ماذا بعد خطاب نتنياهو ؟

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . عصام نعمان
برّر بنيامين نتنياهو أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني "ايباك" كما أمام الكونغرس الغاية من غزوته السياسية للولايات المتحدة وعرض مشكلة "إسرائيل" مع إيران "النووية"، فهل قدّم حلاً؟
المشكلة، في رأيه، "أن إيران تدرّب وتسلّح إرهابيين في القارات الخمس، وهذا ما تفعله حالياً من دون سلاح نووي . تخيّلوا ما ستفعله إيران إن امتلكت سلاحاً نووياً؟ لقد تعهدت إيران بإبادة "إسرائيل"، وإذا امتلكت سلاحاً نووياً، فيمكنها فعل ذلك . لكن محظور علينا السماح لها به" .
كيف؟
"إسرائيل" تملك 200 رأس نووي، فهل تفاجئ إيران بضربة استباقية؟ هذه مغامرة مستحيلة لألف سبب وسبب . ومع ذلك إذا قرر أي مسؤول "إسرائيلي" مجنون أن يفعلها فإن ردود الفعل الثأرية، العسكرية والسياسية والاقتصادية، قد تكون كفيلة بإنهاء الكيان الصهيوني مرةً والى الأبد .
نتنياهو يرى أن الحل في توقّف الولايات المتحدة عن مفاوضة إيران لتوقيع اتفاق سيئ معها والشروع في فرض عقوبات شديدة عليها مع تعهد باستعمال القوة ضدها إذا ما اتجهت إلى صنع سلاح نووي .
غير أن نتنياهو، وغيره كثيرون، يعلمون أن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى الحرب لضخامة تكلفتها البشرية والمادية والسياسية وهي التي ما زالت تعاني مديونية عالية بتريليونات الدولارات . ثم، لو أن استعمال القوة ممكن لما لجأت واشنطن إلى مفاوضة طهران وتعليق بعض العقوبات لإغرائها بالتوصل إلى اتفاق .
هل تفعلها "إسرائيل" بمفردها؟
لا "إسرائيل" قادرة سياسياً أو عسكرياً على فعلها، ولا نتنياهو على سوية واستعداد لتحمّل مسؤولية اتخاذ هذا القرار . لنقرأ رأي رئيس "الموساد" السابق مئير داغان الذي توّلى منصبه أثناء ولاية رؤساء الحكومة آرييل شارون، وأيهود أولمرت، ونتنياهو: "في حياتي كلها لم أرَ نتنياهو يأخذ مسؤولية على عاتقه عن أي شيء . رأيت زعماء توصلوا الى قرارات وبعد ذلك اعترفوا بأنهم كانوا على خطأ . غير أن الفارق بين نتنياهو والآخرين يكمن (في مدى) الاستعداد لتحمل المسؤولية عن القرارات . "نتنياهو قوي في الأقوال لا بالأفعال" .
هل يؤدي خطاب نتنياهو إلى نسف المفاوضات؟
أوباما جزم بأن نتنياهو لم يقدّم أي بدائل وليس فيه من جديد . إيران لاحظت بدورها أن خطابه مجرد تكرار لأكاذيب سابقة . وبالتزامن مع خطاب نتنياهو الرامي إلى نسف أي اتفاق محتمل بين الدولتين، التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في سويسرا لمتابعة التفاوض . وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا مورغيرني قالت إن هناك خطوات جادة اتخذت في المحادثات لافتة الانتباه الى قرب التوصل إلى اتفاق نووي .
حتى لو افترضنا أن المفاوضات انهارت لأي سبب من الأسباب، فإن أقصى ما يمكن أن ينجم عن ذلك هو قيام إدارة أوباما بأبغض "الحلال" لديها: تشديد العقوبات، وهو أمر وضعته طهران في حسبانها وأعلنت أنه لن يحملها على وقف برنامجها النووي .
ما تأثير الخطاب في العلاقات الامريكية - "الإسرائيلية"؟
تأثيره سيئ . بعض المسؤولين الأمريكيين قال إنه مدمر . كما قالت سوزان رايس مسؤولة الأمن القومي الأمريكي . مصدر الضرر الأكبر قول نتنياهو إنه ليس بحاجة الى معلومات حول البرنامج النووي الإيراني تقدّمها له وكالة الاستخبارات المركزية C .I .A . "لأن لنا مصادر أخرى"! فقد فُسرت عبارته الأخيرة بأن "إسرائيل" تتجسس على الولايات المتحدة .
لعل رأي السفير الأمريكي السابق لدى "إسرائيل" مارتن أنديك يرسم صورة واقعية عن أثر الخطاب في علاقة الدولة الام مع ابنتها المدللة بقوله إنها في وضع سيئ وهو ما يدعو الى الحزن، معتبراً أن "إسرائيل" تدخلت في السياسة الداخلية الأمريكية الحزبية، وهذا أمر مؤسف .
إنه أمر غير مؤسف بطبيعة الحال لحزب نتنياهو (ليكود) وسائر أحزاب اليمين "الإسرائيلي" . فالخطاب رفع، مؤقتاً، أسهم الرجل الطامح إلى تجديد ولايته في رئاسة الحكومة خلال الانتخابات الوشيكة المقبلة . ذلك غير مضمون حتى الآن وإن كان غير مستبعد . غير أن ثمة سؤالاً ما زال مطروحاً هو أيهما أفضل ل"إسرائيل" وقبلها للعالم، التوصل الى اتفاق مع إيران أم لا؟
البروفيسور في أبحاث الانتشار النووي في معهد الدراسات الدولية في منوتري بولاية كاليفورنيا الامريكية افتر كوهين تبرع بجواب لصحيفة "هآرتس" (3-3-2015) المستقلة والأقرب إلى اليسار بقوله: "إن الاتفاق المطروح ليس سيئاً بالنسبة إلى "إسرائيل"، الدولة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط،لكنه سيئ جداً بالنسبة لنتنياهو . فتوقيع الاتفاق سيسمح لسكان "إسرائيل" بالعيش خلال جيل أو أكثر من دون تهديد بخطر وجودي من جانب إيران، لكنه سينزع من نتنياهو علة وجوده كزعيم" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"