أزمة كورية مضبوطة

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
فيصل جلول
تبدو الأزمة الكورية كأنها على صفيح ساخن في كل مرة يجري فيها نظام الشمال تجربة صاروخية، أو نووية، آخرها التجربة الصاروخية التي جرت قبل يومين، وفي كل مرة يسود التوتر، وتتسارع التكهنات حول حرب وشيكة يستخدم فيها السلاح النووي. كان يمكن لهذه التكهنات أن تظل منضبطة تحت سقف معين، وبالتالي أن ينظر إليها بالكثير من العقلانية والحذر، ومن ثم القول إنها موجة عابرة تنتظم بعدها الأمور على قاعدة سابقة، لكن تصاعد الحرب الكلامية عزز المخاوف من تدهور مفاجئ وغير محسوب، فقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيؤدب النظام الكوري الشمالي، وسيحل مشكلته في وقت سريع، إن لم يمتنع عن إجراء التجارب الصاروخية، وإن لم يباشر بتفكيك مشروعه النووي. ثم بادر إلى إرسال حاملة طائرات، لكنها غيرت خط سيرها باتجاه المياه الأسترالية قبل أن تعود إلى بحر اليابان بعيداً عن كوريا الشمالية، ربما لإعادة الحسابات وإعطاء فرصة لتسوية سياسية ممكنة.
في هذه الأثناء تجاوز الكوريون الشماليون التهديد الأمريكي، وبادروا إلى إجراء تجربة صاروخية، بيد أن الصاروخ انفجر بعيد إطلاقه بلحظات، ما أثار تكهنات حول خطأ فني، أو تخريب أمريكي لجهاز الإطلاق بواسطة المعلوماتية، والتجسس.
لم تحمل هذه التجربة الفاشلة «بيونغ يانغ» على التراجع، فأطلقت صاروخاً متوسط المدى، تبعه صاروخ جديد قبل يومين، الأمر الذي أدى إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي، وإلى إدانة هذه التجربة كما في المرات السابقة، مع تشديد العقوبات، وهذا قد لا يؤثر بقوة في النظام الكوري الشمالي الذي يعاني عزلة مزمنة، وما عادت التهديدات الإضافية تبث الخوف في نفوس قادته.
الترجيح الراهن في هذه الأزمة يغلب فرضية الابتعاد عن الحرب الكلاسيكية، أو حتى النووية للأسباب التالية:
أولاً: لقد عاش الكوريون في شمال وجنوب البلاد على وقع كل أنواع التهديدات من دون أن يؤدي أي منها إلى إشعال الحرب، وعليه نلاحظ حرص الطرفين من جانبي الحدود على عدم اختراق وقف إطلاق النار واحترام اتفاقية الهدنة. واللافت هنا أن الطرفين كانا حريصين على عدم خرق الحدود بضعة أمتار خوفاً من الحرب الشاملة، أو المفاجئة، علماً أن المنطقة الفاصلة بينهما طولها 250 كلم وعرضها 40 كلم وهي مدججة بالألغام والأسلحة، وبالتالي يمكن لأي خرق بسيط أن يشعل الجبهة، بيد أن ذلك لم يقع من قبل، وقد لا يقع من بعد.
ثانياً: يعرف الكوريون في الجنوب أهداف الرئيس الشمالي التصعيدية التي يراد منها الضغط على المجموعة الدولية حتى تمتنع عن التدخل في شؤونه، والاعتراف بالنظام القائم بوصفه قوة إقليمية جديرة بالاحترام.
ثالثاً: لقد عرفت كوريا الشمالية خلال العقدين الماضيين أزمات غذائية قاتلة، وأعلنت المجاعة على أراضيها بعد أن فقد الكوريون أكثر من مليون مواطن. والمجاعة ناجمة عن الجفاف وعن ضعف التموين الذي تخصصه المجموعة الدولية لهذا البلد. والراجح أن النظام الشمالي يناور عسكرياً حتى يحصل على مساعدات غذائية ميسرة، وعلى فك الحصار المضروب حوله.
رابعاً: شعر الكوريون الجنوبيون بالخوف إزاء تصاعد الحرب الكلامية، ثم أدركوا أن ما بين واشنطن وبيونغ يانغ «لعبة بوكر» سياسية، وأنهما في اتفاق ضمني على عدم تجاوز سقف الخسارة.
خامساً: كان يمكن لحادث طارئ، أو غير محسوب أن يشعل القتال من دون نية مسبقة، لكن حرص الطرفين على عدم الحشد العسكري المستجد في مناطق التوتر يقلل من احتمالات الخطأ علماً أن خط فصل النار بين الطرفين يتمتع باحترام دقيق من طرفيهما، كما أشرنا قبل قليل.
سادساً: إن حرباً مفاجئة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لن تظل محصورة بينهما، فالصين على سبيل المثال، سارعت إلى حشد 150 ألف جندي على الحدود مع الشمال الكوري فور الإعلان عن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية إلى المياه الكورية، والغاية من ذلك هو الحؤول دون وصول الأمريكيين، أو حتى الكوريين الجنوبيين إلى الحدود الصينية التي لا تريد قوة معادية على تماس معها.
يفصح مجموع هذه الأسباب عن ضعف خطر الحرب المفاجئة في فضاء الكوريتين، وعن إذعان الطرفين إلى هذا الحد، أو ذاك، للوقائع القاهرة منذ خمسينات القرن الماضي، لكن ذلك على أهميته لا يلغي وجوب التوصل إلى تسوية سياسية تفضي إلى حل نهائي للأزمة للكورية. والواضح حتى هذه اللحظة أن الولايات المتحدة ليست مستعجلة لإيجاد حل يعزز مكانة الأسرة الحاكمة في بيونغ يانغ، ويفضي إلى اعتراف أمريكي بكوريا الشمالية كقوة إقليمية، لأن هذا الاعتراف يلحق ضرراً كبيراً بكوريا الجنوبية، واليابان، ولا تحبذه الصين، أو روسيا التي قد لا يضيرها أبداً أن يبقى النظام الكوري الشمالي شوكة في خاصرة الإدارة الأمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"