في ساحتي السياسة، والحكم. فكانت النتيجة أن انقلب السّحر على السّاحر، وأصبحت المؤسسة العسكرية - الأمنية هي التي تستعمل شعارات، ورجالات، ونضالات الأحزاب والنقابات وكثير من مؤسسات المجتمع المدني لمصلحتهان وترسيخ سلطاتها، واستمرارية وجودها عبر السنين.
وشيئاً فشيئاً أقنعت الشبكات الإعلامـــية وجهات العلاقات العامة التابعة لتلك المؤسسة، المواطنين بأنها وحدها، من دون غيرها، ومن دون حاجة لغيرها، القادرة على حماية الأوطان من السقوط في الفوضى والصراعات المضرة، وعلى اجتذاب الاستثمارات، وعلى بناء السلم الأهلي، وعلى محاربة الفساد، وهي قادرة على فعل كل ذلك لأنها الأكثر تماسكاً، وتنظيماً، وكفاءة، والتزاماً وطنياً، وقومياً.
ظلّت تلك الصورة مهيمنة، بصورة علنية أحياناً، وغير علنية أحياناً أخرى، حتى انفجرت الأرض العربية بحراكات وثورات ما سمي «الربيع العربي»، وظنّ الناس أن تلك الصورة ستتغير، وأن المؤسسة العسكرية - الأمنية ستراجع سبعين سنة من الإشكالات، والإملاءات، والتدخّلات في كل صغيرة وكبيرة من الحياة السياسية العربية، وبالتالي ستعود إلى ممارسة مهماتها الأساسية في حماية الأوطان من أخطار الخارج، وفي المساهمة في حماية الأمن القومي العربي، وفي حماية الأمن الداخلي كجزء من منظومة حكم مدني ديمقراطي خاضع لدستور وقوانين ومؤسسات منتخبة.
لكن أحداث ما جرى في العديد من الأقطار العربية إبان السنوات العشر الماضية، وفي اللحظة الحالية التي نعيشها، أوضحت أن تلك المراجعة لم تتم، حتى ولوجرت محاولات متواضعة هنا وهناك، حيث لا تزال بعض تلك المؤسسات تشكك في قدرة القيادات المدنية على نقل المجتمعات إلى بر الأمان والخروج من الجحيم الذي يعيشه الوطن العربي كلّه، وإن بنسب متفاوتة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"