الأنصاري بعين إماراتية

04:04 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

زاملت الدكتورة رفيعة غباش المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري أكاديمياً عدة سنوات، فترة رئاستها لجامعة الخليج العربي ومقرها البحرين، حيث كان الأنصاري يومها عميداً للدراسات العليا في الجامعة. أتاحت تلك الزمالة للدكتورة رفيعة التعرف عن قرب إلى شخصية وفكر الأنصاري، وفي التفاتة وفاء للرجل قامت بإعداد فيلم عن فكره تابعت بنفسها كل تفاصيل إنجازه، وعرض في حفل أقامته هيئة الثقافة في البحرين قبل فترة لتكريمه.
أمسكت رفيعة غباش بالمفاصل الأساسية في فكر الأنصاري ومنهجه، مستعينة في ذلك بمادة أرشيفية ثرية عرّفتنا بالطريقة التي رأى بها الأنصاري معضلات وآفاق الفكر العربي على لسانه هذه المرة، لا من كتبه مباشرة، عبر مقتطفات منتقاة بعناية من محاضراته، ومن لقاءات تلفزيونية أجريت معه.
يرى الأنصاري أن مشروع النهوض الحضاري العربي المنشود إما أن يكون شاملاً أو لا يكون؛ فلا يمكن أن ننجز إصلاحاً تربوياً دون أن يكون هناك إصلاح اقتصادي وتنموي، وهذا الأخير غير ممكن بدون إصلاح سياسي قائم على مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات العامة، لكن الديمقراطية من منظور الأنصاري، ليست مجرد صندوق اقتراع تتجاذبه عصبيات الطوائف والقبائل والعساكر على النحو الذي نراه في مخرجات الانتخابات في العديد من البلدان العربية، وهذا ما على القوى الديمقراطية حقاً أن تتنبّه له «كي لا تحرث في البحر».
الديمقراطية المرتجاة هي منظومة متكاملة تشمل أوجه الحياة المختلفة. وفكرة التقدم أيضاً هي ممارسة يومية وليست فذلكات لفظية. وعلى الرغم من الحجم الكبير لمعوقات إنجاز مهمة التقدم، فإن ذلك ليس مستحيلاً، ويضرب الأنصاري مثالاً بألمانيا واليابان اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية منهارتين مدمرتين، ولكنهما استطاعتا خلال عقود إعادة بناء واستجماع قوتهما، لأنهما اعتمدتا رؤية استراتيجية متكاملة لا مجموعة خطوات تجريبية منفصلة ومتعثرة.
لا يدعو الأنصاري إلى إعادة النظر في هدف الوحدة العربية الذي يظل صحيحاً ومطلوباً، لكنه يدعو إلى إعادة النظر في الأساليب. من هنا، فإن الرجل يرى في بناء الدولة الوطنية في كل بلد عربي على أسس حديثة وصون وحدتها، خطوة ضرورية سابقة، ولعل ما نحن شهود عليه اليوم من تفكك الدول في أقطار مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، خير شاهد على صحة ما رآه الأنصاري.
في محادثة مع رفيعة غباش قالت إنها كانت محاصرة بالوقت؛ لأن حياة وفكر الأنصاري يتسعان للمزيد، لكن ذلك لا يقلل من أهمية الجهد المقدر الذي بذلته في التعريف به عبر هذا الفيلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"