لقاءات كلفتها الأخلاقية باهظة

03:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
ما الذي يفيد لبنان عندما يستقبل مرشحة فرنسية متطرفة للرئاسة، تبحث عن شرعية دولية خارج بلادها، ويستمد حزبها العنصري تمثيله من سياسته المناهضة للمهاجرين العرب والأجانب في فرنسا؟ الإجابة عن السؤال تمر بإلقاء الضوء على ظروف الزيارة.
أسباب متنوعة تفسر ذلك، من بينها أن الرئيس عون يبحث أيضاً عن حضور دولي طال انتظاره، ولن يأتي عن طريق فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي المتعالي والمحب ل«إسرائيل». لذا استقبل عون مارين لوبان وكان قد استقبل من قبل، إيمانيويل ماكرون المرشح الوسطي للرئاسة.
يذكر أن المساعد الأبرز لمارين لوبان المحامي جليبير كولار، تولى الدفاع عن الجنرال ميشال عون عندما كان لاجئاً سياسياً في فرنسا، وبالتالي ربما يكون صلة الوصل التي رتبت اللقاء، فضلاً عن شخصيات فرنسية معروفة من أصل لبناني تحتل مراتب مهمة في «الجبهة الوطنية» ولهؤلاء علاقات وثيقة ب «التيار الوطني الحر».
أضف إلى ذلك، أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يقدّم نفسه في بيروت بوصفه الشخصية السياسية الأبرز في التأثير في قصر الإليزيه، وهو نفوذ موروث من نشاط والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، ولهذا النفوذ حساب في موازين القوى اللبنانية الداخلية، لذا كان لافتاً أن يصدر الحريري بياناً بعد لقاء لوبان يحذّر فيه من الخلط بين المسلمين والإسلام من جهة والإرهاب من جهة أخرى، هذا الخلط الذي تتعمده أحياناً «الجبهة الوطنية».
يبقى أن هذا اللقاء مهم جداً للسيدة لوبان من ناحية التأثير في الوسط الكاثوليكي الفرنسي، الذي يحرص على حماية مسيحيي الشرق ممن تعرّضوا خلال السنوات الماضية لتهديدات وجودية في العراق وسوريا. علماً أن مسيحيي لبنان، وبخاصة الطائفة المارونية كانوا المستفيد الأكبر من النظام اللبناني، بعد انهيار الدولة العثمانية، ومبادرة فرنسا لإنشاء دولة لبنان الكبير في العام 1920 من القرن الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن اللوبي الكاثوليكي في فرنسا لعب دوراً مهماً في ترشيح فرانسوا فيون عن التيار اليميني الديغولي، لأسباب عدّة من بينها تصريحاته الداعية للحفاظ على «ستاتيكو» في سوريا يتيح حماية مسيحيي الشرق، غير أنه أخذ في التراجع عن تصريحاته بعد ترشيحه، فضلاً عن اتهامه بإساءة استخدام الأموال العامة عبر تعيين زوجته وأولاده في وظائف وهمية، الأمر زاد من حظ السيدة لوبان في استدراج تأييد أكبر في الوسط الكاثوليكي الفرنسي، وهي التي تصر دائماً على القول إنها تعارض إسقاط النظام السوري، وإن أولويتها الوحيدة مكافحة «داعش» وما تبقّى هو من اختصاص السوريين أنفسهم.
في السياق نفسه يلاحظ أن لوبان تلتقي سمير جعجع رئيس «القوات اللبنانية»، أي التيار المسيحي المقاتل في الحرب الأهلية اللبنانية، والذي يحتفظ عدد من رفاقه القدامى بمواقع مهمة في الجبهة التي تقودها وريثة والدها في زعامة التيار اليميني المتطرف.
إن النظر إلى هذه اللقاءات من الجانب الأخلاقي، يلحق أذى كبيراً بالطرف اللبناني الذي ساهم بكسر الطوق الأخلاقي المضروب حول اليمين الفرنسي المتطرف، وخاصة تجاه العرب والمسلمين في فرنسا، ف «الجبهة الوطنية» تنتهج سياسة عنصرية تجاه المهاجرين العرب والأجانب في فرنسا وكانت في عهد الوالد المؤسس جان ماري لوبان، تطرح حلاً عرقياً للبطالة عبر شعار: 3 ملايين عاطل عن العمل يساوي طرد 3 ملايين عامل عربي ومسلم وأجنبي من فرنسا، علماً أن الفرنسيين لا يتولّون الوظائف المتدنية التي يشغلها الأجانب. وتطرح الجبهة حلاً عرقياً للأمن بقولها إن التدهور الأمني سببه الجنوح في أوساط العرب والمسلمين، وإن على فرنسا أن تطرد الجانحين إلى بلادهم الأصلية حتى لو كانوا قد ولدوا في فرنسا ولا يعرفون شيئاً عن بلدهم الأم. ويقوم برنامج «الجبهة الوطنية» الداخلي على الأولوية الفرنسية الأمر الذي من شأنه أن يوجّه ضربة قاسمة لشعار المساواة للمقيمين قانونياً على مختلف الأراضي الفرنسية، وهذا الشعار ضلع أساسي في ثلاثية الثورة البورجوازية: «حرية - إخاء - مساواة»، ومن بين طروحات الجبهة إعادة النظر في جنسية بعض الفرنسيين من أصل أجنبي، أو إجبار ذوي الجنسيات المزدوجة على الاختيار بين الفرنسية وغيرها، ويقدّر عددهم بمئات الآلاف.
المؤسف أن مثل هذه الشعارات باتت تحظى بأكثر من عشرين في المئة من الناخبين، بسبب أزمة البطالة والتوترات الأمنية في فرنسا، وبسبب فضائح الفساد التي تطال وجوهاً بارزة في النخبة السياسية. والواضح أن هذه المواقف لا تظهر بكامل بشاعتها خارج فرنسا، لذا تتمتع «الجبهة الوطنية» بعطف في بعض الدول العربية لأنها اعتمدت موقفاً مناهضاً للحرب على العراق، وتتخذ موقفاً مناهضاً للحرب في سوريا، ويتهمها خصومها بالعداء لليهود و«إسرائيل»، الأمر الذي يقرّبها من بعض الأوساط العربية في الخارج وبخاصة في المشرق العربي، في حين يصعب على الجبهة تسويق مواقفها في المغرب العربي، بسبب دور مؤسسها السيئ في حرب الجزائر، حيث مارس تعذيب المجاهدين الجزائريين، وفي حرب السويس، وفي قضية المهاجرين العرب في فرنسا، وهم بأكثريتهم الساحقة من شمال إفريقيا.
في المحصلة يمكن القول دون تردد إن الكلفة الأخلاقية للقاءات لوبان عالية، إلى حد اعتبار من يلتقي معها شريكاً في تبني شعارات حزبها، وإن ادّعى العكس، ولا يغير من طبيعة اللقاء شيء، إن كانت أسبابه تكتيكية.
ثمة من يعتقد أن السياسة تتيح التحالف مع الشيطان، وهو اعتقاد مفيد للأبالسة وحدهم، وليس لذوي النوايا الحسنة الذين تبلّط نواياهم أرض جهنم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"