مأزق أوروبا تجاه «صفقة القرن»

04:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
بيث أوبنهايم*

على أوروبا أن تلعب دوراً حاسماً، في احتواء الخطة الأمريكية. ومن دون أوروبا، سوف تتجذر حقيقة الدولة الواحدة غير المتكافئة

عاد رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل للتوّ من زيارته الدبلوماسية لواشنطن. وخلف الأبواب المغلقة، يُحتمَل أن تكون قد دارت محادثات متوترة مع كبار المسؤولين الأمريكيين.

وتخضع العلاقة عبْر الأطلسي لتوتّر غير مسبوق. وكان آخر اختبار لمدى صلابة أوروبا هو خطة الرئيس ترامب لحلّ النزاع الفلسطيني- «الإسرائيلي»، من خلال ما يُسمى «صفقة القرن»، التي دانها بوريل.

وتُبلور صفقة ترامب سياسة إدارته تجاه النزاع: الدعم غير المشروط ل«إسرائيل»، وتضييق الخناق على الفلسطينيين. وهي تَعِدُ ب«بحلّ واقعي لدولتيْن» بينما تقدّم في الواقع حلّ دولة واحدة.

وعلى الرغم من أن الخطة لن تنفّذ أبداً على الأرجح، فسوف تشجع «إسرائيل» على المضيّ قُدُماً في عملية ضمّ الضفة الغربية خلافاً للقانون، وقد يحدُث أن تحدّد معالم التسوية المستقبلية. وتمارس «إسرائيل» سياسة الضمّ الزاحف للضفة الغربية وتوسيع مستوطناتها منذ عقود. ويريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يبدأ الضمّ الرسمي على الفور، ولكنْ بعد تحذير من كوشنر، سَينتظِر إلى ما بعد انتخابات مارس/‏آذار. وسوف يضع الضمّ بالقانون مئات الألوف من الفلسطينيين تحت الولاية القضائية «الإسرائيلية»، ويخلق واقعاً مؤكداً لدولة واحدة بحقوق غير متساوية لشعبيْن.

فكيف ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستجيب؟ كانت الاستجابة الأولية للكتلة ضعيفة، وتمثلت في الوعد ب«دراسة الخطة وتقييمها». وأصدرت الدول الأعضاء كلٌّ على حدة، بيانات متضاربة. النمسا وفرنسا وبولندا «رحّبت» بالخطة، التي وصفتها بريطانيا بأنها «اقتراح جادّ». وعلى النقيض من ذلك، عبّرت أيرلندا عن «قلقها الشديد» وأصدرت لوكسمبورج بياناً منتقِداً. وتعد هذه الاستجابة المتصدّعة، أحد أعراض مأزق سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية؛ حيث تتطلب القرارات إجماعاً- غالباً ما يكون بعيدَ المنال.

وقفت هنغاريا في طريق صدور بيان إجماعي أقوى من جانب الاتحاد الأوروبي، حول خطة ترامب، وأعلنت في وقت لاحق عن دعمها. وقد أقام نتنياهو تحالفات مع بعض دول وسط وشرق أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ممّا أوجد أرضية مشتركة بوجه خاص مع رئيس وزراء هنغاريا الشعبوي، فكتور أوربان. ولكن بوريل يبدو مستعداً لإيجاد سبُلٍ للتغلب على الشلل. وبدلاً من التخلي عن البيان، أعلن بياناً على مسؤوليته، يقول فيه إن «الخطوات نحو الضمّ... لا يمكن أن تمرّ دون تحديات». وفي مقالة رأي نشرها يوم السبت، 8/‏2، اعترف بانقسامات أوروبا في السياسة الخارجية. ودعا الممثل الأعلى أوروبا إلى «اغتنام سلطتها» وحثَّ الدول الأعضاء على عدم استخدام حق النقض ل«إضعاف الاتحاد».

البيانات كلها لا بأس بها، ولكن يجب على بوريل أن يحاذر من الوقوع في شَرَك دبلوماسية التصريحات مثل سابقته، فيديريكا موغيريني. ويملك الاتحاد قدْراً كبيراً من النفوذ على هيئة ثقل اقتصادي، وميزانيات كبيرة للمساعدات، وقدرات دفاعية قوية، وخدمة دبلوماسية واسعة وخبيرة. وعلى الرغم من الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة، أو ربما بسببه، هنالك خطوات بناءة يمكن أن يتخذها بوريل لمعارضة خطة ترامب.

ويجب على بوريل تعزيز سياسة «التفريق» بين المناطق «الإسرائيلية»، والمناطق التي احتلتها «إسرائيل» بعد عام 1967، باستثناء المستوطنات من فوائد العلاقة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي و«إسرائيل». ويعني ذلك ضمان عدم استفادة الشركات والكيانات في المستوطنات من الوصول التفضيلي إلى الأسواق أو المؤسسات أو البرامج الأوروبية. ويجب على الممثل الأعلى أيضاً، مقاومة الدعوات إلى إضافة أي تعميق للعلاقة، دون إحراز تقدم في عملية السلام.

ولا يمكن للاتحاد الأوروبي، أن يقبع منتظراً زوال إدارة ترامب- فقد تفوز بولاية ثانية. إن على أوروبا أن تلعب دوراً حاسماً، في احتواء الخطة الأمريكية. ومن دون أوروبا، سوف تتجذر حقيقة الدولة الواحدة غير المتكافئة في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة. ولذا، فقد حان الوقت لخروج أوروبا من حالة السبات.

* زميلة باحثة في مركز الإصلاح الأوروبي. (سنتر فور يوروبيان ريفورْم). موقع: الإندبندنت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"