«كورونا» و«أنسنة» العلاقات الدولية

03:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

المراهنة أن تؤدي الأزمة الراهنة إلى إحداث المزيد من «أنسنة» العلاقات الدولية، وفرض قيم التعاون والاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع.

يوماً بعد يوم تتفاقم تداعيات ومخاطر ونتائج انتشار فيروس «كورونا»، ويوماً بعد يوم يجد العالم نفسه أمام حالة استنفار غير مسبوقة لمواجهة مخاطر هذا الوباء والقضاء عليه. ويمكننا أن نلحظ سباقاً مع الزمن يخوضه العلماء الكبار والمؤسسات البحثية الطبية في العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال، لإنتاج لقاح قادر على القضاء نهائياً على هذا الفيروس القاتل. وبين كل هذه الجهود المتنوعة يفرض سؤال مهم نفسه هو:

كيف ستؤثر هذه الجهود وهذا الشعور الجماعي بالخطر في العلاقات بين الدول والشعوب، وقبلها في العلاقات داخل الدول. هل يطمح العالم أن يخرج من هذه الكارثة الإنسانية بقدر أعلى من التضامن الجماعي واستعادة القيم الإنسانية لتحكم العلاقات بين الدول، أي هل نأمل بالمزيد من «أنسنة العلاقات الدولية» وجعلها أكثر إنسانية؟ وأن تعود القيم الإنسانية الراقية خاصة التضامن المشترك في مواجهة خطر وباء هذا الفيروس لتعيد ضبط انفلات سياسات الحكم في كثير من الدول بالاتجاه نحو المزيد من الثقة المتبادلة بين الحاكمين والمحكومين؟

السؤال مهم لأن العقود الأخيرة، شهدت درجات عالية من تدني القيم الإنسانية والأخلاقية كمكون أساسي للعلاقات الدولية. والمراهنة أن تؤدي الأزمة الراهنة إلى إحداث المزيد من «أنسنة» العلاقات الدولية، وفرض قيم التعاون والاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع، لكنه سيكون شئنا أم أبينا محكوماً، وبدرجة كبيرة بما ستؤول إليه «معركة الاتهام بالتآمر» بين كل من بكين وواشنطن، وحسم حديث المؤامرة. فلو ثبت بالدليل القاطع أن هناك من دبر ونشر هذا الخطر فإن العالم سيكون أمام مرحلة شديدة الغموض من إعادة صياغة منظومة تقييم مكانة قوى كبرى كانت ومازالت مسيطرة على هذا النظام.

مناخ المؤامرة يفرض نفسه بقوة هذه الأيام في ظل الاتهامات الأمريكية- الصينية المتبادلة بالمسؤولية عن نشر الفيروس. والرواية الرائجة حتى الآن في الاتهامات الصينية للولايات المتحدة هي استغلال الولايات المتحدة دورة الألعاب العسكرية العالمية التي استضافتها مدينة «ووهان» الصينية في أكتوبر/‏‏تشرين الأول 2019. ويدعم أصحاب هذه الرواية اتهاماتهم بالرجوع إلى تأكيدات منسوبة إلى العالم الصيني تشونغ نان شان، الرئيس السابق للهيئة الطبية في الصين ومكتشف فيروس «سارس» عام 2003 قال فيها: إن «فيروس كورونا جرى رصده في الصين بالفعل، لكن لا توجد أدلة على أنه صيني المصدر»، وهو بهذا التأكيد يدعم مصداقية الاتهامات الصينية بأن الفيروس جاء من الخارج ومن طرف له مصلحة مؤكدة في تدمير الاقتصاد ومشروع التقدم الصيني المتسارع نحو الزعامة العالمية، أو على الأقل عرقلته. ولعل هذا ما يشكل خلفية اتهام المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان، الجيش الأمريكي باحتمال إدخال الفيروس إلى ووهان، حيث وجه أسئلة محرجة للأمريكيين استهدف فيها تأكيد صدقية الرواية الصينية عن «المؤامرة الأمريكية» من نوع: متى ظهر هذا المرض في الولايات المتحدة؟ وكم عدد الناس الذين أصيبوا؟ وما هي أسماء المستشفيات التي يتعالج فيها المصابون؟ وخاطب الأمريكيين قائلاً: «تحلوا بالشفافية، وأعلنوا بياناتكم.. أمريكا مدينة لنا بتفسير»، ما يعني أن الفيروس كان موجوداً بالولايات المتحدة في وقت سابق قبل أن ينتقل إلى الصين.

الولايات المتحدة، ترفض بشدة هذه الاتهامات على نحو ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي حذر الصين من نشر معلومات مضللة حول الفيروس.

خطاب المؤامرة المتبادل بين الصين والولايات المتحدة ليس وحده الذي يهدد فرص الخروج بدروس إيجابية من المحنة الراهنة، لكن أيضاً مجمل سلوكيات الدول والحكومات، خاصة أن هناك من السلوكيات ما يمكن أن يرسخ من العداء بين الأمم، وهناك ما يدعم فرص ترسيخ مناخات التعاون والاعتماد المتبادل.

فالمبلغ الخيالي الذي عرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شركة «كيور فاك» الألمانية التي توشك على إنتاج «مصل» ودواء لعلاج ضحايا الفيروس بالانتقال إلى الولايات المتحدة وجعل نتائج اختباراتها المعملية وإنجازها العلمي «حصرياً» للولايات المتحدة، الأمر استنفر وزراء الحكومة الألمانية لرفض هذا المنطق الاستحواذي والاحتكاري، وتأكيد أن «ألمانيا ليست للبيع»، وفق وزير الاقتصاد بيتر التماير.

وعلى العكس من هذا السلوك الاحتكاري الأمريكي تبادر الصين بتقديم دعمها للدول المتضررة بعد أن نجحت في احتواء الوباء، وخاصة لإيران وإيطاليا الأكثر تضرراً، كما تأتي المبادرة الإماراتية ومن بعدها المبادرة الكويتية بالتواصل مع إيران وتقديم المساعدة اللازمة للقضاء على الوباء والتقليل من أضراره، وخاصة الاتصال الهاتفي لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بنظيره الإيراني لتؤكد أن العالم بمقدوره أن يرسي منظومة قيم وسلوكيات من شأنها «أنسنة» العلاقات بين الدول والشعوب، ونبذ كل ما يتهدد طموح التعاون المشترك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"