شجرة البلّوط تموت احتجاجاً

04:57 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

من خبروا الغربة عن أوطانهم، خاصة إذا تنقلوا بين أكثر من بلد، يعرفون معاناة البدء من جديد في كل مكان تحملهم الأقدار إليه، وفي الكثير من الحالات من دون إرادتهم، حيث يلزمهم وقت قد يطول كثيراً، أحياناً، كي تنبت لهم جذور في أرض المكان الجديد، حتى يصبح بإمكانهم أن يقفوا على أرجلهم من دون أن يتعثروا.

مثل هؤلاء مثل الشجرة التي تقتلع بجذورها، عنوة، من مكان لتغرس في مكان آخر، لتدخل في اختبارات البقاء، باذلة الكثير من الجهد للتكيف مع بيئة المكان الجديد، مع تربته، وشمسه، وهوائه، وقد تنجح في الاختبار، فتكتب لها حياة في المكان الجديد، وقد تخيب فتذبل ثم تموت، لأنها لم تجد البيئة الغريبة حاضنة لحياتها.

هذا ما حدث مع شجرة البلوط التي غرسها الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب، والفرنسي إيمانويل ماكرون، في حديقة البيت الأبيض، أثناء الزيارة التي قام بها ماكرون لواشنطن قبل أكثر من عام، متباهيين أمام الكاميرات بما قاما به، وأرادا له أن يكون تعبيراً عن الصداقة بين البلدين.

فقد أُعلن مؤخراً عن موت الشجرة التي جلبت من الأرض التي شهدت معركة غابة بيلو شمالي فرنسا، إبان الحرب العالمية الأولى وقتل فيها 2000 عسكري أمريكي على أيدي الألمان في عام 1918، وكانت أجهزة الإعلام الأمريكي لاحظت، بعد وقت قصير من غرس الشجرة، أنها اختفت من مكانها، ليتبين لاحقاً أنها نقلت إلى مكان للحجر مخافة أن تكون مصابة بأمراض، أو طفيليات.

ولكن مكان الحجر لم يشف الشجرة العليلة من علتها التي أصابتها، ربما احتجاجاً على اقتلاعها قسراً من أرضها لتحمل إلى أرض غريبة عنها، لتكون رمزاً ل«صداقة» لم يستشرها أحد في أمرها، فأُعلن مؤخراً عن موتها في المحجر الذي كان من المفترض أن تمكث فيه سنتين قبل إعادة غرسها في حديقة البيت الأبيض.

ولم يكن بالإمكان تجريد خبر موت الشجرة من شحنته السياسية التي أُضفيت منذ البداية على عملية غرسها في حديقة البيت الأبيض، لأن الشجرة التي أريد لها أن تكون تعبيراً عن ود مفترض بين أمريكا وفرنسا، اختارت لها الأقدار الموت في اللحظة التي تشهد فيه هذه العلاقات جفاء غير مسبوق، وهو جفاء يعبر عن أزمة أعمق، وأشمل في العلاقات بين أوروبا عامة، والولايات المتحدة، ولا بأس من التذكير بأن أحد عناوينه هو الموقف من التغير المناخي، بسبب عجرفة ترامب تجاه من يفترض أنهم حلفاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"