الضغوط العالمية الجديدة على قوة أمريكا

04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري
منذ نهاية الحرب الباردة، والاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة Grand Strategy، تركز على المحافظة على هيمنتها على العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن مبدأ الهيمنة مستقر لدى القيادات السياسية على اختلافها، والموزعة على مدرستين للسياسة الخارجية، بعيداً عن الإطار الحزبي. فهناك المدرسة المثالية، وتؤمن بالسيادة الأمريكية على العالم، ولو بالقوة، وينتمي إليها من الجمهوريين جماعة المحافظين الجدد، وقليل من الديموقراطيين، والمدرسة الواقعية، وتؤمن بالسيادة النسبية، عن طريق تبادلية العلاقة مع دول أخرى، ومن خلال وسائل تأثير القوة الناعمة، ومن أقطابها من الجمهوريون الرئيس بوش الأب، وجيمس بيكر، وبرنت سكوكرفت، ومن الديمقراطيين بيل كلينتون.
ومعنى المحافظة على السيادة والتفوق، أن يكون في قدرة الولايات المتحدة تشكيل الأوضاع في دول العالم، ومناطقه الإقليمية، ومنع أي تهديدات مستقبلية. وهذا المفهوم لم يتغير طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وظل يعتمد على نظرة تفاؤلية تجاه الأوضاع العالمية.
اليوم، وبعد مرور 25 سنة على انتهاء الحرب الباردة، فإن بعضاً من مفاهيم الاستراتيجية الأمريكية، أصبحت تحت ضغوط شديدة، وهو شيء متوقع له أن يستمر على مدى السنوات المقبلة. وهذا ما أكدته الورقة التي أعدت لمجلس المخابرات الوطنية The national Intelligence Council، وشارك في إعدادها من الخبراء: بيتر فيفر، وويليام إنبودين، وبول ميللر، وكانت الورقة بعنوان «المفاهيم التخطيطية للاستراتيجية العالمية الأمريكية». ولا يمكن القول إن هذه المفاهيم صارت غير ذات موضوع تماماً، لكنها بلغت مرحلة حرجة.
وكما يقول الكاتب كريستوفر لين في كتابه «وهم القطب الواحد: لماذا يأتي صعود قوى كبرى جديدة»، أنه ينبغى التنبيه إلى أقوال الذين توقعوا، انتهاء فترة القطب الواحد، التي سادت بعد انتهاء الحرب الباردة، وأن على المسؤولين الأمريكيين التعامل مع عالم ليس هو ما كانوا يتوقعونه، وأن هذا العالم سيكون محكوماً بالتنافسية، والتحديات التي أصبح من الصعب على أمريكا أن تظل تتعامل معها، بمفاهيم استراتيجيتها نفسها التي استقرت لزمن طويل.
وما زالت الولايات المتحدة، على المستوى العالمي تستحوذ على مزايا عسكرية هائلة، من حاملات الطائرات، والطائرات من دون طيار، إلى غواصات مجهزة بقدرات نووية، وطائرات تكتيكية متطورة، لكن يقابل ذلك الصعود في تطوير القدرات العسكرية في الصين، والمستمر منذ عشرين عاماً، وهو ما يغير من ميزان القوى العسكرية في شرق آسيا.. ويخلق معوقات أمام قدرة أمريكا على التدخل هناك، لمصلحة حلفاء لها. وكما تقول مؤسسة «راند» الأمريكية، في تقرير لها، إن آسيا ستشهد خلال الفترة القادمة من خمس إلى خمس عشرة سنة، تراجعاً في القدرات الأمريكية على الحركة هناك للإبقاء على هيمنتها، وتعزيزاً للقدرات العسكرية الصينية، التي يدعمها النمو الاقتصادي السريع، الذي جعلها تستحوذ على 11.4% من الناتج الإجمالي العالمي، وارتفاع إنفاقها العسكري إلى ما نسبته 11.2% من الإنفاق العسكري العالمي، بحسب تقديرات عام 2014.
وبخلاف آسيا، ففي شرق أوروبا برامج تحديث أساسية عسكرية لروسيا، ما يسمح لها بزيادة وجودها على طول الحدود الشرقية لحلف الأطلسي، وهو ما يضعها في حالة تنافسية مع قدرة الولايات المتحدة على التدخل إلى جانب أي من حلفائها، إذا ما نشبت أزمة في هذه المنطقة.
أضف إلى ذلك، أن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين أصبحوا أقل قابلية للتدخل، استجابة لأية مطالب أمريكية لمساندة استراتيجيتها، بعكس ما كان عليه الحال في بداية فترة ما بعد الحرب الباردة. وهناك إضافة إلى ذلك، حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتمدد الإرهاب والفوضى، إلى خارج المنطقة، وبلوغه دول الغرب، ما خلق ضغوطاً على الأمن الأمريكي بشكل عام.
ومن الواضح أن قوى دولية أخرى، تكتسب مقومات التنافس مع الولايات المتحدة، بينما كانت استراتيجية الأمن القومي للسياسة الخارجية المعلنة في عام 2002، تنص على عدم السماح بظهور قوى منافسة إقليمياً، ودولياً.
وهذا ما لم تستطع الولايات المتحدة توفير ضماناته. ومعنى ذلك أن أمريكا وحلفاءها، يجدون من الصعب عليهم الآن، بلورة رؤية نهائية، ومتكاملة تجاه النظام الدولي، وأن التحديات التي تواجه مفهوم التفوق العسكري الأمريكي يمكن أن تخلق حالات أكبر من عدم اليقين لدى الولايات المتحدة، لشكل وطبيعة النظام الدولي، في السنوات القليلة القادمة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"