امتحان أوباما

04:57 صباحا
قراءة 4 دقائق

إن صدقت بعض الأنباء فإن إدارة أوباما قد تكون على وشك الإقدام على موقف ستكون له أعظم وأبعد التأثيرات في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالذات في علاقة أمريكا ب إسرائيل والفلسطينيين، والعالم العربي بأسره . فقد أورد موقع دبكا فايل الإسرائيلي (22 يناير/ كانون الثاني 2011)، نقلاً عن مصادره في واشنطن أن الرئيس أوباما قد يسمح بمرور لائحة عربية فلسطينية في مجلس الأمن الدولي تدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس من دون اعتراض . ويعتقد الموقع الإعلامي أنه إذا حدث هذا، فسيسجل سابقة بأتم معنى الكلمة، أي ستكون هذه المرة الأولى التي لا تستعمل فيها الولايات المتحدة حق الفيتو لمعارضة قرار صادر عن مجلس الأمن يدين السياسة الإسرائيلية . وهو ما يعني أيضاً اهتزاز العلاقة بين واشنطن وتل أبيب .

ويقول موقع دبكا فايل إن أوباما إذا فعل هذا، فسيكون أول رئيس للولايات المتحدة يسمح بمرور لائحة عبر مجلس الأمن الدولي تدين إسرائيل، ومن تبعات ذلك أن يغدو البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفي ضواحي القدس الشرقية غير قانوني تماماً باعتراف دولي لا غبار عليه، وكذلك سيكون حال جميع ما تقوم به البلديات وقوات الأمن والجيش في هذه الأمكنة .

ومن المحتمل تماماً أن يؤدي امتناع الولايات المتحدة عن استعمال الفيتو لمعارضة مشروع القرار العربي الفلسطيني إلى أزمة دبلوماسية كما يؤكد دبكا فايل أيضاً بين إسرائيل وكل من أمريكا والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة . ولا شك في أن هذا سيعني تغييراً راديكالياً في اتجاهات الدبلوماسية الدولية التي سيطر عليها إلى حد الآن التردد والانقسام إزاء الحقوق الفلسطينية . وهو ما يعني إعادة الثقة إلى أهمية العمل السياسي والتنسيقي الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة، وسماع صوت أوروبا التي ظلت وحدها إلى حد الآن تطالب بوقف الاستيطان والعودة إلى حدود ،1967 وبالخصوص إعادة الثقة إلى الدور الزعامي للولايات المتحدة والصدقية إلى سياستها في الشرق الأوسط، لا سيما أنه من الناحية النظرية والمبدئية كانت واشنطن دائماً تقول إنها ضد الاستيطان، من دون أن يمنعها ذلك حين يجد الجد وتصل الأمور إلى مجلس الأمن من الوقوف ضد أي قرار يدين السياسات الإسرائيلية .

بالطبع، تعتقد الحكومة الإسرائيلية أنها ستظل تبتز إدارة أوباما من خلال التأكيد أن السماح بمرور قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان، سيكون تشجيعاً للفلسطينيين والدول العربية على المضي قدماً في مطلب الاستقلال الفلسطيني من جانب واحد، أي: إعلان دولة ضمن حدود ما قبل 1967 دون الحاجة إلى مفاوضات .

ولكن ليست المسألة كما يصورها الإسرائيليون . فمن المناسب التذكير هنا بأن مطلب الاستقلال هو غاية المفاوضات وغاية النضال الفلسطيني منذ بداية النزاع، أي منذ الفترة السابقة لحرب ،1947 بل هو سبق حتى الإعلان عن قيام إسرائيل، فهو سابق لمطلب وقف الاستيطان، الذي جاء في أعقاب غزو الأراضي والسيطرة عليها بالقوة .

الاستقلال حق للفلسطينيين، وقد قامت إسرائيل من دون أن تحتاج إلى تفاوض مع أحد . ومع ذلك فالفلسطينيون يتفاوضون لأنهم يحتاجون إلى مساعدة أصدقائهم وحلفائهم في الدول الغربية التي تنصحهم بهذا السلوك . وقد كان من يعارض الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود ما قبل 1967 إلى حد الآن هو إسرائيل والولايات المتحدة . وإذا جاء فعلاً ما يثبت أن إدارة أوباما ستتخلى عن تعنت الإدارات الأمريكية السابقة، وحرصها على معارضة أي قرار لمجلس الأمن يدين السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، فإن الاحتمال كبير أن الفلسطينيين والعرب معهم سيعيدون كذلك النظر في مواقفهم التي كان يسيطر عليها إلى حد الآن التشكك في نيات الولايات المتحدة وإرادتها الطيبة . وإذا ثبت لهم أن إدارة أوباما حريصة على الخروج بموقف أكثر عدلاً، عبر تسجيل اشتراكها في حل دولي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فسيقع الترحيب بالتفاوض، لأنه لا يوجد عاقل يريد أن يبدأ عهد الاستقلال الفلسطيني بحرب مع إسرائيل .

وللتذكير، فإن موقع دبكا فايل لم يكن أول من نشر هذه الأنباء عن احتمال تحول الموقف الأمريكي بهذا الشكل الراديكالي . كانت جريدة الغارديان البريطانية هي السابقة إلى نشر مقالة تتحدث عن ذلك يوم 29 ابريل/ نيسان ،2010 كتبها مراسلها في القدس روي ماكارتي . وقد قال آنذاك إن إدارة أوباما أعطت وعوداً لمحمود عباس ضمنها إمكانية اعتبار السماح لأي قرار بالمرور في مجلس الأمن الدولي خاص بإدانة الاستيطان دون استعمال الفتيو، شرط أن يقبل الفلسطينيون الدخول في مفاوضات غير مباشرة . وقد قدم هذه الضمانات شفوياً دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في لقاء مع الرئيس الفلسطيني . وقد نفى صائب عريقات في ذلك الوقت وجود هذه الضمانات (وهو أمر طبيعي، لأنه لو تحدث آنذاك لاستتبعه إخفاق مشروع المفاوضات غير المباشر حتى قبل أن يبدأ) . إلا أن الغارديان ذكرت مصدراً فلسطينياً أكد أن ديفيد هال نائب المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، هو الذي قال لمحمود عباس إن باراك أوباما حريص على التقدم في عملية السلامة وقدم له هذا الوعد .

إن المسألة محتملة تماماً، وإن أوباما إذا كان فعلاً حريصاً على السلام، فهو يعرف جيداً الطريق إليه . من المرجح أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن سيفعل كل ما في وسعه لتعطيل هذا المسعى إذا ثبت لديه أن الدبلوماسية الأمريكية ستتخلى عن استعمال الفيتو في مجلس الأمن لتمر إدانة الاستيطان الإسرائيلي دون إعاقة .

ينبغي أن يكون أوباما فعلاً مقتنعاً أنه بالإمكان تجاوز المصاعب والانتصار في المعركة على الجمود والشد إلى الوراء، لأن إعادة الصدقية إلى سياسة بلاده في الشرق الأوسط تستحق الإقدام على بعض التضحيات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"