من يؤجج التوتر السياسي في أمريكا؟

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في ضوء التطورات التي لا تتوقف ولا تهدأ حول الرئيس دونالد ترامب، فالراجح أن وضع الرئيس الأمريكي سيبقى شاغلاً للناس في أمريكا وخارجها إلى أمد غير معلوم. إذ يسترعي الانتباه أن ترامب نفسه لا يفعل الكثير لتهدئة العواصف من حوله، ولا يتوقف على سبيل المثال عن التغريد على «تويتر»، بدلاً من ترك أمر التعبير عن المواقف اليومية للناطق باسم البيت الأبيض وبقية المسؤولين المعنيين، وكأن الرجل ما زال يعيش في أجواء الحملات الانتخابية وعلى إيقاعها.
كان من الغريب أن يثور سجال علني بينه وبين وزير العدل جيف سيشنز حول طبيعة عمل الوزارة والوزير، وحول ما إذا كان هذا العمل يتأثرب «الاعتبارات السياسية». وكان لافتاً أن الرئيس وجّه الوزير للتحقيق في مسائل معينة، وأخذ عليه ضمناً تركيزه القانوني على جوانب بعينها. وهو سجال يؤدي إلى التأزيم وليس إلى شيء آخر، فإما أن ينتهي بإقالة الوزير أو استقالته، أو إلى التصعيد اللفظي المتبادل، وفي جميع هذه الحالات فإن التأزيم سيكون سيد الموقف.
لوحظ في هذه الأثناء أن الديمقراطيين المنافسين يتجنّبون في هذه الآونة، الخوض في هذا الوضع على نطاق واسع، وينشغلون بدلاً من ذلك بالتحضير لانتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك للتدليل على أنهم لا يسارعون لاستثمار هذه الحالة لغايات انتخابية، لكن الصمت لن يدوم بعد الانتخابات.
وبطريقته الصريحة التي تتحدى المألوف، فقد انبرى الرئيس وبادر من جهته هو للحديث عن مستقبله السياسي قائلاً: «إن محاولات عزلي ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد، وسوف يصبح الأمريكيون فقراء جداً». ولعل ترامب بذلك قد فتح الباب أمام الآخرين للخوض في هذه المسألة، وخاصة من طرف الصحافة التي ما زالت على درجة من القوة في زمن الإنترنت. ويسجل في تاريخ هذه الصحافة أنها فتحت الباب أمام إجراء تحقيقات مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1974، وقد استبق نيكسون هذه التحقيقات بإعلان استقالته في مستهل ولايته الثانية. بما جعله أول رئيس أمريكي يلجأ إلى الاستقالة. ولا شك أن هذه السابقة تراود أذهاناً إعلامية أمريكية، في وقت لا يكتم فيه ترامب نقمته على الصحافة والصحفيين.
إن كرة الثلج التي ألقاها الرئيس بنفسه حول مستقبله، قد شجعت كثيرين من دائرته الضيقة منهم محاميه مايكل كوهين ومديره المالي آلن ويسلبرج على الإدلاء بشهادات ضده، فيما تعرض مدير حملته الانتخابية بول مانافورت إلى اتهامات مالية ثقيلة، وقد تزامن ذلك مع تصدر كتاب «المعتوه» للموظفة السابقة في البيت الأبيض أوماروسا نيومان المركز الثاني في أكثر الكتب مبيعاً، ويتناول الكتاب ترامب بالنقد المرير. علماً أن المؤلفة كانت من أشد المناصرين بين شرائح من هم من أصل إفريقي لانتخاب ترامب. ولم يوفّر الأخير المؤلفة، إذ أمطرها رداً على ما ورد في كتابها بوابل من الشتائم.
من المؤسف أن تهتز صورة البيت الأبيض على هذا النحو، والباعث على الأسف هنا، هو صورة السياسة وصورة الساسة الذين يحملون مسؤولية السهر على أمن العالم واستقراره، فساكن البيت الأبيض هو رئيس عالمي، وليس مجرد رئيس لأمريكا ذات الخمسين ولاية.
والمنازعات والمشاحنات علاوة على الأخطاء الجسيمة التي ينظر بها القضاء الأمريكي، تضعف هيبة الدولة وتمس مفهوم الحكم في الدولة الأكبر في عالمنا، وتثير مشاعر القلق في غير مكان من العالم حول إمكانية حل المشكلات والمعضلات الإقليمية والدولية، ما دام البيت الأبيض مستغرقاً وغارقاً في منازعات مع أركان الإدارة ومع شخصيات نافذة مقرّبة من الرئاسة، فكيف يمكن معالجة قضايا كبيرة مثل الوضع في الشرق الأوسط والمنازعات التجارية مع الصين وسواها في مثل هذه الأجواء المحمومة.
ونظراً لما يتفق عليه خبراء في الشأن الأمريكي بأن أية إجراءات دستورية مفترضة بحق الرئيس سواء مضت في طريقها أو توقفت، فإنها تستغرق في العادة وقتاً طويلاً، وذلك يعني أمرين. الأول أن أجواء المشاحنات سوف تتواصل، فيما تتواصل التحقيقات مستخدمة أسلوب منح الحصانة القضائية لمن يدلي بشهادات «مفيدة وذات أهمية»، وهو ما حدث ومرشح للاستمرار، والأمر الثاني أن الرئيس ترامب لن يتاح له بعد عامين الترشح لولاية ثانية حسبما كان قد أعلن، بعد أن ارتبط اسمه بسجل واسع من الاضطراب في أوساط إدارته، وبعد أن جرّب بنفسه متاعب الانتقال من ترؤس إمبراطورية تجارية، إلى قيادة بلد كبير بأكمله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"